كشفت حلقة نقاشية برلمانية حول مستقبل قطاع التعليم العالي في الدولة، أن المواطنين المسجلين في قطاع التعليم الخاص في الدولة (جامعات ومعاهد ومدارس) بلغت نسبتهم 60% من إجمالي المواطنين المقيدين في المراحل الدراسية المختلفة، في حين برزت إشكالية تأثير التدريس بلغة أجنبية في استيعاب الطلاب، وتفاعلهم في وقت لاحق مع عادات وتقاليد المجتمع.
واعتبر مشاركون من أعضاء لجنة التربية والتعليم والشباب في المجلس الوطني الاتحادي، أن "تعزيز الانتماء والهوية في هذه المدارس والجامعات، من شأنه أن يضمن تواصلًا موضوعيًا بين الأجيال، وأن يحافظ على عادات وتقاليد المجتمع، لاسيما أن ظاهرة اللجوء إلى التعليم الخاص لم تستثنِ أبناء معلمين ومعلمات مواطنين".
وأعرب برلمانيون وأكاديميون عن انزعاجهم من "عدم وصول مبادرات حكومية تعنى بتعزيز الهوية الوطنية، إلى طلاب المدارس الخاصة، فتلك المبادرات تنفذ بشراكة بين الوزارة ومؤسسات التعليم الحكومية، ومن ثم يحرم منها الذين يدرسون في القطاع الخاص".
وأفاد أكاديميون بأن "التعليم الذكي خلق فجوة بين الطالب ومحيطه الأسري والاجتماعي، نتيجة ارتباط الطالب بالأجهزة الذكية، وانسحابه من المجتمع، إضافة إلى أن التدريس باللغة الإنجليزية ابتداء من مراحل مبكرة قد يؤثر في الهوية العربية والعادات والتقاليد، إذا ما استحوذ على مساحة كبيرة في تشكيل وجدان الطالب مقابل اللغة العربية".
وأكدوا أن "المعلم يعد الركيزة الأهم والقابلة للرهان عليها، وليس المناهج الدراسية"، في حين أكد طلاب أنهم يواجهون مشكلات جوهرية تتعلق بقدرتهم على الالتحاق بالعمل بعد التخرج في الجامعة، لاسيما أن المؤسسات الحكومية والشركات الخاصة تطلب عناصر جديدة للانضمام إلى العمل شرط توافر خبرة مهنية، بينما يستحيل توفير هذه الخبرة دون ممارسة فعلية لوظيفة، أو الحصول على تدريب متخصص.
ونظمت لجنة التربية والتعليم والشباب والإعلام والثقافة في المجلس الوطني الاتحادي، بالتعاون مع الأمانة العامة للمجلس، أمس، حلقة نقاشية مع طلاب أكاديميين، وسمحت لطلاب دراسات عليا وذوي طلاب بحضور النقاش، بهدف الوصول إلى تصور متكامل لخدمة تطوير قطاع التعليم العالي في الدولة.
وعلى الرغم من ضعف الإقبال على الورشة من قبل الطلاب (نحو 30 مشاركًا)، إلا أن الورشة شهدت إقبالًا من أكاديميين وذوي طلاب، مع مشاركة لافتة من قبل العنصر النسائي (طالبات وموظفات)، في وقت يشكل فيه طلاب الجامعة في الدولة نحو 60 ألف طالبة وطالب، مواطنين ومقيمين، حسب تقديرات غير رسمية.
وذكرت الباحثة الأكاديمية، عائشة المطوع، إنه في ظل تراجع نسبة الطلاب الذين يدرسون في مراحل التعليم المختلفة في مؤسسات حكومية إلى نحو 40%، وزيادة نسبتهم في المؤسسات الخاصة إلى 60%، فإن الحل يتمثل في تعزيز الانتماء والهوية في هذه المؤسسات، كما أن هناك حاجة ماسّة إلى الدمج في مراحل التعليم المختلفة لحل مثل هذه الإشكالات.
وشهدت الجلسة النقاشية مداخلات ومشاركات من قبل أكاديميين، إذ تطرق أستاذ الثقافة الإسلامية ومجتمع الإمارات في الجامعة الكندية في دبي، الدكتور سيف راشد الجابري، إلى تحديات تطوير المناهج التعليمية والتخصصات لتواكب توجهات الدولة، واحتياجات سوق العمل، في ما يتعلق بالابتكار وريادة الأعمال وفرص العمل المتاحة.
