نظّم مركز جمال بن حويرب للدراسات، محاضرة بعنوان «رمضان في كتب الرحالة»، تحدث فيها المستشار جمال بن حويرب، المدير التنفيذي لمؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة، ورئيس مركز جمال بن حويرب للدراسات، حيث تطرق إلى حكايات وقصص الرحالة الذين جابوا ديار المسلمين وكتبوا عنها وعن عاداتها خلال الشهر الفضيل، من أمثال: ابن بطوطة، وناصر خسرو، وابن جبير، وأدار المحاضرة الشاعر والإعلامي حسين درويش.
وقال بن حويرب: أحببت أن نلتقي في رمضان لنتداول في موضوعات خفيفة، بعيداً عن السياسة وهمومها، خاصة ونحن نرى ما يدور من حولنا من مصائب وحروب وكوارث. إن ما نراه في الشام واليمن يعتصر قلوبنا ألماً، لكن ما بعد العسر إلا اليسر، وستعود أمتنا، بعون الله، إلى قوتها وعزتها، وهنا أذكّر برؤية والدنا المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، الذي توفي وهو يحسن الظن بالله وبأمته العربية، وكان يقف إلى جانب قضايا هذه الأمة حتى آخر يوم من حياته، والمغفور له زايد، لم يغير نظرته إزاء أمته العربية، مهما حصل، وكان يرى أن الشعوب تبقى، والدول تبقى، وغير ذلك يزول.
وقال المحاضر: حديثنا اليوم عن شهر رمضان المبارك، فأصله مأخوذ من رمض الجوف، وما يعانيه من عطش في الحر، والعرب في الجاهلية عرفوا هذا الشهر من خلال كتبهم، وكانوا يصومونه 30 يوماً، لكنهم ذهبوا، لاحقاً، إلى قساوستهم، واتفقوا معهم على زيادته عشرة أيام ليصبح صيامهم 40 يوماً، وهذا ما نجده لدى المسيحيين اليوم.
والعرب في الإسلام يسمونه «شهر الصيام»، لكن باقي الشهور يلفظونها بأسمائها المفردة، أي بدون إضافة «شهر» إليها. ويعد رمضان من أعظم الأشهر، فيه الصيام، وليلة القدر، التي هي خير من ألف شهر.
أما عن رمضان في كتب الرحالة، فقال بن حويرب: قبل الإسلام كان هناك رحالة كثر، وعندما جاء الإسلام راح أصحاب الرحلات يسافرون شرقاً وغرباً، لكن أغلب الرحلات جاءت من بلاد المغرب: تونس والجزائر والمغرب، ومن بلاد الأندلس، فكانوا يأتون إلى الحج، ثم ينطلق بعضهم إلى بلاد العالم الواسعة، حتى وصلوا إلى أندونيسيا والصين، أمثال: الرحالة العربي ابن بطوطة.
ولعل أغلب الرحالة القادمين من بلاد المغرب كانوا يرون في بلاد المشرق الأصل في العلوم والدين والتمدن في شتى المجالات، لذا كانوا يشدون الرحال بكثرة إلى الديار المقدسة: بلاد الشام والعراق.
ابن بطوطة
ثم انتقل بن حويرب للحديث عن أشهر الرحالة العرب والمسلمين الذين وردت سيرهم في التاريخ، وما زال الناس يتداولونها حتي يومنا هذا، فقال: لعل من أشهر الرحالة العرب والمسلمين وأقدمهم، الرحالة ابن بطوطة، محمد بن عبدالله بن محمد اللواتي الطنجي المعروف بـ (ابن بَـطُّوطَة)، الذي ولد في طنجة، وبعدما درس الشريعة قرر السفر حاجاً، وبهذا بدأت رحلة أسفار دامت أكثر من 30 سنة، وهو ليس رحالة فقط، بل كذلك مؤرخ وقاضٍ وفقيه مغربي.
