لندن - كاتيا حداد
يتعمّد تنظيم "داعش" تشويه وعي الآلاف من الأطفال العراقيين، ويقتل فيهم نظرات الطفولة البريئة، حيث يمسك طفل عراقي لم يبلغ من العمر سوى أربعة أعوام، حين يأتيه الغضب بسكين ويقول "أريد أن أقطع رؤوسكم"، ويركض في منزله بالموصل الذي عمّه الظلام نحو المطبخ ليسحب السكين باحثا عن أحدٍ ليقتله. فقد رأت عينا قاسم ضحايا تنظيم "داعش" الذين قاموا بذبحهم وإطلاق نار والرمي من فوق المباني، وأثّر فيه ذلك، ما جعله يريد أن يقتل إذا أحس بالغضب.
ويقول الأخصائيون الاجتماعيون الذين يتعاملون مع حالات أطفال مثل حالة "قاسم"، (وهو اسم مستعار)، وهي التي تفرّ من الموصل بعد حكم "داعش" لمدة سنتين أن حالته النفسية، سمة تميّز بها الأطفال الفارين من المناطق التي تحكمها "داعش". وتعلّق على ذلك والدته أن "قاسم" غير مسموح له بالخروج من المنزل حيث يُخشى منه إلحاق الأذى بالناس، فبعد كل ما رآه من أفعال "داعش" أصبح العداء فيه يزيد يوما عن يوم، وأصبح يتفوّه بعبارة القتل وضرب الأعناق، كما أنه يقوم بجرح أخته، وتحطيم كل شيء أمامه عندما يغضب. فهذا الطفل المسكين قد سرقت منه طفولته بأيدي تنظيم "داعش".
وكان قاسم قد فرّ برفقة عائلته من مدينة الموصل، قبل أربعة أسابيع، ليكون نازحا بخيمة في ﻣﺧﻳﻡ ﺣﺳﻥ ﺷﺎﻡ ﻟﻠﻌﺭﺍﻗﻳﻳﻥ ﺍﻟﻧﺎﺯﺣﻳﻥ. وفي نفس السياق، قال أحد الأخصائيين الاجتماعيين إن هناك أكثر من 1.500 طفل بالمخيم يعانون آثار الصدامات الحادة ويحتاجون للعلاج النفسي العاجل. ولا يختلف هذا الأمر عن غيرها من المخيمات العراقية بالشمال، إذ نزح قرابة 81 ألف فرد منذ بدء عمليات تحرير الموصول أكتوبر/تشرين الأول الماضي. وعلى ذلك تعالت أصوات أحد أطباء النفسانيين بأن جيل الأطفال العراقيين قد تلحق به العقد النفسية للأبد بسبب حجم الصدمات النفسية التي بلغت قدرا كبيرا من التعقيد والحدة بسبب الحياة لسنتين تحت وطأة تنظيم "داعش" حيث حالات العنف العلني ضد ضحايا "داعش" التي تمارس كل يوم، لكن ما يسهم في تعقيد حالة قاسم، الكبار الذين يُعلّمون أطفالهم بأن مثل هذه الأشياء هي لإقامة العدالة.
وقال مهند إدريس، أحد الأخصائيين الاجتماعيين الذين يعملون مع 11 ألف شخص بالمخيم بأن حالة قاسم ليست فريدة من نوعها أو الأكثر حدة في المخيم، فهناك العديد من الحالات الأكثر خطورة وتعقيدا. فيحاول الأخصائيين الاجتماعين التعامل مع الأطفال الذين شاهدوا بأعينهم إعدامات لذويهم، فقد مروا بمستويات متكررة من الصدمات التي تضم القتل والخوف والتفجير والنزوح من منازلهم. فحالات الأطفال التي يتعامل معها الأخصائيون تنحصر بين أطفال ذوي سلوك عادي غاضب وأطفال قد أبكم صوتهم من الصدمة، وأطفال يصرخون من كوابيس ليلية، وأطفال يعانون التبوُّل اللاإرادي وآخرين يعانون الأرق، فكل هؤلاء الأطفال تتراوح أعمارهم تحت سن الخامسة عشر. ومن بين هؤلاء الأطفال، طفلة تبلغ من العمر خمس سنوات دُمر شارعها التي كانت تسكن فيه إثر غارة لطائرات التحالف، فهذه الفتاه الصغيرة لا تقول سوى ثلاث كلمات هي "أنهم قادمون إلينا". عندما تسمع صوت الطائرات تتصلّب في مكانها وتومئ بأصبعها بحذر نحو السماء.
