يميل رامي الخطيب الى الوراء وينظر بعيدا وهو يدخن سيجارته ذات العلامة التجارية الاميركية، وتلوح على وجهه ابتسامة محبطة، ويجيب عن تفاؤله حول المستقبل فيقول " هناك نوعان من الأسئلة التي لا يجب طرحها على السوريين، وهذا واحد منها."
ودرس رامي البالغ من العمر 29 عاما في كلية الحقوق في جامعة دمشق قبل النزاع، ويضيف " اما السؤال الأخر فهو: أين ترى نفسك في غضون خمس سنوات." اشارة الى ازدرائه لخط الاستجوابات الغير مفهومة بالنسبة للشباب السوريين، وولد الخطيب في مدينة تدمر، حيث ذبح داعش هناك المئات، وحيث اكد فلاديمير بوتن الأسبوع الماضي مساهمته في استعادة القوات الحكومية للسيطرة على المدينة خلال تنظيم حفل موسيقي كلاسيكي على أنقاض المدينة، الا أن الشاب ترعرع في حمص، وساعد في اخلاء المدينة عام 2014، وشاهد القناصة يقتلون النساء في الشوارع، وتمكن هو وعائلته من الفرار من "داعش" بعد ان تعرف أحد حراس نقطة للتفتيش التابعة للقوات الحكومية على والدته لأنها كانت معلمته في السابق، وقد هدد مقاتل داعشي أخته البالغة من العمر 15 عاما بأنه سيقتلها ويقتل والدها اذا ما رآهم في المرة المقبلة، وتابع رامي " كانت تغطي وجهها وكل شيء فيها، ولكنه مع ذلك طلب منها أن تزيد من غطائها، ولم تكن قد لبست الحجاب من قبل."
وتحدث رامي عن قناص موالي للقوات الحكومية وصفه بالودود في حمص والذي كان دائما يطلق رصاصاته على الجدران حتى لا يزهق أرواح الناس، ووصفه " انه رجل جيد، بالرغم من أنني لم أره في الواقع ولكني سمعت عنه"، ولا يمكن الحديث بسهولة عن التفاؤل بالمستقبل بالنسبة للسوريين، فيما عدد لا يحصى من الأهل والأصدقاء فقدوا في صراع فوضوي يشبه الابادة الجامعية، فيذكر المركز السوري للأبحاث السياسية أن اكثر من 470 ألف شخص قتلوا في الصراع، وما يقارب شخص من 10 قتل أو جرح منذ اندلاع الازمة في اذار/مارس عام 2011، وعلم رامي فيما بعد أن القناص الودود كان من بين القتلى أيضا.
وازداد سوء الاوضاع في سورية عسكريا وسياسيا بعد أن سيطر "داعش" على مساحة واسعة من الاراضي في شرق البلاد، فيما القوات الحكومية وبمساعدة الضربات الجوية الروسية تتقدم من الغرب والوسط، ويحول حول معقل المعارضة الرئيسية المتمثل في مدينة حلب الى جانب اراضي الاكراد الموالية للنظام، والذي تتحكم بها جماعات من الجيش السوري الحر وأخرى تابعة للقاعدة مثل جبهة النصرة، وجلب وقف اطلاق النار القليل من الراحة في ظل هذه الفوضى الدموية، ولو على مستوى قليل، الا أن القوات الجوية النظامية اتهمت بقصف مخيم للاجئين على الجانب السورية من الحدود التركية، مما أسفر عن مقتل العشرات.
وابتسم رامي عندما بدأ بالحديث عن تدمر قبل الحرب، فقد بعثت به الذكريات بعض الامل، في الوقت الذي تعهدت فيه بريطانيا في صرف 0.7% من الدخل القومي على التنمية في سورية، وقال أنه يريد لدافعي الضرائب البريطانيين أن يعرفوا أنه يعقد الكثير من الامل عليهم.
