لندن – صوت الإمارات
رغم الجهود الكبيرة التي بذلها المعماريون لاختصار عدد الجدران في مساحات العمارة الحديثة وفضاءاتها، فرضت الضرورات العملية للجدران نفسها واستطاعت أن تكرس وجودها وتدعمه من خلال التسليم بهذه الضرورات الهيكلية في معظم الأحوال.
على أن وجود الجدران مسألة تتعدى العمارة الحديثة لتشكل واقعاً يصعب تجاوزه أو القفز عنه في العمارات القديمة التي تشكل النسبة الكبرى من المناطق الحضرية في المدن والأحياء.
ومن واقع هذه الضرورات، بزغ الاهتمام الجدي بتكييف الجدران ومنحها وظائف جمالية، جعلتها صاحبة دور حيوي في المشهد الزخرفي الداخلي. وهكذا تحولت الجدران بالاضافة إلى دورها العملي إلى لاعب أساسي في رسم الأجواء المنزلية وإضفاء ملامح مميزة على فضاءاتها المتعددة، في تناغم كامل مع كل الميول والتيارات والأنماط والأساليب.
ومن خلال هذه الأدوار، كشفت الجدران حيوية بالغة في إنتاج تعابير جديدة، متعددة المظاهر، تارة رصينة الى حد المحافظة، وأحيان أخرى جسورة الى حد الإثارة.
على أن دور الجدران لا ينحصر في تفعيل الجو الزخرفي والمساهمة في منحه أبعاداً مفتوحة على مفاهيم جديدة للرفاهية المنزلية. بل يتعدى ذلك وصولاً الى حد المشاركة في الحلول المطلوبة أحياناً كثيرة لترميم البنية الهندسية، وتخليصها من شوائب أصيلة أو طارئة، من خلال اخفاء بعض العيوب التي تعتري الهيكل.
فمن خلال الطلاء مثلاً يمكن الجدران أن تمنح شعوراً متزايداً باتساع المساحة، أو تعمل على اختصارها.
كذلك يمكنها من خلال خيارات الملمس أو العناصر الزخرفية الناتئة أن تضيف الى المشهد أبعاداً تساهم في تجسير التباينات الشكلية والمواءمة بينها وبين الطرز المختارة أو المرغوبة.
وإنطلاقاً من هذا المنظور، سعى العاملون في المجال الزخرفي الى تحسين شروط إبتكار مظاهر متقدمة للجدران، وذلك عبر إبتكار أساليب تأهيل ومعالجات غير مسبوقة، من عمليات التلبيس والترصيع بمواد طبيعية متعدّدة لا تنحصر في الأحجار والجلود والأقمشة بل تصل الى أنواع من المعادن أو الزجاج المصقول، الملوّن بمعالجات طليعية آسرة.
على أن الطلاء يبقى من العلامات الفارقة في أهميتها، لعلاقتها الوثيقة ليس بالجدران كحوامل مادية لها، ولكن للمشاركة في التأثيرات الكبيرة المولدة لأجواء مختلفة ومميزة، تنطلق من التصورات الغرافيكية الخلابة، أو تستحضر نباتات الطبيعة وعناصرها الأكثر نبلاً وبهاء.
إلا أن المسالة تبقى في تحديد الخيارات المناسبة للنتيجة المطلوبة.
وتعتبر الجدران، اليوم، من أكثر المساحات قرباً الى البيئة، ذلك أن ما هو متوافر لها من مواد طبيعية يجعلها صديقة بل شريكة ملائمة للبيئة.
وهي كذلك ليس من حيث الخيارات العديدة لموادها فحسب، بل أيضاً من خلال الدور الذي تضطلع به في تقديم البيئة الى الذاكرة اليومية وإستحضارها من خلال ما يمكن أن تنقله من أجواء خارجية الى الداخل، عبر خيارات ورق الجدران التي تعنى بموضوع البيئة، أو من عبر المعالجات الجمالية التي تلعب دور الذاكرة الحية لعناصر بيئية، يهيئ حضورها اليومي في الداخل المنزلي لإقامة صداقة دائمة ووثيقة مع البيئة.
فالأساليب الجديدة والمبتكرة في المعالجات الخاصة بالجدران، فتحت آفاقاً جديدة لمقاربات فذة، لم تكن معهودة، فمنحتها مظاهر الغرابة والتكلف في بعض الأحيان، وفي أحيان أخرى أضفت عليها الفخامة والبساطة في آن واحد.
ولكنها في كل أطوارها تبدو مثيرة وجذابة. وهي كذلك في الشقق الصغيرة المتواضعة أو في البيوت الكبيرة، وربما القصور الفارهة.
وهكذا تتسع مساحة الطروحات المتعلقة بالجدران، لتتصل بالاسلوب الزخرفي وعلاقته بالموضوع المرتجى.
ففي هذه العلاقة يبرز التميز، حيث المزاوجة الزخرفية بين الكلاسيكي والحديث يتم التعبير عنها من خلال خيارات رصينة للمواد وأيضاً للتخطيطات والعناصر ذات الصلة.
فبراعة التصميم ومهارة التنفيذ تجعلان من هذه المعالجات ترتفع الى مستوى الإبداع. فالجدار الذي تعلوه الأفاريز الكلاسيكية البديعة و يحتضن لوحة فنية حديثة، يمكن أن يشكل عنصراً رئيسياً في صياغة فضاء المكان، ويضيف اليه تميزاً وبعداً جمالياً تصعب حيازته بوسائل أخرى.
وكذلك الدفء الذي تبثه جدران ملبسة بأنواع مختارة من الأخشاب، بحيث أنها تضفي أناقة لافتة، بانسجامها المدهش مع طابع الديكور وخدمة فكرته الزخرفية.
ولا شك في أن الاضاءة تلعب دوراً أساسياً في تكريس الأبعاد الجمالية للجدران.
ومن خلال الخيارات اللامحدودة المتاحة، يمكننا التلاعب بالمشهد الزخرفي والسيطرة على آفاقه وبالتالي توجيه إحداثياته.
أرسل تعليقك