عودتنا هوليوود على ظاهرة الفيلم المفاجأة، وهو فيلم منخفض أو متوسط الميزانية يطرح صيفاً، إلى جانب أفلام بلوكباستر ذات ميزانية عالية جداً، فينافسها في شباك التذاكر، ويجلب أرباحاً تبلغ ثلاثة أو أربعة أضعاف ميزانيته.
صيف عام 2016 كان عامراً بهذه الأفلام، فشاهدنا «أمهات سيئات» و«لا تتنفس» و«لايتس آوت». صيف 2017 كان هناك «بيبي درايفر»، أما هذا العام فربما هذا الفيلم «Mile 22» هو مفاجأة الصيف. الفيلم ليس سيئاً البتة كما تشير تقييماته في الصحافة الأميركية، وشاهدنا أفلاماً كثيرة أسوأ منه حازت تقييمات عالية غير مستحقة.
كل ما في الأمر أن وسائل الإعلام الليبرالية في الغرب تسيّس حكمها عندما لا تتفق رسالة الفيلم السياسية المحافظة، أو التي تظهر تأييداً معلناً لسياسة ساكن البيت الأبيض حالياً مع توجهات تلك الصحافة. وهذه ليست المرة الأولى هذا العام، فقد وجّه هؤلاء النقاد سهامهم نحو فيلم «سيكاريو: يوم الجندي»، لأنه يؤيد بشكل لافت سياسة الرئيس دونالد ترامب إزاء المهاجرين غير الشرعيين.
ولدينا فيلم «سبايك لي» BlacKkKlansman الجيد رغم خلوه من التشويق، الذي حصل على تقييمات عالية لمجرد أنه معاد لتوجهات الإدارة الأميركية الحالية. ألا يمكن أن يقيّم أي فيلم بناء على قيمته الفنية، وليس وفقاً لتوجهات صناعه السياسية؟!
سرية جداً
تدور أحداث «22 مايل» حول منظمة حكومية أميركية سرية جداً، منبثقة من وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) تسمى «أوفر ووتش»، وهي سرية جداً لأنه كلما يتعين استدعاء أعضائها لإنجاز مهمة خطيرة يطلب منهم تقديم استقالتهم لدى «سي آي إيه».
يقود أوفر ووتش رجل اسمه جيمي سيلفا (مارك وولبيرغ)، مقاتل محترف يعاني اضطرابات عصبية تتسبب في انفجاره غضباً عندما لا تسير الأمور على ما يرام. الأعضاء الآخرون أليس (لورين كوهان) وسام (المصارعة الأميركية روندا روزي)، بينما يدير الفريق من مخبأ سري رجل يدعى جيمس بيشوب (جون مالكوفيتش) واسمه الحركي (ماذر) بمعنى أم.
يبدأ الفيلم بغارة لفريق أوفر ووتش على مخبأ لعملاء روس، يقتلون في الغارة كل من فيه. يتم بعد ذلك استدعاؤهم في إندونيسيا لتعقب مكونات قنبلة قذرة. المهمة تقودهم إلى رجل اسمه (لي نور) (نجم الأكشن الإندونيسي إيكو يويس)، وهو عميل ضد حكومته قدم عرضاً لفريق أوفر ووتش بإعطائهم معلومات عن القنبلة مقابل منحه لجوءاً في الولايات المتحدة الأميركية.
المهمة المطلوبة هي اقتياد نور تحت حراسة أمنية مشددة من الفريق السري ونقله من السفارة الأميركية في جاكرتا إلى مدرج طائرات يبعد 22 ميلاً، حيث ستحل طائرة مدة 10 دقائق فقط لتأخذه، لو لم يتمكن أوفر ووتش في توصيل (نور) خلال تلك المدة؛ فإن المهمة تفشل وستواجه البشرية سيناريو الحرب العالمية الثالثة.
في مكان آخر، نرى مشاهد لشخصيات روسية مهمة يبدو أنها تراقب العملية، وربما تتحين الفرصة المناسبة لقطع الطريق على الفريق الأميركي. «22 مايل» مثل مهمة مستحيلة من ناحية الأكشن وسرعة الأحداث، فهو يبدأ بلقطة الغارة ويؤسس القصة سريعاً، وحتى أثناء ذلك لا يخلو من لقطات أكشن دخلت من خلال مشاهد استرجاعية (فلاش باك)، ثم ينتقل إلى عملية نقل (نور)، والمواجهة المسلحة بين أوفر ووتش وحكومة نور، التي تريد استرجاعه بالقوة عندما فشلت الدبلوماسية مع السفيرة الأميركية.