ويعمل الخطيب مع 26 شخصًا أخرين بينهم 18 سوريًا في المدينة التركية التي تقع في الجنوب الشرقي والتي تسمى غازي عنتاب على بعد 30 ميلا من الحدود السورية، ويعمل على برنامج التنمية الممول من الحكومة البريطانية الذي يدعى تمكين، ويعمل 76 سوريًا أخرين في البرنامج من سورية موزعين في 38 منطقة محلية في 4محافظات تسيطر عليها المعارضة وهي ادلب والشمال الغربي من حلب، والمناطق الجنوبية من درعا وريف دمشق، والمناطق التي تسيطر عليها المعارضة جاليا والتي تتعرض لحصار نظام الاسد.
وصرحت مديرة البرنامج ليلى كاتيك " انهم لا يستطيعون الدخول أو الخروج من ريف دمشق، فلم نتلق بأي من الاشخاص الذين نعمل معهم هناك، وغالبا ما نلتقى عبر سكايب." وبدأ البرنامج في عام 2013 بادارة شركة ادم سميث الدولية، ويختلف برنامج تويل عن أي برنامج أخر يأخذ تمويل دولي في سورية، فهو البرنامج الاول لتقديم المساعدات للمدارس والمستشفيات والخدمات الأساسية مثل ادارة النفايات ومعالجة المياه في وظيفة محفوفة بالمخاطر لمحاولة خلص الأساس لحكومة شرعية في منطقة الحرب، وباختصار فهو يعتمد على بناء الديمقراطية في الاساس، في الوقت الذي تتساقط فيه القنابل على رؤوس الناس.
ويعمل الموظفون الميدانيون في سورية مع المروع في لجان تصل الى 11 شخصًا من الوجهاء والمهنيين في المناطق الريفية والقرى والبلدات او المدن المحلية، ليخدموا مجتمع يتكون من 30 الف شخص الى 100 الف شخص، وانتشرت في مناطق المعارضة المجالس الادارية المحلية التي تسعى باستمرار لتقديم الخدمات الاساسية، وتكون واحدة من هذه المجالس تحت ادارة لجنة تمكين، ويسعى البرنامج الى ادراج امراة واحدة على الاقل في كل مجلس بالرغم من ان هذا الاجراء غير عملي نظرا لأن الثقافة السائدة في معظم مناطق المعارضة تقضي بإنشاء لجنة فرعية للنساء، وهناك أجزاء واسعة من سورية لا يسمح للنساء بمغادرة المنزل بدون حراسة.
وتقدم لجان تمكين المشروعات المقترحة بالغالب الى المقر الرئيسي للحملة في غازي عنتاب، ولكن يدفع التمويل كل من وزارة التنمية الدولية في بريطانيا والاتحاد الاوروبي، ولا يأتي هذا التمويل الا اذا تأكدت الجهتان من مبادئ المشاركة والشفافية والمساءلة في المشاريع، ويسعى الأعيان في اللجنة الى التحدث مع الناس الذين يفترض أن تقدم الخدمة لهم، ويطلب منهم أن يعطوا أولوياتهم واحتياجاتهم التي تخضع بعد ذلك لدراسة عبر اجتماعات عامة وصفحات على فيس بوك وبعد صلاة الجمعة، ويجب أن يسمع للجنة الفرعية الخاصة بالنساء أن تتخذ القرارات الخاصة بها وترعى مصالحها.
ويضع السكان المحليون بعد الموافقة على مقترح المشروع من تركيا خطة المشتريات التي يبحثون فيها كيفية الحصول على المواد بأفضل الأسعار والعمل على جلبها، وفي الفترة التي يطبق بها المشروع يجب على الاعيان ايضا التحدث مع المجتمع حول ما يجري في المشروع من خلال التقارير الشهرية وأشرطة الفيديو على الفيسبوك والاجتماعات العامة، وهناك صناديق للاقتراحات وردود الافعال، ويجب أن ينتهي كل مشروع في غضون تسعة أشهر، وبعد ذلك يمرر الى المجلس المحلي لحفظه.
