ناقش الصحافيون، منذ أشهر، كيف أدت تغطية اليمين البديل إلى تمزيق حركات اليمين المتطرّف من العنصريين وكارهي النساء والمعادين للسامية الذين رحّبوا بفوز الرئيس الأميركي دونالد ترامب بنشوة، وصوّر الليبراليون في هذه المناقشات الخطر الأكبر في فهم أو تطبيع التطرّف الحقيقي لترامب وحلفائه، إلا أن 3 من قادة اليمين البديل اتخذوا وجهة نظر مغايرة في بثّ مشترك في ديسمبر/ كانون الأول من خلال الربط بين آرائهم وآراء قادة البيت الأبيض والصحافيين ومناصري اليسارية بتقديم المعروف لصالح المتطرّفين.
واتّفق "النازيون الجُدد" على أن التغطية الإعلامية لليمين البديل كانت مذهلة، حيث أوضح أحدهم عبر الإنترنت أنّ "التغطية جيدة جدًا كل شيء فعلوه كان جيد، إنهم يقولون حاليًا أن ستيف بانون من النازيين الجدد، أعني فكّر كيف كان ذلك رائعًا"، وأوضح أحد المدونين معادوا السامية والمضيف للبث أنهم "يعطونا الميكروفون نتيجة نوع خاص من جنون العظمة لديهم ونوع من الرغبة الضارة في تمكيننا في الواقع"، وأشار ريتشارد سبنسر الذي يمثّل الوجه الإعلامي لليمين البديل، إلى أنّه "في مستوى غريب من اليسار أعتقد أنهم يريدون صعودنا سرًا"، ويعتقد الصحافيون أن فضح الآراء المتطرّفة أمام الجمهور العام هو أفضل وسيلة للتصدّي لها إلا أن قادة اليمين المتطرّف يروّجون لأنفسهم، دون خجل، متّحدين هذه الفرضية، وبيّن المحللون الذين يراقبون جماعات الكراهية أن القادة العنصرين واهمين ويربطون ظهورهم المتزايد في وسائل الإعلام بالدعم السياسي الفعلي الذي يحظون به، وفي الوقت نفسه يقولون أن المتطرّفين يمثّلون تحدّيات حقيقية للصحافيين.
وكشف مراسل الحرب السابق لدى أسوشيتد برس والذي يتابع الآن جماعات الكراهية في المركز القانوني الجنوبي للفقر، ريان لينز، أنه رأى نقطة تحوّل في المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري الصيف الماضي عندما وقف سبنسر بالخارج مع لافتة كتب عليها "هل تريد التحدث مع عنصري؟"، وتابع لينز أنه "كانت هناك عواقب سياسية خطيرة وأخرى اجتماعية ليكون لديك مثل هذه الأفكار"، وتمثّل سبنسر ولافتته لحظة جديدة، كشخص يتغذى على القول بأنه عنصري ولا يعاني ولن يعاني من العواقب المالية والاجتماعية والثقافية لكونه عنصري"
وذكر سبنسر لزعماء اليمين البديل في ديسمبر/كانون الأول أنه "أعتقد أن كافة المصادر في كل وسائل الإعلام ستكون سلبية ولكن كما استطعنا التواصل عبر وسائل الإعلام"، وبيّن رئيس تحرير وناشر "Columbia Journalism Review"، كايل بوب، أن الطريقة التي نشّط بها دونالد ترامب العنصريين الهامشيين والاتصالات بين الإدارة واليمين المتطرّف تعدّ منطقة مشروعة من التركيز ولا يمكن تجنبها، مضيفًا أنّه "أعلم أن هناك تساؤلا في الصحافة، مثل "لماذا نعطي هؤلاء مساحة على الهواء؟"، ولكني أعتقد أننا نحتاج إلى فهم هذه الأصوات، وليس أمر سيء أن يعتقد النازيون الجدد أن التغطية الإعلامية تساعدهم، فالناس يجب أن يعرفوا أن هناك أشخاصًا في حيهم أو مدينتهم لديهم وجهات النظر تلك، والتغاضي عن مثل هذه الأراء لن يجعلها تذهب بعيدًا، نحن لسنا أطفال، لا يمكنك أن ترى شيء لا يعجبك ثم تغمض عينيك وتعتقد أنه سيختفي".
ونشر الصحافيون قصصًا تشير إلى الاتصالات بين دونالد ترامب وموظفيه ومجموعة "Ku Klux Klan" كيمين بديل، فيما أشاد قادته، بترامب في مناقشتهم في ديسمبر/ كانون الأول قبل شهر من تنصيبه موضحين أن سياساته لا تثيرهم، وذكر سبنسر أنه "أخشى أن يمثّل ترامب خيبة أمل كبيرة لنا"، ووافق مايك إينوك المدوّن المعادي للسامية بأنّ "ترامب مجرد وسيلة ولا أعتقد أنه يهم حاليًا ولكن تقليده وسلوكياته التي ينقلها أكثر أهمية"
وأشار إنوك إلى أن سبنسر الذي كان شخصية هامشية تلقى المزيد من التغطية الإعلامية لأن الصحافيين كانوا يرغبون في إنشاء قصة عنهم، واتّفق قادة اليمين البديل على أنه من خلال تكرار تسمية النازية في حالات كثيرة أضعف اليسار تأثير الكلمة، ويقول أندرو أنجلين الذي يدير موقعًا إلكترونيًا تابعًا للنازيين الجدد وينظم حملات مضايقات ضد الشعب اليهودي وحلفاؤه إنه "صرخة ذنب، سينظرون إليك ويقولون هذا الرجل مثلا للآخر الذي يصفوه بالنازي، ولكن ربما يكون شخصًا عاديًا"، فيما وصف الباحث لينز ذلك بكونه "ملاحظة ذكية عن تأثير التغطية".