وفي سياق آخر، تموّل منظمة "اليونيسف" مخيم "ﺣﺳﻥ ﺷﺎﻡ ﻟﻠﻌﺭﺍﻗﻳﻳﻥ ﺍﻟﻧﺎﺯﺣﻳﻥ"، الذي يوفر التعليم الأساسي للأطفال النازحين، إضافة إلى الأخصائيين الاجتماعين المتطوعين من قبل منظمة "تيردي زوم" الدولية وهي منظمة إيطالية مختصة بحقوق الطفل وحمايته، وتسجّل رشا مؤيد، أحدى المتطوعات من محافظة الأنبار ما شهدته بعينها عن مقتل إحدى صديقاتها المقربات على أيدي عناصر "داعش"، حيث كانت جريمتها أنها خبيرة تجميل تزيّن العرائس، وحكم عليها بالرجم حتى الموت في العلن. وتتابع أن "داعش" يرغم الجميع على مشاهدة مثل هذه الأشياء، إذ كان من بين الحضور على تنفيذ حكم الإعدام بحق صديقتها أبنائها الصغار في عمر السادسة والسنتين، فكان لهذا الأمر بالغ الأثر على الكبير البالغ، فما بالكم بالطفل الصغير.
وكان "داعش" يُجبر العوام على الحضور صغارا وكبارا، وتبث مشاهد القتل عبر شاشات عملاقة توضع في كل مكان من أسواق ومحال تجارية، وكانت تلك المشاهد لا تتوقف أبدا، فالعنف ومشاهده هو جزء لا يتجزأ من حياة المواطن العراقي في المدن التي يسيطر عليها "داعش". كما أن "داعش" قام بإدخال مبادئ العنف إلى المناهج التعليم التي تدرس للأطفال.
وفي العالم الماضي، شاهدت عينا الطفل الصغير "قاسم" عبر الشاشات العملاقة المثبتة في كل مكان تنفيذ حكم الإعدام بحق اثنين من الجنود الأكراد، كما أنه شاهد مقتل اثنين من أعمامه الذي تربي بينهم على أيدي تنظيم "داعش"، حيث كانت جريمة أحد أعمامه أنه حاول الفرار من الموصل فحُكم عليه بالرمي حيا من فوق أحد المنازل العالية. وقال والد قاسم إنه حاول أن يغمض عينا ابنه لكن الوقت سرقه، ليرى قاسم الدماء.
وكان من بين المشاهد التي رآها قاسم، اقتحام سبعة مقاتلين من تنظيم "داعش" البيت الذي يسكن فيه باحثين عن أحد رجال الشرطة السابقين الذي كان مختبئًا في المنزل، وعندها تيبست قدمي "قاسم" في الأرض أمام مشهد المقاتلين الذين رفعوا السلاح في وجه أمه، ويقدّر عدد الأطفال النازحين، منذ بدأ الصراع يناير/كانون الثاني 2014، بما يزيد عن مليون طفل. وتتولّى منظمة "اليونيسف" مسؤولية توفير الرعاية النفسية لأكثر من 200 طفل في المدن العراقية حيث أن الغالبية منهم يأتون من مدن يسيطر عليها تنظيم "داعش".
أرسل تعليقك