كشف تقرير "الأمن الغذائي في البلدان العربية" الذي تم إطلاقه في افتتاح المؤتمر السنوي للمنتدى العربي للبيئة والتنمية "أفد" في العاصمة الاردنية ويستمر يومين أن العرب يستوردون نحو نصف حاجتهم من المواد الغذائية الرئيسية مؤكدا إمكانات تعزيز الإنتاج الغذائي العربي بحزمة تدابير في طليعتها تحسين الإنتاجية وكفاءة الري والتعاون الإقليمي.
وقال طاهر الشخشير وزير البيئة الاردني في كلمة القاها نيابة عن راعي المؤتمر جلالة العاهل الاردني الملك عبدالله الثاني إن تحقيق الاكتفاء الغذائي في المنطقة العربية يتطلب التركيز على التعاون العربي التكاملي استنادا الى التفاوت الكبير بين بلدان المنطقة في الأنظمة البيئية والموارد الطبيعية.
وأشار الى أن الأردن من البلدان الأكثر شحا بالمياه "وفي ظل الأزمات السياسية المتلاحقة في دول الجوار واستضافة الأردن لملايين الأشقاء العرب خاصة اللاجئين السوريين فانه يشهد الآن أزمة غذائية غير مسبوقة نتيجة الطلب المتزايد على الماء والغذاء, مما يشكل تحديا إضافيا على الحكومة الأردنية". وأكد على ضرورة التنسيق والتعاون مع المجتمعين العربي والدولي لايجاد الحلول المناسبة.
وساهمت هيئة البيئة في أبوظبي في المؤتمر بصفة الشريك الرسمي وجامعة البترا الأردنية بصفة الشريك المنظم ودعمه عدد كبير من المنظمات الإقليمية والدولية وصناديق التنمية والقطاع الخاص.
وألقت سعادة رزان المبارك الأمين العام لهيئة البيئة أبوظبي الشريك الرسمي للمؤتمر كلمة قالت فيها إن تحقيق الأمن الغذائي في المنطقة العربية "يتطلب التوازن ما بين تأمين واردات الغذاء وتحقيق الاكتفاء الذاتي من خلال تغيير طريقة الإنتاج الزراعي مع تحقيق الاستدامة البيئية.. وهذا يخلق فرصا اقتصادية جديدة تجذب جيلا جديدا إلى قطاع الزراعة".
وأشارت إلى عمل هيئة البيئة في أبوظبي على تطوير مفهوم ميزانية المياه المستدامة التي تتضمن تكامل كميات المياه الجوفية والمياه المحلاة والمياه المعاد تدويرها مع تحسين كفاءة الري والتنسيق بين البلدان العربية.. واعتبرت أن تقرير المنتدى العربي للبيئة والتنمية "يشير الى الفرص التي من شأنها تعزيز الأمن الغذائي ويقدم لنا أساسا يمكن أن نبني عليه لتحقيق تنسيق إقليمي قوي".
ويشير تقرير "أفد" إلى أن الإنتاج الزراعي في البلدان العربية يواجه تحديات كبيرة في مقدمها الجفاف ومحدودية الأراضي الصالحة للزراعة وندرة مصادر المياه والنمو السكاني المتسارع فضلا عن مضاعفات تغير المناخ..
ويبرز العجز الغذائي من خلال نسبة الاكتفاء الذاتي البالغة نحو 46 في المائة للحبوب و37 في المائة للسكر و54 في المائة للدهون والزيوت.. أي أن العجز يصل إلى نحو نصف الحاجة من المواد الغذائية الأساسية. ويدعو التقرير الى جملة حلول تتمحور حول زيادة كفاءة الري ورفع معدلات إنتاجية الأراضي وهي اليوم من أدنى المعدلات في العالم.
وتنشر في التقرير للمرة الأولى مجموعة خرائط تم إنتاجها بناء على أحدث الأرقام والمعطيات تظهر مواقع وجود المياه العذبة والأراضي الصالحة للزراعة والأراضي الصالحة للرعي وتبين الأهمية الكبرى للتعاون الإقليمي في إنتاج الغذاء .. وتم إنتاجها بالتعاون مع المركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة " إيكاردا".
وشارك في المؤتمر 750 مندوبا من 54 دولة يمثلون 170 مؤسسة من القطاعين العام والخاص والمنظمات الإقليمية والدولية وهيئات الاستثمار الزراعي ومراكز الأبحاث والجامعات والمجتمع المدني ووسائل الإعلام.. كما يشارك في المؤتمر 40 طالبا من جميع أنحاء المنطقة العربية في إطار مبادرة "قادة المستقبل البيئيين" التي يرعاها المنتدى.