وأضافت الباحثة في مركز "Anti-Defamation League’s Center on Extremism"، أنها "أكره الموافقة مع أنجلين على أي حال، إذا بدأ في وصف كل شخص بكونه عنصري من البيض ونازي جديد فإننا نجعل المصطلح دون معنى، هناك أشخاص يصفون الرئيس بكونه قومي أبيض ولا أعتقد أن هذه ليست الحالة"، ويضيف لينز "ستيف بانون ليس نازي"، وتتابع مايو في الوقت نفسه " علينا أن نكون حذرين للغاية على الجانب الآخر للتأكد من رؤية التطرف يتسرب إلى التيار الرئيسي لنصيح بالأمر بصوت عال".
وعلى الرغم من إدانة ترامب في إحدى المؤتمرات للدعم النازي في مقابلة له مع صحيفة "نيويورك تايمز"، إلا أنه واجه النقد باستمرار بسبب افتقاره لاستجابة قوية إلى موجة من الهجمات المعادية للسامية وجرائم الكراهية، واعتبر مستشار البيت الأبيض، بانون، الموقع الإلكتروني الذي يديره منصة لليمين البديل فيما وصفته زعيمة الأقلية في مجلس النواب "نانسي بيلوسي" بكونه "عنصري أبيض"، فيما أوضح للصحافيين أنّه "لست قومي أبيض ولكني قومي اقتصادي"، وكان هناك مفارقة في تحليل ناخبي ترامب، حيث اعتقد سبنسر أن "القوميين البيض يتّفقون مع اليساريين في أن ترامب يقود حركة هوية البيض حتى أن ناخبي ترامب أنفسهم رفضوا بشدة هذه التسمية واحتجوا بشدة لوصفهم بالعنصريين، يعتقد الناس في اليمين البديل أن لديهم بطل في البيت الأبيض وهذا لا يعني أنّه يريد دعمهم".
ونوّه بوب إلى أنه من المهم للصحافيين أن يكونوا محددين بشأن الصلة التي وجدوها بين الشخصيات اليمينية المتطرفة والبيت الأبيض، مضيفًا أنّه "لم يكن هناك ما يكفي من الوضوح لتحديد هذه الجماعات المختلفة فأنت تقرأ قصصًا شاملة كل شيء بداية من وول ستريت جورنال إلى مجموعات النازيين الجدد وهو أمر غير مفيد"، وسخر قادة اليمين البديل من دوافع الصحافيين مشيرين إلى أنهم يغطّون المتطرفين كثيرًا نتيجة التحيّز السياسي والملل أو الرغبة في زيادة الإقبال على مواقعهم الإخبارية، بينما يعتقد سبنسر أن آرائه القومية البيضاء تقع تحت دائرة الضوء لأنه "يتمتعّ بمظهر جيد جدًا وذكي للغاية ومقنع عند التحدّث".
وأوضح أنجلين من النازيين الجدد في رسالة إلكترونية للغارديان أن التغطية التي لا تتوقف لليمين البديل حققت في الواقع تطبيع لأفكاره، مشيرًا إلى فائدة الغضب الإعلامي له في ظل استهدافه للأميركيين الصغار ولاسيما الشباب في سن المراهقة، ومضيفا أنّه "لهذا أحب الإعلام كثيرا، إنهم يغطون موقعي بغضب وفي المقابل أحصل على مزيد من الإقبال على موقعي وفي المقابل تنتج وسائل الإعلام مشاهد أكبر، التغطية لها تأثير واحد وهو تطبيع أفكارنا والأمر لا يحتاج عالم سياسي لاكتشاف ذلك، فإن لم تكن ذات هدف تعد عاجزة وسخيفة".
وبيّن سبنسر في ديسمبر/ كانون الأول، أنه مع تراجع الكثافة العالية في تغطية أفكار اليمين المتطرّف اكتسب اليمين البديل أرضية كبيرة، وتعرّض سبنسر للكمة في وجهه في ديسمبر/ كانون الأول في حفل تنصيب ترامب وتم نشر مقطع فيديو يجسّد الموقع بشكل كبير عبر وسائل الإعلام الاجتماعية، وأثيرت مناقشات حول ما إن كان أخلاقيًا لكم شخص نازي، وأظهر مسح سجل فيه ألف ناخب أن 51% يعتقدون أنه تصرف غير مقبول بينما أوضح 31% أنهم غير متأكدين، وعندما سُئل سبنسر عما إن كان يعتقد أن انتشار فيديو اللكم يشير إلى اعتبار معظم الأميركيين وجهات نظره مثيرة للاشمئزاز، ردّ أنّه "سنرى ذلك".
ورفض مايك إينوك الاستجابة عند التواصل معه عبر البريد الإلكتروني، فيما تبيّن في يناير/ كانون الثاني أن إينوك يدعى مايك بينوفيتش وهو عامل تكنولوجيا سابق ومتزوج من امرأة يهودية، ما أثار الجدل بشأن اليمين البديل المعادي للسامية الذي كان إينوك قيادي فيه، بينما يعتقد بوب أن وسائل الإعلام الرئيسية فشلت في عدم تغطية هذه الجماعات المتطرفة بما يكفي قبل انتخابات 2016، وبعدها حدثت المفاجأة بحجم دعمهم ومحتوى آرائهم، وأضاف بوب أنّه "كانوا هنا لفترة طويلة وهناك قطاعات من السكان الأميركيين لم يشعروا بالصدمة تمامًا عند سماع هذه الآراء وهناك فشل بالفعل في فهم من هم هؤلاء الناس حتى صعود دونالد ترامب إلى السلطة".
أرسل تعليقك