برلين ـ وكالات
رغم اهتمام البوسنة والهرسك بتوليد الطاقة الكهرومائية منذ فترة طويلة، إلا أن الدولة لا تدعم أو تنظم استغلال مصادر الطاقة المتجددة الأخرى، لذا تبقى الإمكانات الكامنة للطاقة الشمسية وطاقة الرياح غير مستغلة بشكل كاف.
كانت البوسنة والهرسك تعتبر من البلدان الرائدة في مجال إنتاج الطاقة المتجددة، فقد بدأت قبل ستين عاما عندما كانت جزءا من جمهورية يوغوسلافيا السابقة بالتوسع في محطات الطاقة الكهرومائية، بحيث أصبحت البلاد تستمد منها نصف احتياجاتها من الطاقة. وفي الوقت نفسه لم تواكب البوسنة والهرسك التطور، وتخلفت عن توسيع استغلال أشكال الطاقات المتجددة الأخرى، مهدرة بذلك الكثير من الإمكانات.
ويرجع ذلك بشكل أساسي إلى الوضع السياسي الصعب، كما يقول خبير الطاقة فيران بيرشيك من منظمة ايكو كرافر الكرواتية غير الحكومية، موضحا أن بعد الانتخابات الأخيرة استغرق تشكيل الحكومة الجديدة في البوسنة والهرسك عامين كاملين، متسائلا: “كيف يمكن في ظل وضع كهذا أن تتاح الفرصة لتشجيع توسيع الطاقات المتجددة؟“. وتعد إحدى أكبر المشاكل في البوسنة والهرسك، هي أنه لا يمكن الحديث عن وجود "دولة" بالمعنى المفهوم، فهذا البلد الذي خرج من حرب أهلية قاسية مقسم إلى جمهوريتين، ولكل منها برلمان يتخذ معظم القرارات السياسية بشكل مستقل عن الآخر، بما في ذلك القوانين الخاصة بإمدادات الطاقة.
وتأتي النسبة الأكبر من الطاقة الكهربائية لاستهلاك سكان البلاد البالغ عددهم أربعة ملايين وستمائة ألف نسمة من الوقود الأحفوري، فحوالي نصف حاجة البلاد من الكهرباء يتم توليدها من الفحم الحجري الضار بصحة المناخ. أما الباقي فيتم الحصول عليه عن طريق توليد الطاقة الكهرومائية من السدود الكبيرة. وبالرغم من أن توليد الطاقة الكهرومائية لا ينجم عنه إلا نسبة منخفضة من ثاني أكسيد الكربون، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة أنها رفيقة بصحة البيئة والمناخ.
ويخلف توليد الطاقة الكهرومائية آثار سلبية كبيرة على البيئة، وبالتالي "لا ينبغي اعتبارها شكلا من أشكال الطاقة المتجددة"، كما يقول زوران ماتيلياك خبير الطاقة الكهرومائية في فرع منظمة WWF في البوسنة. ويدعم الخبير وجهة نظره بمثال مشروعات الطاقة الكهرومائية الكبيرة التي تعرض الأراضي الخثية للخطر، وفي زوال تلك الأراضي ضرر كبير على البيئة والمناخ، إذ أنها تخزن كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون. ويضيف الخبير: "اذا دمرت الأراضي الخثية، فسيترتب على هذا ارتفاع انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في البوسنة والهرسك إلى حد كبير، لذا فهو يدعو إلى المزيد من الاستثمارات مستقبلا في الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.
وكما يقول له زميله الكرواتي بيرشيك، فإن الإمكانات متوفرة لإنتاج الطاقة الشمسية وطاقة الرياح على حد سواء، وفي جنوب البلاد بشكل خاص تتوفر الظروف المناسبة لتوليد الطاقة الشمسية، "فأسرع طريقة لاستغلال إمكانات الطاقة الشمسية المتاحة في البوسنة هي عبر استثمار من جانب كرواتيا،" وكما يضيف خبير الطاقة، "في الدولة المجاورة كرواتيا تعمل الشركات بالفعل، على بناء النظم الكهربائية الضوئية على البحر المتوسط بالقرب من الحدود مع البوسنة والهرسك. وسيكون من السهل على الشركات أن تنقل نشاطها عبر الحدود." لكن ثمة مشكلة يجب حلها أولا بحسب الخبير، وتتمثل في أنه "لا يمكن استغلال أراض واسعة لأن هناك ألغاما أرضية، وإزالتها تكلف الكثير من المال."