ويدافع المهتمون بتمكين أن كل شيء العمل التنموي الذي حصل في العراق وأفغانستان لم يكن المال هو اللاعب الأساسي فيه، ويوضح أحد مصممي المشروع زين كاندرين أن الكثير من نماذج التطوير التي صرف عليها المليارات من الدولارات تركت للفساد، اما هذا المشروع فيعزز الحكم الديمقراطي، وأضاف " الأشخاص الذين عملوا على تعزيز الديمقراطية في العراق وأفغانستان كانوا يبيعون السيارات بدون المحركات، وفي سوريا نأمل في أن نبني المحركات التي ستصنع السيارة من أجلها"، ولا يعتبر هذا العمل سهلا، فبعد كل شيء سورية أصبحت منطقة حرب، ويشرف مكتب تمكين في مدينة غازي عنتاب على مشهد جميل فيما البراميل الفضية تتلألأ على أسطح المنازل، ويبدو في الافق ماذن الجوامع في المحافظة، ويظهر داخل المكتب صورة للناشط السوري والصحفي ناجي جرف البالغ من العمر 38 عاما بمثابة تذكير للموظفين بأن يبقوا متماسكين، في مكان مثل غازي عنتاب الذي يشار اليه بالقبيح.
وقتل ناجي بالرصاص في وضح النهار بينما كان يسير على طريق مزدحم في وسط المدينة في كانون الاول/ديسمبر، وكان من المقرر أن ينضم لعائلته في فرنسا، حيث سيطلب اللجوء هناك، ولكنه صور فيلمين ضد داعش وأراد المتطرفون ان ينتقموا منه، وقتل الشهر الماضي ايضا المذيع محمد ظاهر الشرقات وهو المعروف بانتقاده لداعش، بعد أن أطلق عليه الرصاص في نفس الطريق التي قتل فيها ناجي، وفجر داعش الأسبوع الماضي سيارة في المدينة قتل فيها ضابطين وأصيب عشرين أخرين في مركز الشرطة فيما قبض على 30 شخصًا مشتبه به في الهجوم.
وعرف عن غازي عنتاب في الماضي كونها موطن البقلاوة الافضل في العالم، وتبعد أقل من ساعة بالسيارة من سورية، وتعرف على أنها الدار البيضاء الحديثة، وأصبحت مقصد للجواسيس واللاجئين والعمال والمساعدات الخارجية والخلايا النائمة لداعش، ومن هنا تسللت المراهقات البريطانيات الثلاثة شاميما بيغوم وخديجة سلطانة وأميرة حقر من شرق لندن للانضمام الى داعش، وهو نفس المكان الذي عثر فيه على 29 حزام ناسف والعديد من القنابل اليدوية وكمية من بنادق الكلاشينكوف في شقة في كانون الاول/ديسمبر، وهو المكان أيضا الذي زاره فيه ابراهيم بكراوي أحد الاشخاص المسئولين عن تفجيرات بروكسل الى أودت بحياة 32 شخص، وكانت الشرطة التركية قبضت عليه ورحلته الى هولندا بناء على طلبه عندما أصرت السلطات البلجيكية الا صلة له بالارهاب.
وتبدو مدينة غازي عنتاب مثل المدن الحديثة فهي تحتوي على ستاربكس وفندق نوفوتيل ومركزين للتسوق ومتاجر معروفة، وقال أحد المسئولين في الخارجية البريطانية عنها " تخشي أمي علي كثيرا عندما أصل لغازي عنتاب، ولكنها تحتوي على متجر لماركس أند سبنسر، انا أخبرها دائما ان المدينة ليست خطيرة ما دامت تملك سباركس"، وبالرغم من الحياة الطبيعية في المدينة الا انها خطرة بالفعل، فالعاملين في تمكين ينصحون دائما بأن يتجلوا في اماكن معينة وأن يبتعدوا عن بعض الاماكن مثل المطاعم التي تقدم بها المشروبات الكحولية، وتتجنب أيضا المنظمات الغير حكومية ان تفتح لانفسها مكاتب في بعض المباني التي تعتبر مهددة باستمرار.
