القاهرة ـ وكالات
لماذا تخلو البيانات الرسمية لوزارة الاستثمار من الحديث بشكل مباشر عن معدل الاستثمارات الأجنبية القادمة إلى مصر خلال الفترة الماضية، ولماذا أوقفت الوزارة
والهيئة العامة للاستثمار
والمناطق الحرة البيانات الأسبوعية التى كانت ترصد حركة تأسيس الشركات. الإجابة بالقطع لها علاقة وطيدة الصلة بالتراجع الكبير الذى أصاب الاستثمارات فى مصر
سواء القادمة من الخارج أو الاستثمارات المحلية. السبب أن تسونامى السياسة ضرب الاقتصاد فى مقتل وأدى إلى تخوف المستثمرين أجانب ومحليين من المخاطرة فى
الوقت الحالى بدخول السوق المصرى، حيث يعد الاستقرار السياسى والأمنى الداعم الاول لبدء أى استثمارات والإقدام على ارتياد مناطق بعينها.
تراجع الاستثمار الأجنبى المباشر والاستثمار المحلى ينعكس بشكل مباشر على تراجع الاحتياطى من النقد الأجنبى الذى بدأ أن يصل إلى مرحلة الخطر خلال الفترة
المقبلة إذ ارتفع معدل تآكله من 35 مليار دولار إلى أن وصل إلى أقل من 15 مليار دولار.
البعض أكد أن المتبقى من الاحتياطى يكفى بالكاد الوفاء بمتطلبات البلاد حتى 3 أشهر فقط وبتراجع الاستثمارين الأجنبى والمحلى ترتفع معدلات البطالة، حيث تنخفض
معدلات التشغيل بصورة ملحوظة.
يبدو أن الصورة القاتمة التى صاحبت حالة الاستثمار فى مصر خلال الفترة الماضية، مرشحة لمزيد من القتامة والتشاؤم إذ إن شيئاً على أرض الواقع لم يتغير بل
التوترات السياسية مازالت سيدة الموقف وغابت معها الرؤية المستقبلية. وبالأرقام نجد أن معدل الانهيار فى الاستثمار الأجنبى المباشر كبير ومن الصعب على مصر فى
الوضع الراهن أن تعيد أرضاً خسرتها.
فى عام 2007 ــ 2008 سجل الاستثمار الأجنبى المباشر أعلى معدل له فى مصر، حيث بلغ 1٫13 مليار دولار ثم بدأ التراجع متأثراً بالأزمة المالية العالمية التى
ضربت الرهن العقارى فى أمريكا ومنه امتدت آثارها السلبية إلى أغلب دول العالم، حيث تراجع معدل الاستثمار الأجنبى على مستوى العالم ككل وبالتالى تراجع نصيب
مصر إلى أن وصل إلى 8 مليارات و300 مليون جنيه فى 2009 ثم 6 مليارات فى 2010 ليبدأ التراجع الأكبر وترصد الأرقام أن الاستثمارات الأجنبية لم تحقق أكثر
من 2 مليار دولار فى الفترة من 2010 إلى 2011 وأغلبها توسعات فى مشروعات قائمة وقليل منها الجديد، أما فى عام 2011 ــ 2012 فإن إجمالى ما تم رصده من
استثمارات أجنبية جديدة دخلت مصر لم تتعد 255 مليون دولار أى أنه بحسبة بسيطة يمكن القول بأن مصر خسرت أكثر من 95% من الاستثمار الأجنبى المباشر القادم
إليها.
الأمر نفسه بالنسبة إلى حركة تأسيس الشركات والتى شهدت تباطؤاً غير مسبوق ووفقاً لبيانات الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة فقد تراجع معدل التأسيس إلى
النصف تقريباً ففى الفترة من يناير إلى نوفمبر 2010، حيث تم تأسيس 6508 شركات ما بين استثمار داخلى وقانون 159 ومناطق حرة بلغت التدفقات النقدية لها نحو 7
مليارات و981 مليون جنيه، فى حين بلغت حركة التأسيس فى الفترة من يناير إلى نوفمبر 2011 نحو 5653 شركة وبلغت قيمة التدفقات النقدية لها نحو 3 مليارات
و309 ملايين جنيه، وهى نسبة انخفاض تتجاوز النصف فى حين أن نسبة التأسيس لا تعنى بالضرورة أن تلك الشركات قد بدأت العمل بالفعل وساهمت فعلاً فى إيجاد
فرص عمل أو استطاعت أن تحرك الاقتصاد القومى.
الغريب أن الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة لديها رصد دقيق لحركة التأسيس فى الفترة من أول يناير 2012 إلى الآن ولكنها غير معلنة.
وتلعب الاستثمارات الخاصة فى مصر دوراً مهماً فى تحريك الاقتصاد وقد أصابها الركود هى أيضاً وإذا كان من المعروف أن الاستثمارات الخاصة تشكل وفقاً
للإحصاءات الرسمية نحو 70% من حجم الاستثمارات فى مصر فإنها أيضاً قد أصابها التراجع حيث تشير البيانات الرسمية إلى أن الانخفاض فى الاستثمارات الخاصة
بلغ نحو 20 مليار جنيه خلال الفترة الماضية.
ويؤكد سلامة فارس، الخبير الاقتصادى، المستشار القانونى بالهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة سابقاً، أن الاستثمار الخاص يمثل فعلياً نحو 90% من الاستثمار فى
مصر و10% فقط هو نصيب الاستثمار الأجنبى ولهذا يطالب فى المرحلة المقبلة، بضرورة تحسين بيئة الاستثمار المحلى وضرورة عمل دراسات خاصة حول المعوقات
التى تعرقل نمو الاستثمارات الخاصة فى المرحلة الحالية والعمل على حلها بأسرع وقت ويضيف فارس أن إنقاذ حركة الاستثمار فى مصر الآن تبدأ عن طريق التركيز
على صناعات بعينها والبحث عن أسباب ترديها وطرق إنقاذها والعمل بشكل مباشر على ذلك أما الكلام فى العموم فهو لن يجدى فى الوقت الراهن الذى تشهد فيه مصر
حركة تراجع كبير فى حركة الاستثمار ربما تستمر لفترة.
ويؤكد «فارس» أن الوقت الحالى وقت جيد للمستثمرين المصريين للبدء والعمل، حيث يتفق ذلك مع المقولة الاقتصادية الشهيرة: «اشتر على طبول الحرب وبع على
الموسيقى والأغانى» بمعنى أن الوقت رغم صعوبته إلا أنه وقت للمستثمر المحلى للبدء فى العمل وشراء مصنع أملاً فى تحسن الأحوال ولو بعد حين.
ويضيف «فارس» أن انتظار المستثمر الأجنبى فقط أمر خطأ فى التوقيت الحالى فهو لن يأتى بكل الخير فأغلب المستثمرين الأجانب يقومون بضخ جزء بسيط من المال
ويحصلون على الباقى قروض من البنوك فى مصر وإذا تعثر هرب وهذا فإن الاهتمام بالاستثمار المحلى أفضل لأن نجاحه يشجع الاستثمار الأجنبى، ويلفت «فارس»
النظر إلى أن الوقت الحالى لن يشهد للأسف اتخاذ قرارات مهمة فى الأمور المتعلقة بالاستثمار وهذا ما يسبب أزمة فى حد ذاته.
أرسل تعليقك