وذكر الجابري، إن "تحديات السياسات التعليمية كثيرة، وينبغي البدء في إيجاد الحلول الجذرية للارتقاء بالمنظومة التعليمية في الدولة، خصوصًا أن الإمارات لا ترضى سوى بالمراكز المتقدمة في محيطها الإقليمي والعالمي، ونحن نحتاج إلى وقفة وطنية صادقة لتحقيق رسالة الحكومة في التعليم، ومناقشة هذا الأمر بصورة تثمر تجديد مخرجات التعليم، بما يحافظ على قيم المجتمع".
ودعا إلى توحيد الصفوف لأجل سنّ تشريعات لمخرجات التعليم في الدولة، بما يتوافق مع رؤية الإمارات 2021، كون التعليم في أي مجتمع صمام الأمان لمستقبل الوطن، الذي يمكّن شباب الوطن من الالتحاق بأي مجال يتوافق مع متطلبات سوق العمل، فنحن نحتاج إلى أخصائي اجتماعي، وطبيب، ومهندس، ووظائف مهنية وإدارية عدة، وكل ذلك في حاجة إلى كوادر مؤهلة.
وأكد الجابري أنه لتحقيق ذلك، "ينبغي الإسراع في تطوير منظومة التعليم الابتدائي والإعدادي والثانوي والجامعي كضرورة ملحّة، وعلينا أن نتجاوز هذه التحديات، فلدينا طلاب لا يحسنون كتابة أسمائهم باللغة العربية، أو الحديث في أي موضوع بلغة عربية ميسرة لفترة زمنية قصيرة".
واعتبرت العميد الأسبق لشؤون الطلبة في جامعة الإمارات، الدكتورة مريم سالم بيشك، أن التعليم العالي على الصعيد العالمي مر بتغيرات جذرية خلال الـ20 سنة الماضية، أكثرها وضوحًا يتمثل في التوسع والتنوع في مؤسسات التعليم العالي، سواء الحكومية أو الخاصة، سواء كان ذلك في الانتشار الجغرافي أو استحداث نظم تعليمية جديدة، اتصفت بالعالمية في معايير تطبيقها.
وأضافت أن "التعليم العالي في الدولة، لم يكن في منأى عن هذه التغيرات التي تمخض عنها ظهور مسائل وقضايا تتعلق بنوعية وطبيعة وجودة وكفاءة التعليم العالي، وتصنيف للأنظمة التعليمية، بل إن هذه القضايا قد زاد الاهتمام بها من مستوى الوعي بمسائلها إلى مستويات أعمق وأشمل من الفهم والتطبيق والتشابك، ما أفرز مظاهر متعددة لنوعية وشكل التعليم العالي أو التعليم ما بعد الثانوي".
وشرحت أن "هناك على سبيل المثال جامعات تسعى لأن تكون جامعات شبه بحثية ومؤسسات وكليات ومعاهد تعتمد على التأهيل التقني والتطبيقي، بينما تندرج جامعات أخرى تحت مظلة المحافظة على هدفها الأساسي، وهو التدريس. ويعتبر هذا التنوع في الأهداف والأغراض مؤشرًا إيجابيًا يدل على وضوح الرؤيا للتعليم الشمولي وللتنمية المستدامة ولاقتصاد المعرفة، ويكشف عن حاجة ملحّة لرفد الموارد البشرية في الدولة بخريجين متمكنين من مجالات متعددة في ظل التطور والنمو الاقتصادي".
وتحدثت الخبيرة الأكاديمية، الدكتور آمنة خليفة، في ورقة عمل بعنوان "نقل وتوطين المعرفة في الجامعات والكليات الحكومية"، متسائلة عن المهارات التي يحتاج أن يتعلمها الطلبة في الجامعات، والقيم التي من المهم غرسها في نفوس الشباب، والمعارف التي يمتلكها الشباب ثقافيًا واجتماعيًا واقتصاديًا، والشباب وتوطين المعرفة والتمكين
أرسل تعليقك