وانتشرت شائعات بأن عناصر "داعش" الغربيين الذين يأتون الى المدينة يستمعلون الطائرات القديمة في مطار غازي عنتاب بالرغم من أنهم يظهرون ملتحين مع لبساهم التقليدي، وتعتبر المدينة من المدن المزدحمة بالحركة المرورية التي تنتشر فيها أشعة الشمس القوية ورائحة البنزين، ولكن الطرق الفرعية فيها تبدو فارغة الى حد كبير، وتشكل الكثير من الشقق المترامية الاطرف مركزا لتجارة الجنس وتهريب البشر والعبيد في المدينة، حيث تباع زوجات وبنات الملسمين الذين قتلوا لمناطق داعش، وأصبحت المدينة تشابه طريق الحرير السابق بين الشرق وأوروبا مع فارق صغير أنها طريق للجهاديين.
وبينت عاملة سورية في منظمة غير حكومية محلية مروة بوكا " اننا نتجنب الأماكن العامة ونحمل معنا أجهزة أنذار" ، بينما أضاف رامي الخطيب " انا قلق بشأن أحداث كبيرة يمكن أن تحدث، زوجتي صحفية استرالية غادرت الى سيدني بعد مقتل ناجي، فلم تشعر بالأمان هنا ويمكنني أن اتفهم ذلك."
ويعتقد رامي أنه يجب أن يكون وزملائه حذرين جدا فهم يجب أن يكونوا واعين دائما، فالناس في المستنقع السوري يحتاجون لمساعدتهم، وهم يأتون دائما مع الكثير من القصص، فالحاج حسن بيرتا يعمل كرئيس مجلس مدينة حلب وهو رجل مشعول دائما، فقد كانت حلب أكبر مدينة سورية قبل الحرب، وتضم حوالي 2 مليون نسمة، ولكن لم يبقى اليوم منهم سوى 400 ألف شخص وأصبحت معقل للمعارضة وتتعرض للهجوم على يد نظام الاسد، ولديها فقد منفذ واحد على العالم الخارجي.
واتخذ الحاج حسن جهودا كبيرة لتجنب الأسد والقوات التركية مع 10 ساعات من السفر مسافة 76 ميلا بين حلب وغازي عنتاب، وعندما عاد في اليوم الثاني الى سورية اختطفته قوات الشرطة السرية الكردية المسلحة من منزله وأطلق سراحه بعد أربع ايام، وتحدث معنا قبل هذه الدرما في حديثة ومقهى بعيدة عن الضوضاء في غازي عنتاب، وبدأ يسرد العديد من الهيئات التي تشكل المجلس الذي يرأسه، وعرض صورا من الاجتماعات ومركبات التخلص من النفايات التي تعمل في المنطقة، وتنظيف الشوارع، وثورة لجثة حسن العمري وهو ابن لطفلين ومهندس المشروع قتل بصاروخ سلاح الجو السوري عندما كان على رأس عمليه في صباح أحد الأيام.
ويصف الحاج حسن تلك الفترة على حلب بالرهيبة فبعد اعادة الغارات الجوية للقوات الحكومية وتفجيرات البراميل أصبحت الاوضاع هناك سيئة جدان وكان يقتل كل يوم ما معدله 25 شخص، وقصفوا سوق الشكور المزدحم لأكثر من 15 مرة مما أسفر عن مقل 7 أشخاص في احدى المرات.
وزود البرامج مجلس بلدية جلب بحوالي 820 ألف جنيه استرليني حتى الان في العام الماضي، وساعد المال في اصلاح الطرق وبنى مركز لمعالجة المياه ودرب المعلمين وشيد محطة لتصفية الوقود ذات النوعية الردئية، وبنى مركزين لتعليم النساء اللغات والمهارات المهنية والاسعافات الأولية.
ويقول الحاج حسن " لم يكن المال هو المهم، فنحن نتلقى من أميركا 500 ألف دولار كل ستة أشهر، ولكن العمل الذي انجزناه كبير مقارنة مع البرامج الاخرى، وهذا البرنامج أفضل من غيره فهو مستدام"، وكان يعاني مجلس مدينة حلب حتى وقت قريب من الخلافات الداخلية، وكانت القرارات تعطل في ظل هذه الظروف الصعبة، ولكن تمكن الحاج حسن ولجنته من وضع اسس لكيفية تجنب الفساد، وتابع " ان الغرض من هذا البرامج هو تعزيز الديمقراطية، فتميكن يصر على تميكن المرأة فاليوم لدينا سبع موظفات من الاناث في المجلس، ونحاول خلق ثقافة جديدة تشجع المرأة على المشاركة وهذا مهم نظرا لان الكثير منهن فقدن أزواجهن."