التوسع في طاقة الرياح والطاقة الشمسية يسير بوتيرة بطيئة
حتى الآن تم في البوسنة والهرسك تشغيل نظم صغيرة لتوليد الطاقة الشمسية. ووفقا لتقرير رفعته الحكومة في عام 2009 إلى أمانة المناخ التابعة للأمم المتحدة، فإن تلك النظم الصغيرة تغطي مجتمعة مساحة تتراوح بين أربعة آلاف و ستة آلاف متر مربع. وبحلول عام 2020، يمكن لهذه المساحة أن تزيد بنسبة عشرة أضعاف أي إلى خمسين مترا مربعا، بينما سيرتفع الإنتاج الكلي إلى 33 غيغاواط/ ساعة سنويا، وهو ما يكفي لتغطية حاجة عشرة آلاف منزل في أوروبا الوسطى على مدى عام كامل.
لكن وبعد مرور ثلاث سنوات على نشر التقرير، لاتزال البوسنة والهرسك بعيدة كل البعد عن تحقيق تلك الأهداف. وحتى مجرد القيام بعمليات حصر أمر صعب، لأن في اتحاد البوسنة توجد قاعدة بيانات واحدة تتبع لوزارة الطاقة وتحتوي على المشاريع الحالية، وحتى قاعدة البيانات الوحيدة هذه لا تزال غير مكتملة. وهي تحتوي على معلومات حول ثلاث محطات للطاقة الشمسية بسعة إجمالية تبلغ حوالي 0.16 غيغاواط. إن مشاريع الطاقة الشمسية التي تم إنشاؤها أو المخطط لها في المستقبل والتي يبلغ عددها 86 مشروعا، ستعمل بسعة تصل إلى أكثر من عشرة أضعاف السعة الحالية.
وتحتوي قاعدة بيانات وزارة الطاقة أيضا على معلومات حول أول مشروع لطاقة الرياح في البلاد، وهو يعرف باسم موشتره واحد، ورغم الفراغ من إنشائه، إلا أنه لم يتم توصيله بالشبكة حتى الآن. وبالإضافة إلى ذلك من المخطط إنشاء 23 مشروعا آخرا لتوليد طاقة الرياح.
وإلى جانب الظروف السياسية الصعبة، يقف ارتفاع التكاليف في وجه التوسع في مجال الطاقات المتجددة. ولتغيير هذا الوضع تبنت الجمهوريتان العام الماضي، قوانين لتسعير الكهرباء التي يتم تزويد الشبكة بها من مصادر الطاقة المتجددة، وذلك بهدف تحفيز الشركات. وهذا أمر ضروري بالنظر إلى أن حكومة البوسنة والهرسك تسعى بحلول عام 2015 إلى بناء مزارع للرياح، بقدرة تصل إلى 900 ميغاواط.
وعلى الرغم من الدعم المخطط لهذا الهدف، إلا أن الخبراء يرون أنه غير واقعي بحسب دراسة جديدة أجرتها الأمانة العامة لميثاق الطاقة، وهي الجهة المسؤولة عن تنفيذ المعاهدات في مجال الطاقة في البوسنة والهرسك. ووفقا لتقديرات الأمانة، فمن المرجح أن تتراوح قدرة مزارع الرياح بين 400 إلى 600 ميغاواط. وللمقارنة، فإن أعلى مزارع الرياح قدرة في العالم، توجد حاليا في كاليفورنيا في الولايات المتحدة الأمريكية، وتصل قدرتها إلى 1.320 ميغاواط.
تتقاسم ثلاث شركات سوق توليد الطاقة في البوسنة والهرسك فيما بينها، ويعتبر خبير الطاقة في منظمة WWF الارتباط الوثيق مع السياسة، سببا إضافيا لعدم تحقيق تقدم ملموس في مجال الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. وكما يقول ماتيلياك فإن "إدارة شركات الطاقة تتغير بتغير الحكومات. وتدر مشروعات الطاقة الكهرومائية الكبيرة أرباحا أكبر وأسرع، مقارنة بالخلايا الكهربائية الضوئية الموزعة بشكل لا مركزي."
أرسل تعليقك