براعة
الفيلم متنوّع من ناحية المشاهد القتالية، فهناك تبادل إطلاق النار في الشوارع، وهناك المتفجرات، وكذلك مشاهد القتال اليدوي التي يؤديها ببراعة فائقة الإندونيسي إيكو. الحوارات كلها في سياق الأحداث، وحتى القصص الجانبية تخدم الجوانب الإنسانية من الشخصيات، مثل المشاجرة اللفظية عبر الهاتف بين (أليس) وطليقها الذي يؤدي دوره مخرج الفيلم بيتر بيرغ.
القصة ليست مثالية، وبإمكاننا وصفها بالمبالغ فيها جداً، وهي لا تختلف كثيراً عن قصة مهمة مستحيلة الأخير من ناحية وجهة النظر السياسية والمبالغات، لأن المقصود ليس المبالغات، بل متعة الأكشن في سياق ترفيهي عام لكل الجماهير.
رغم أن وولبيرغ لا يتمتع بكاريزما توم كروز وجاذبية الأخير على الشاشة ولا حتى بقدراته التمثيلية، إلا أن شخصيته شبيهة - إلى حد كبير - بشخصية إيثان هنت في أفلام مهمة مستحيلة. بالطبع مهمة مستحيلة فيلم أفضل بكثير من «22 مايل»، وكريستوفر مكواري يتفوق على بيرغ من ناحية تأليف وتوليف مشاهده، وتنظيم العلاقات الإنسانية بين شخصياته في إطار واقعي. بينما بيرغ يبرع في تنظيم مشاهده والانطلاقة بسرعة صاروخية نحو تحقيق هدفه.
استمتع بلا مقارنة
هذا التعاون الرابع بين المخرج بيرغ وبطله وولبيرغ بعد ثلاثية غير مترابطة قصصياً بدأت بـLone Survivor عام 2013 وDeepwater Horizon وPatriot Day والأخيران عام 2016. الثلاثية تتميز باقتباسها أحداثاً حقيقية بعكس هذا الفيلم الذي جاء خيالياً بالكامل، رغم أنه يعكس بعض توجهات الإدارة الحالية في واشنطن.
بيرغ مخرج برع في صنع أفلام الأكشن والمغامرات، وتتميز كل أفلامه بالحركة السريعة للكاميرا، واقتراب عدستها من مركز الأكشن في اللقطات، كما تعرف أفلامه بسرعة الأحداث وتوازن القصة مع مشاهد الأكشن، ورغم أنها لا تركز أبداً على الحوارات والشخصيات، فإنها تحوي قيمة ترفيهية عالية.
إذا أحببت أفلام The Raid لنجم الأكشن الإندونيسي إيكو، فحتماً سيعجبك هذا الفيلم، فهو استعراضي بالدرجة الأولى ويقاتل أربعة أشخاص حتى وهو مكبل إلى سرير مستشفى! وإذا أردت الاستمتاع بهذا الفيلم، فاسد لنفسك خدمة بعدم مقارنته بالواقع أو قصص توم كلانسي الجاسوسية الأكثر حرفية سرداً وتفاصيل، فقط أوقف عملية اللاتصديق في عقلك واستمتع بالأكشن. أنتجت الفيلم شركة STX الأميركية بالتعاون مع أخرى صينية، ومعروف أن الشركة الأميركية جديدة في هوليوود، فقد تأسست عام 2014 لغرض معين، وهو ملء الفراغ الحاصل في سوق الأفلام، بعد أن تسببت سياسات هوليوود الربحية في تقليص إنتاج الأفلام متوسطة الميزانية لمصلحة أفلام بلوكباستر، فاختفت الأفلام المتوسطة، وظلت السوق بأفلام مستقلة منخفضة الكلفة وتلك العالية.
ركزت STX على أفلام بنجوم سينما في أفلام أصلية أي ليست سلسلة معروفة، كما ركزت على صنع هيئة معينة للفيلم تجعله يبدو شكلاً فقط أعلى تكلفة من ميزانيته المتوسطة. ولعلنا نذكر أن فيلم «أمهات سيئات» المذكور هنا هو أيضاً من إنتاج الشركة مثل هذا الفيلم.
أرسل تعليقك