وتعمل نسرين الزراعي مديرة للأبحاث في تمكين، وتشير " العمل مع تمكين هو أد الاشياء الذي ساعدني على النوم ليلا، انها ليست مجرد منظمة تغيث النازحين أو تقدم خدمات للاشخاص بلا كهرباء، بل نحن نعمل على الديمقراطية وعلى أفكار الثورة، تمكين ليست مهمة سهلة بل صعبة كثيرا، وتتطلب الكثير لتنفيذ هذه المفاهيم، ولكنه مهم ففي يوم من الايام سيتعب المانحون، وستتشكل ازمة مالية، فالسوريون يحتاجون لأدوات للعمل وليس الى المال."
ومول تمكين في السنوات الثلاث الماضية 63 مشروعا تعليميا، بما في ذلك إعادة بناء المدارس التي دمرتها الحرب، وبنيت 78 برامجًا تدريبيًا لأعضاء المجالس، وأقيم 42 مشروعا الصحية، بما في ذلك بناء عيادات وتمويل سيارات الإسعاف الجديدة، وتضمن بناء 127 قطعة من البنية التحتية الحيوية مثل الآبار ومولدات الكهرباء، وأنشئ برنامجين سلامة الأغذية وبنيت ستة مراكز التدريب المهني، صرف عليها حوالي 3.8 مليون جنيه استرليني من أصل 17 مليون مخصصة من وزارة التنمية والاتحاد الاوروبي.
وقدمت الحكومة الأميركية كميات ضخمة من الأموال في جميع أنحاء سورية، وعلى لسان مسؤول أجنبي رفيع المستوى قال "الأشياء مكلفة جدا هنا". ولكنها اليوم الآن بصدد إطلاق برنامج مماثل لتمكين، وحصلت بعض الاخفاقات في بعض الاماكن مثل حي طيبة في درعا بالقرب من الحدود الاردنية حيث عثر على مولد لتمكين في حديقة البلدية فسبح الاستثمار بسبب اختراق الثقة، وفي مدينة حلب كانت اصلاحات الطرق غير مرضية فرفع البرنامج دعوى على المورد لاستخدام مواد دون المستوى المطلوب واستعادة الأموال، ويعمل موظفي الشؤون المالية لتمكين تحت حراسة كبيرة ويسعون للتحقق من أي امال أو احتيال أو فساد.
ويهدد الوضع المالي والعسكري تمكين وعملها ففي شباط/فبراير، كانت ضربات سلاح الجو الروسي ونظام الأسد كثيفة على الريف شمال حلب مما سمح للقوات الكردية الموالية لقوات الحكومية بالتحركن وتقول كاتيك التي كانت في سن المراهقة في حرب البوسنة واضطرت وقتها للجوء الى الملجأ مع عائلتها لمدة ثلاثة أشهر " سيطر الاكراد على ثلاثة من مجتمعاتنا بعد قصفهم ب20 قذيفة، كان شباط/فبراير أسوا شهر في سورية، ففي البوسنة اثناء القصف كنا نختبئ في الملجأ ولكن مع البراميل المتفجرة في سورية لا يوجد مكان للاختباء."
وكانت نتيجة هذا الهجوم نزوج جماعي من الناس الى الحدود الشمالية نحو تركيا، حيث يعمل تمكين ايضا، وانتشرت مخيمات كبيرة للاجئين تضم أكثر من 150 ألف شخص تعرضوا لهجوم داعش من الشرق، وقرر تمكين متابعة الناس أثناء فرارهم وهم في المخيمات وتوفير ادارة للنفايات وبناء مراحيض واقامة برامج صحية ونصب 163 خيمة لتعليم أكثر من 6000 شخص، وأقامت دورة لتدريب 150 مدرس.
