أبوظبي – صوت الإمارات
نفى المركز الوطني للأرصاد الجوية والزلازل ما أثير مؤخرًا بشأن دراسات مناخية وتقارير صحافية تشير إلى تعرض منطقة الخليج العربي بعد عام 2070 لموجات حرارة عالية غير مسبوقة تجعلها غير مؤهلة للعيش، مؤكدًا عدم دقة هذه المعلومات وأنه معني فقط بالرد على ما جاء في الدراسة العلمية، داعيًا في بيان له أمس الأربعاء إلى عدم الأخذ بالتقارير الصحافية المبنية على افتراضات غير مؤكدة والتي تهدف إلى الإثارة دون أن يكون لها سند علمي راسخ، مشيدًا في الوقت نفسه بالجهود التي تقوم بها الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتغيرات المناخية والتي تؤكد أهمية ملاحظة أن نتائج التقارير الصادرة تكون عادة مصحوبة بدرجة من عدم التثبت لاعتمادها على فرضيات مستقبلية ويتوجب قراءتها وتفسيرها بحذر.
وأكد المدير التنفيذي للمركز الوطني للأرصاد الجوية والزلازل الدكتور عبد الله المندوس أن باحثين قاما بنشر ورقة علمية في مجلة Nature Climate Change جاء فيها أنه من المتوقع لدرجات الحرارة المستقبلية في جنوب غرب آسيا أن تتخطى عتبة القدرة البشرية على التأقلم، واستخدم الرجلان النموذج الرياضي الإقليمي الخاص بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا للتوصل لنتائج البحث، فيما قامت جريدة نيويورك تايمز الأميركية وبعض الصحف الأخرى بنشر البحث تحت عنوان أكثر ميلودرامية وهو "حرارة قاتلة متوقعة في الخليج بحلول 2100" مما أثار شهية كتاب الإثارة وظهرت عناوين صاخبة تتحدث عن اختفاء المدن ودمار الحضارة وغيرها بنهاية القرن الحالي.
وأضاف المندوس أن تقرير التقييم الخامس الصادر عن اللجنة الحكومية الدولية للتغير المناخي لعام 2014 توقع استمرار الارتفاع في معدل درجة الحرارة العالمية بمقدار يتراوح ما بين 0.3 إلى 4.8 درجات مئوية بحلول عام 2100 تحت أسوأ الظروف والتي تتمثل في زيادة متسارعة لانبعاث الملوثات الجوية وغياب تام للتشريعات والتدابير البيئية وأن هذه التوقعات يتم حسابها من خلال نماذج عددية مناخية تحاكي العمليات الفيزيائية التي تحكم نظام الغلاف الجوي طبقا لمعطيات تركيز غازات الدفيئة في الغلاف الجوي، كما تأخذ هذه النماذج بعين الاعتبار التغيرات الفعلية التي طرأت على درجات الحرارة فوق سطح الكرة الأرضية وتراجع مساحة المسطحات الجليدية في المناطق القطبية ومقدار ارتفاع مستوى سطح البحار خلال العقود الزمنية القليلة السابقة وبحسب التقرير فإن معالم التغيرات المناخية المتوقعة ليست منتظمة فوق سطح الكرة الأرضية بل تتباين بين إقليم وآخر حسب الموقع الجغرافي والنشاط الصناعي وإجراءات التخفيف من معدل انبعاث الملوثات الجوية من خلال التشريعات البيئية وغيرها.
وأكد المندوس أن هذا التقرير يشكل المرجعية العالمية المعتمدة لدى الأمم المتحدة في قضايا تغير المناخ ومن المفيد أن نتذكر هنا أن النماذج العددية المناخية التي تختص بعمل دراسات مناخية وعمل محاكاة للتغيرات المناخية تتم على أساس عدة افتراضات وشروط محددة يضعها الباحث في النموذج العددي المناخي وبناءً عليها نحصل على نتائج تتسق مع تلك الفرضيات ولا نستطيع تعميمها خارج تلك الشروط، ولا يمكن تحديد دقة المخرجات لهذه النماذج بشكل كبير وغالبا ما تحتوي هامشا من عدم التأكيدية.