وألقى دولة الدكتور عدنان بدران رئيس مجلس أمناء المنتدى العربي للبيئة والتنمية كلمة ترحيبية قال فيها إن تقرير "أفد" حول الأمن الغذائي العربي الذي عملت عليه مجموعة خبراء ينتمون إلى مختلف مناطق العالم العربي هو نتيجة عمل جماعي تعاوني تم تحقيقه بالاشتراك مع منظمات وهيئات إقليمية ودولية وجامعات ومراكز أبحاث وساهم فيه أكثر من 250 باحثا واختصاصيا ينتمون إلى 20 بلدا و40 مؤسسة.
وقدم أمين عام المنتدى العربي للبيئة والتنمية نجيب صعب تقريرا عن أعمال المنتدى لسنة 2014 أوضح أن "أفد" استقطب مزيدا من الشركاء الإقليميين والدوليين بما في ذلك الصندوق العربي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والصندوق الكويتي للتنمية والفاو والإسكوا وإيكاردا والبنك الإسلامي للتنمية والمنظمة العربية للتنمية الزراعية وملتقى المعرفة للنمو الأخضر.
وتم تقديم تقرير "أفد" حول الطاقة المستدامة في 12 اجتماعا إقليميا ودوليا رئيسيا وأطلق نقاشات إيجابية وصولا إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة وأدت توصياته إلى اتخاذ إجراءات تتعلق بالسياسات الوطنية في عدة بلدان عربية.
ولقيت مبادرة الاقتصاد العربي الأخضر التي أطلقها "أفد" تأييدا قويا في منتديات إقليمية خاصة على مستوى مجلس التعاون الخليجي وساهمت في دفع التحول إلى الاقتصاد الأخضر على المستويات الوطنية والإقليمية وحتى العالمية.
وأصدر "أفد" دليل كفاءة المياه كجزء من مبادرة الاقتصاد الأخضر.. وتم استعمال دليل "أفد" حول كفاءة الطاقة في مباني المكاتب في أكثر من 18 بلدا عربيا.
ووسع "أفد" برنامج التعليم البيئي في المدارس الذي يدعمه دليل وموقع إلكتروني إلى مزيد من المدارس في السعودية ولبنان والأردن والجزائر.. وازداد متتبعو موقع الفيسبوك من مائة ألف إلى أكثر من 600 ألف خلال سنة واحدة وبلغ زائرو الموقع الإلكتروني مليونين شهريا.
وقال صعب: "لقد منعت الاضطرابات الإقليمية تنفيذ بعض أهداف سنة 2014 بالكامل خصوصا في البلدان حيث أدت الأحداث إلى عرقلة البرامج.. ولكن أمكن تجاوز الأهداف الموضوعة في مجالات أخرى".
وكان لسمو الأمير الحسن بن طلال رئيس منتدى الفكر العربي ومؤسس منتدى غرب آسيا وشمال أفريقيا كلمة رئيسية تحدث فيها عن دور التعاون الإقليمي في تعزيز الأمن الغذائي خصوصا مع توقع ازدياد الطلب على الغذاء بنسبة 50 في المئة سنة 2030 نتيجة ازدياد عدد السكان.
وأكد أن الاستثمار في البحوث والبنى التحتية والاستثمارات الزراعية المسؤولة والصديقة للبيئة مدعومة بسياسات ملائمة ومؤسسات كفوءة يمكن أن تزيد حصة الفرد العربي بنسبة 35 في المائة بحلول سنة 2050.
ورأى أن زيادة القدرة الإنتاجية للمجتمعات الريفية من خلال تحسين حصولها على تكنولوجيات زراعية محسنة واستثمار في مهاراتها وتثقيف سكانها هي ما يجب أن يتصدى له رؤساء الدول ورؤساء الحكومات والساعون الى تغيير حقيقي: شعارات أقل ومضمون أكبر.
وتم عرض فيلم وثائقي أنتجه المنتدى العربي للبيئة والتنمية بعنوان "إطعام 400 مليون عربي".
في الجلسة الأولى عرض الدكتور عبدالكريم صادق المحرر المشارك لتقرير "افد" وكبير الاقتصاديين في الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية وضع الأمن الغذائي في البلدان العربية كما جاء في التقرير.
وشارك في الجلسة الدكتور عبدالسلام ولد أحمد المدير العام المساعد والممثل الإقليمي لمنظمة الفاو ولوكاس سيمونز المدير التنفيذي لمؤسسة نيوفورسايت الاستشارية في استراتيجيات التنمية الزراعية في هولندا.
وتناولت الجلسة الثانية دور العلوم والتكنولوجيا في الأمن المائي والغذائي.. وأدارها وزير البيئة اللبناني محمد المشنوق وعرض فيها الدكتور محمود الصلح المحرر المشارك لتقرير "افد" والمدير العام لإيكاردا أبرز ما جاء في الفصل الذي كتبه حول الموضوع.