وتابع: بدأ رحلته الكبرى عام 725م ليطوف بالمغرب ومصر والسودان والشام والحجاز وتهامة والعراق وفارس واليمن وعمان والبحرين وتركستان وما وراء النهر، والهند والصين وجاوة وبلاد التتار وأواسط أفريقيا، ثم عاد إلى المغرب وبدأ في إملاء أخبار رحلاته التي جمعها في كتاب أسماه (تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار)، وهذا الكتاب تُرجم لأغلب لغات العالم، وجامعة كامبريدج لقبت (ابن بطوطة) في كتبها بأمير الرحالة المسلمين والوطنيين، ويعد الرحّالة العبقـري (ابن بطوطة) صاحب رحلات ومخاطر ومغامرات في طريق استكشاف العالم.
واستطرد بن حويرب: قد كتب ابن بطوطة كثيراً عن شهر رمضان المبارك، منه على سبيل المثال، يوم الركبة، وتبعاً لما جاء في رحلاته فإن أغلب حكام البلاد وأمرائها وأعيانها كانوا يستقبلونه أحسن استقبال، ويكرمونه أفضل تكريم، وأغلبهم كانوا يستضيفونه في منازلهم، ومن هذا المنطلق زار ابن بطوطة قاضي مدينة أبيار، في مصر، (عز الدين المليجي الشافعي)، وتصادف أن الزيارة كانت يوم التاسع والعشرين من شهر شعبان، أي (يوم الركبة) كما أسماه الرحالة، أو (يوم ارتقاب هلال رمضان) كما يسمونه أهالي أبيار.
وبيّن بن حويرب أن الوصف الذي جاء به ابن بطوطة لاستطلاع هلال رمضان في مدينة أبيار، أن المدينة بأكملها يسير أهلها ليلاً بشموع مضاءة وبفوانيس متلألئة، وأن جميع حوانيتها مضاءة بالشموع، ليوحي بمنظر خلاب يستحق التدوين في رحلات ابن بطوطة.
في دمشق
وأضاف جمال بن حويرب: ويقول ابن بطوطة عن رحلته إلى دمشق التي دخلها العام 726 هـ: في دمشق لا يفطر أحد من سكانها وحده، البتة، حيث نجد طبقة الأمراء والأعيان، وطبقة التجار، والعامة، ويقصد بهم عامة الناس، من الفقراء والقادمين من البادية، الأمراء والأعيان يقيمون موائد الإفطار في قصورهم، والتجار يقدمون طعام رمضان في بيوتهم ومنازلهم، أما الفقراء والقادمون من البادية فإنهم يفطرون في الساحات والمساجد، حيث يحضر كل منهم ما عنده من طعام، يضمه إلى مائدة جماعية يشارك فيها سكان الحي، أو المنطقة.
رحلات ناصر خسرو
وتطرق المدير التنفيذي لمؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة، بعد ذلك، إلى رحلات وقصص الرحالة ناصر خسرو، المولود في خراسان، مبيناً أنه كتب في ثلاثة من الأصناف الأدبية، الرحلات والشعر والفلسفة، وكل منها تشكل نافذة لنا إلى شخصيته، وقام برحلات مهمة زار فيها مصر والجزيرة العربية، ووصل إلى الرياض عام 1036م.
وعقب ذلك، حكى المستشار جمال بن حويرب عن الرحالة الأديب والمؤرخ محمد بن علي، الذي ولد في العراق 1309- 1262م، موضحاً أنه يظهر من مقدمة (خطبة) كتابه أنه صاحب ثقافة كبيرة، ملمٌ بعلوم مختلفة، يهتم باقتناء الكتب ومطالعتها، ويعلي شأن العلم والعقل، ويحفظ الكثير من أقوال الحكماء وشعر الشعراء، وله باع كبير في التاريخ.
كما تحدث بن حويرب عن رحلة ابن جبير الأندلسي، وعرف به، ثم أشار إلى أنه من أشهر الرحالة المسلمين الذين قاموا برحلات إلى المشرق العربي، ودوّن خلال رحلته الكثير من المعلومات التي تعد وثائق من الدرجة الأولى، لأنه حسن الملاحظة وصريح العبارة، فكانت رحلته مصدراً مهماً للباحثين في مجال التاريخ و الاجتماع والحضارة العربية في القرنين السادس والسابع الهجريين.
أرسل تعليقك