وفي تطبيقات أبحاث التأقلم البشري مع حرارة المحيط يمكن اعتبار درجة حرارة الهواء عند 33 درجة مئوية هي الحرارة الفاصلة أو (العتبة) بالنسبة لراحة الجسم البشري وقدرته على التأقلم لأنها قريبة من درجة حرارة جسم الإنسان الخارجية، وعند هذه (العتبة) يصبح الجسم بحالة اتزان حراري مع محيطه وتتوقف عملية التبريد بالإشعاع ويصاب الإنسان بالإجهاد وتزداد حدة الإجهاد إذا كانت الرطوبة عالية جدا وقد يتعرض المرء إلى ارتفاع خطير في درجة حرارة جسمه (هايبرثيرميا) إذا زاد تعرضه لمثل هذه الظروف لفترات طويلة، وتختلف درجة حرارة (العتبة) بين الشعوب بحسب المناخ السائد لديها، ففي الدول الباردة تعتبر درجة 33 مرتفعة بالنسبة لهم، على عكس سكان المناطق الحارة التي تستطيع أن تتكيف مع هذه الدرجة أو ما هو أعلى منها بيسر وسهولة.
وأشار الدكتور عبد الله المندوس إلى أن معدل درجة حرارة الهواء في معظم مناطق الدولة، ولفترات طويلة من السنة، يزيد على 30 درجة مئوية، كما تشير إليه السجلات المناخية في المركز الوطني للأرصاد الجوية والزلازل، وبسبب موقعها الجغرافي فإن معدلات الرطوبة النسبية في الدولة عالية خلال فصل الصيف ولفترات محدودة، الأمر الذي يزيد من صعوبة تأقلم الجسم مع الظروف الجوية أثناء تلك الفترات وليس غريبا أن يعاني الناس من صعوبات التأقلم إذا طرأ ارتفاعًا إضافيًا على درجات الحرارة نتيجة للتغيرات المناخية التي يتوقعها تقرير اللجنة الحكومية الدولية للتغيرات المناخية.
وأضاف الدكتور عبد الله المندوس حتى في الدول الأوروبية ذات الطقس المعتدل أو البارد يمكن أن تؤدي موجات الحر إلى نتائج قاسية على المجتمع.
ومن الأمثلة على ذلك موجة الحر التي ضربت جنوب أوروبا في صيف عام 2003 حيث بلغت درجة الحرارة في العاصمة الفرنسية حوالي 38 درجة مئوية أدت إلى ارتفاع كبير في عدد الوفيات بين كبار السن في تلك السنة وإذا افترضنا حسن النية لدى الباحثين، فإن استهداف دول الخليج العربي في هذه الدراسة يعود إلى الخصائص المناخية له والكثافة السكانية والأهمية الاقتصادية والسياسية التي تعتبر أمراً جذاباً إلا أن الباحثين لم يأخذا بعين الاعتبار القدرة الموروثة للتأقلم مع درجة حرارة البيئة لدى الشعوب التي تقطن المناطق الحارة.
وركز الباحثان على درجة الحرارة القصوى في الدول المطلة على الخليج العربي حيث ذكرا أنه يمكن أن تصل درجة حرارة الهواء في بعض الاحيان حدودا متطرفة قد تبلغ 50 درجة مئوية أو أكثر، وعند هذه الدرجة أو أقل منها بكثير يمكن أن يصاب المرء بصدمة حرارية إذا لم يتناول كمية كبيرة من السوائل وإذا تعرض لأشعة الشمس لفترات طويلة، فلا يمكن أن ننكر هذه الحقيقة.
أرسل تعليقك