وشارك في النقاش الدكتور علي الطخيس عضو لجنة الأشغال في مجلس الشورى السعودي والدكتورة نهلة حولا عميدة كلية الزراعة والعلوم الغذائية في الجامعة الأميركية في بيروت والدكتور رضا الحسن رئيس لجنة البيئة في مؤسسة الكويت للتقدم العلمي.
وفي الجلسة الثالثة التي أدارها المهندس خالد الإيراني رئيس الجمعية الملكية لحماية الطبيعة ووزير الطاقة والبيئة السابق في الأردن عرض الدكتور أيمن أبوحديد وزير الزراعة ومدير مركز الأبحاث الزراعية السابق في مصر أثر تغير المناخ على الأمن الغذائي.
وخصصت الجلسة الرابعة لموضوع تعزيز الأمن الغذائي وأدارها الدكتور نديم خوري نائب الأمين التنفيذي للإسكوا. فتحدث الدكتور كامل شديد مساعد المدير العام لإيكاردا عن الزراعة البعلية والمزارعين أصحاب الحيازات الصغيرة.
وتناول الدكتور شادي حمادة رئيس دائرة العلوم الزراعية والحيوانية والبيطرية في الجامعة الأميركية في بيروت وضع الثروة الحيوانية ودورها في الأمن الغذائي. وشارك في النقاش الدكتور سعيد الصغير زروالي رئيس برنامج الفلاحة والتنمية الريفية في لجنة التخطيط العليا في المغرب والدكتور خالد الرويس منسق كرسي الملك عبدالله للأمن الغذائي في جامعة الملك سعود في الرياض والدكتور حمو العمراني خبير الموارد المائية والمناخية في جامعة الدول العربية.
ويبدأ اليوم الثاني للمؤتمر غدا صباحا بجلسة حول انعكاسات الإمدادات وتقلب الأسعار على الأمن الغذائي العربي.. تليها جلستان حول خيارات الأمن الغذائي في دول مجلس التعاون الخليجي ومبادرات عربية لتعزيز الأمن الغذائي.
وتعقد ثلاث جلسات متزامنة تتناول مسودة تقرير الإسكوا حول آفاق تعزيز توافر القمح ومبادرات المجتمع المدني في الأمن الغذائي ومنتدى قادة المستقبل البيئيين. وبعد مناقشة رفيعة المستوى حول كيفية حل تحديات الأمن الغذائي في البلدان العربية تعلن توصيات المؤتمر في جلسة ختامية.
وذكر التقرير أنه يتم استخدام 85 في المائة من المياه لأغراض الزراعة.. لكن كفاءة الري في 19 بلدا عربيا لا تتجاوز 46 في المائة بالمقارنة مع معدل عالمي يصل إلى 70 في المائة.. وإذا وصلت البلدان العربية إلى المعدل العالمي فيمكنها توفير 50 بليون متر مكعب من المياه أي ما يكفي لإنتاج 30 مليون طن من الحبوب وهذا يوازي نصف كميات الحبوب المستوردة.
ولفت التقرير إلى المعدلات العالية للسحوبات المائية لأغراض زراعية بمتوسط يساوي 630 في المائة من إجمالي المياه المتجددة في بلدان مجلس التعاون الخليجي ويصل إلى 2460 في المائة في الكويت.
وتعتبر الحصة السنوية للفرد العربي من المياه المتجددة أقل من 850 مترا مكعبا مقارنة بالمتوسط العالمي الذي يفوق 6000 متر مكعب.
وأشار التقرير الى أن الكمية المعالجة من مياه الصرف البلدي تساوي نحو 48 في المائة فقط من نحو 14 مليون متر مكعب سنويا في البلدان العربية.. ولا تتجاوز كمية مياه الصرف المعالجة المستخدمة في الري الزراعي تسعة في المائة في بلدان مثل مصر والأردن والمغرب وتونس فيما بلدان مجلس التعاون الخليجي تستخدم نحو 37 في المائة في الزراعة.
وبينت برامج في بعض البلدان النامية أن الغلال قابلة للزيادة بمعدل ضعفين أو ثلاثة أضعاف من خلال استخدام مياه المطر المجمعة مقارنة بالزراعة الجافة التقليدية.
ويمكن لزيادة متوسط غلة الحبوب المطرية من مستواها الحالي البالغ نحو 800 كيلوغرام للهكتار إلى ضعفين أو ثلاثة أضعاف أن تضيف ما بين 15 و30 مليون طن من الحبوب إلى الإنتاج السنوي الحالي البالغ نحو 51 مليون طن في المنطقة العربية.
دعا التقرير إلى تعزيز إنتاج الأسماك ولحوم الدجاج وترويج استهلاكها بدلا من اللحوم الحمراء وذلك لأسباب اقتصادية وبيئية وصحية. كما دعا إلى التحول الى منتجات زراعية التي تتطلب كمية أقل من المياه وتوفر قيمة غذائية مناسبة.. وهذا كله يستدعي تبديلا في أنماط استهلاك الغذاء.
أرسل تعليقك