ويبقى السؤال اذا كان مشروع تمكين سيتسمر في المساعدات الانسانية بدلا من بناء مجتمع ديمقراطية؟ وخسر تمكين في الواقع قدرة الكثير من الأشخاص في سورية بسبب اما مقتلهم او نزوحهم هم ايضا، ففي العام الماضي شهد طاقهم في سورية انخفاض كبير، فقد أدرك الكثير من الناس أن عليهم المغادرة والا سيتقلون وسيقتل أطفالهم، وأضافت كاتيك " الأشخاص الذين استطاعوا مغادرة سورية لم يبقوا فيها، والأشخاص الذين بقوا في البلاد هم الذين لم يملكوا المال للمغادرة، وهو امر يحدث منذ عام 2011 الى عام 2015، وقد حاول الناس لمدة أربع سنوات المغادرة، يتطلب وقف النزوح منطقة حظر للطيران، فالناس تعبوا من القصف، ولكن هناك أيضا مسألة لا تحمد عقباها فتمكين يحتاج للناس، ويبقى هناك مسألة اخرى هل ستتابع تميكن في بناء وتنمية المناطق التي تسيطر عليها المعارضة اذا ما استعاد قوات الأسد السيطرة عليها؟"
ويعمل دياب عبدالله البالغ من العمر 32 عاما موظف ميداني في شمال حلب وتعرض للتعذيب على يد قوات القوات الحكومية، ويعتقد أن أي شخص مرتبط مع تمكين سيسجن على الفور، ويقول مدير المشروع في احدى منظمات المعارضة مازن جاربا أنه من غير المعقول ترك الناس دون عمل حكومة محلية، فيما المخاطرة تستحق أن تؤخذ في عين الاعتبار.
وعمل رئيس عمليات سورية في شركة ادم سميث الدولية نيل فاولر في أفغاستان والصومال، ويعرف الحلول الوسط في كثير من الاحيان، ويعترف أن التحدي المقبل صعب مع تطور الوضع العسكري، ولكن صمم البرنامج بالأساس على مساعدة الناس في سبل العيش وتمكينهم.
ويشير " ولكن يتطلب العمل في مناطق القوات الحكومية ايجاد طريقة للعمل بدون تدخل السلطة أو الامن أو الحكومة والسيطرة عليها، لدينا احترام عميق لزملائنا السوريين، ونعرف ان معظمهم كانوا ضحايا لوحشية القوات الحكومية، وهذا يعني احترام وجهات نظهرهم وتفكيرهم ونقاشهم في المناطق التي يجب أن نعمل بها، ما يمكننا القيام به هو استكشاف تجارب بلدان أخرى، ونون على استعداد لسيناريوهات عملية السلام."
ولخص رامي الخطيب بعبارة أخرى " لا أحد يعرف ما يخبئه المستقبل في سورية" وأجاب الناشط بكري أزين من حلب عندما سئل عن سبب بقائه في حلب رغم الصف " انها حياة أخرى في بلدي، وهذه حياة اخترت أنا أن اكون جزءا فيها، فأنا لا أقبل أن يقرر شخص بأن يترك بلده الى الأبد، أفضل الموت في بلدي."
وقتل شقيقه البالغ من العمر 21 عاما في عام 2013 بسبب قذيفة من دبابة القوات الحكومية، وكان يعمل مصور يوثق مجزرة في خان العسل، وهي بلدة على بعد ثمانية أميال إلى الغرب من حلب. وكانت المدينة التي تسيطر عليها المعارضة مسرحا لمذابح وحشية، نسبت الى ميليشيات النصرة التابعة لتنظيم القاعدة، وهجوم كيماوي نسب للقوات الحكومية، وعانت والدته من صدمة عميقة بعد وفاة أخوه، ونقلها في عام 2014 انتقل الى غازي عنتاب، ويشير " اصيبت والدتي بالرعب من أصوات القصف والطائرات، انا أود البقاء في بلدي، فانا أؤمن بالثروة والحرية، لا أريد أن أكون لاجئ لبقية حياتي في أوروبا أو تركيا، وكبشر لدينا الحق في العيش في بلادنا"، ويشرف اليوم على مشاريع لجنة تمكين في حلب، ويشعر بالقلق على المستقبل في ظل القصف المتواصل، ولا يعرف كيف سيستمر في عمله، وما القادم للمدينة، ويقول " لا يوجد زراعة في المدينة فقط مباني لا يوجد مساحات خضراء، سيكون الوضع جنونا، وهناك اليوم على الأقل 350 ألف شخص يحتاجون الغذاء."
