عمان ـ وكالات
في الكتاب الأول للشاعرة المصرية المقيمة في عمان رشا أحمد، «في ذات العشق»، ولعٌ بالذات، التي تحضر في السطور والكلمات على نحو لافت. أعني هنا بالذات انتباهَ القصيدة لأتونها الأساس الذي تعتمل داخلَه، فيعيد تشكيلها وتظهيرها على النحو الذي نقرأه بعد ذلك. في مجموعة رشا أحمد «في ذات العشق» (الجمعية العمانية للكتاب والأدباء – منشورات دار فضاءات – عمان – الأردن – 2013) قصائد «هادئة»، تتكئ أولاً وأساساً على الصورة الشعرية التي تبني المشهد وتؤثثه بالمعنى على نحو لافت. هي قصائد تستدرج الذاكرة لتبوح بلغة مباشرة –غالباً–، نراها في سياقات قصيدة النثر وتركيبها حارّةً ومفعمة بأريج أنثوي خاص، حــسبه أن ينحت لاحقاً صوتها الفردي الخاص. نتحدث هنا عن تجربة أولى تتجاور مع رصيد شعري بات غنياً ولافتاً في عمان، التي قدّمت عدداً من الأسماء الشعرية البارزة، لعل أشهرها وأكثرها أهمية سيف الرَّحبي، مثلما قدّمت ولا تزال شاعرات ساهمن بقسط لافت أيضاً في قصيدة النثر العربية. الأمر يتعلق أيضاً بحساسية مختلفة تقع في المساحة الأجمل لشعر يعيش ويتنفس من عفوية لم تعد تتوافر بكثافة في مناطق عربية كثيرة باتت تنحو نحو صور عيش اجتماعي أقرب للتمدن الفوضوي الذي تخلقه العشوائيات والمدن الملتبسة: «الكحل/ العتمة التي نكفن بها حزن العين». التكثيف هنا ليس أسلوباً «عاماً» بقدر ما هو استجابة فنية لكثافة القول والصورة: سأقول عن هذا إنه خيار المشهد لشكل حضوره في اللغة والكلمات والجمل، وهو أيضاً خيار ينتبه لواحدة من أبرز ميزات قصيدة النثر وأكثرها شاعرية، وأعني: التخلص من الكلام الفضفاض والزوائد التي تنتمي للسرد أكثر من انتمائها للشعر. في قصائد هذه المجموعة الأولى، تكتب رشا أحمد من مناخ مغاير وبلغة مغايرة، فتعثر على ائتلاف القصيدة الشعرية مع جماليات لعل أولى مفرداتها بساطةً التعابير التي تستجيب بصورة أكبر للعفوية بمعانيها وأشكالها الإيجابية. القصيدة عند رشا أحمد لون من بوح أنثوي يذهب مباشرة في اتجاه الحبيب–الرجل، وهو بوح يكتسب -بهذا- حرارة وصدقية تمنحان الشعر طلاقة أشد وعذوبة أجمل: «لو أنني أمتلئ بك/ حدَّ الغرق في تفاصيلك/ فأنكرني/ مكتسية ذاتك/ حتى لا أنأى/ عن العشق». ثمة وجد يزدحم بانتباهات قصوى لبلاغة الصورة: الصورة الشعرية هنا رسم شبه حسّي لوقائع تنجح في الإفلات من أسر الفكرة المجرَّدة بما تلقيه على الشعر من أثقال، والشاعرة تنجح في تحقيق ذلك بلياقة تجعل قصائد المجموعة تتجاوز عثرات البدايات وتلكُّؤَها الخجول عادة على أبواب الشعر. لعل كثيراً مما نشير إليه يبدو واضحاً في الإفلات من «السردية النثرية»، التي أصبحت، أو تكاد، إحدى مآزق القصيدة النثرية العربية بعد عقود طويلة من التجريب والإنجازات الإبداعية اللافتة على أيدي روادها، كما على أيدي عدد بارز من شعرائها اللاحقين. هنا بالذات يليق بقصائد رشا أحمد الإصغاء والنظر بالعينين: في الحالتين، يمتعنا أن نسمع ما يشابه الغناء، ولكن يمتعنا أكثر أن نحدّق في القصائد لنتبع «الرسم بالكلمات» لو جاز لنا أن نستعير من الراحل نزار قباني. الشاعرة الشابة رشا أحمد تكتب الشعر من حالة وجد خاص، لعله لا ينسى في حرقة البوح فنيات الشعر وانتماءه للفن أولاً وقبل أي اعتبار آخر، مهما يكن ذلك الاعتبار.