وتحكي قصة ايمان الزهراوي الكثير، فقد رفضت أن تعترف أن ابنها الذي يبلغ من العمر 12 عاما مات تحت الانقاض واستمرت بالبحث حتى أخرجته حيا، وقد انفصل جسد احد أصدقائها أمام عينيها بسبب شظايا قنبلة من براميل القوات الحكومية، واضطرت في مناسبة أخرى ان تزحف مع أطفالها الأربعة تحت وابل رصاص الحرس التركي على بطونهم على الحدود السورية التركية بعد أن كانت ثلاثة اسابيع من ولادة قيصرية.
وتلقت في غازي عنتاب تدريب على الديمقراطية، وكانت تعمل حتى الشهر الماضي كعاملة جندر في ريف حلب وتساعد النساء في اللجان الفرعية، وتقول " ان المجتمع لا يدعم النساء، فكنت في بعض الاوقات اعاني من مضايقات مقاتلي القاعدة، ففي مرة توقع رجل أمامي بينما اشتري الفاكهة وطلب مني، اذا كنت تريدين أن تعيشي في مجتمعنا فعليك أن ترتدي ملابسنا، انت لست رجل، والمشكلة الا أحد يقف في وجههم وهم يلقون الاوامر على الناس دائما."
وبدأ الطيران الروسي في شباط/فبراير قصف المنطقة، فقررت ايمان أن تنقل الى غازي عنتاب مع أطفالها لقضاء عطلة صغيرة، وتقول " كنت أسير في الشارع فيما الطائرات تحلق فوق رؤوسنا، وأطفال يصرخون ويرتجفون، وتعهدت على نفسي الا أعيد اطفال الى سورية، ولكن بالنسبة لي فانا أريد العودة بشدة."
وتخرجت خلود وليد من جامعة دمشق بعد أن درست اللغة الانجليزية، وقبضت عليها القوات السورية بسبب نشاطها في الريف السوري، وتقول " كنا ننظم المظاهرات الصامتة ضد القوات الحكومية ، كنا ندعو الى الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان."
وفقدت أثار أخوها الذي كان يعمل مع الصليب الاحمر منذ عام 2012 ولا يعرف مصيره، وتنحدر خلود من بلدة داريا بالقرب من العاصمة السورية والتي كانت واحدة من أهداف القوات الحكومية حتى وقت مبكر، وأضافت " كان لدينا الكثير من نقاط التفتيش في عام 2011 وأطلق النار على المتظاهرين في اب /اغسطس 2012 حصلت مجزرة قتل فيها الف شخص، وترك الكثير من الاطفال ايتام، وعملنا معهم لمدة شهرين، ولكن في النهاية الجميع فر من المدينة فلم يبقي من 500 ألف شخص سوى 8000 فقط"، واسترسلت " هربت مع عائلتي، ووجدنا بيتنا من الصفيح للايجار، كان مستقرا ولكنه ليس بيت، لكن عندما ألقتالقوات الحكومية القبض على بعض أصدقائي بدأ بملاحقتنا، وألقوا في البداية القبض على احدى صديقاتي ووالدتها، واستخدمتها القوات الحكومية لنسب شراك للقبض على فتاتين اخرتين، وبعد ذلك بدأوا بالاتصال بي، يقولون هل انت مدرسة للغة الانكليزية؟ أريد أن تعلمي أطفالي، أريد أن التقي بك بعد نصف ساعة، فأغلقت هاتفي واخرجت البطاقة وفررت من البلاد."
أرسل تعليقك