لندن ـ سليم كرم
تدور حربًا خاصة في منطقة السفيرة جنوب شرق حلب، بين قوات المعارضة السورية وبين القوات الحكومية، بالقرب من مصنع يُعتقد بأنه أحد منشآت الأسلحة الكيميائية الرئيسة في سورية، من بينها غاز السارين القاتل، حيث تكشف المعركة عن خطورة إمكان سقوط هذه الأسلحة في أيدي مقاتلي تنظيم "القاعدة"، فيما تخضع القاعدة العسكرية لحراسة مشددة على حافة البلدة، فيما تقوم الحكومة السورية سرًا بنقل وتحريك
مخزونها من الأسلحة الكيمائية إلى العديد من المستودعات في أنحاء متفرقة من البلاد.
ونشرت صحيفة "الديلي تلغراف" البريطانية، تحقيقًا بشأن القتال الدائر في السفيرة، موضحة أن هذه المعركة ليست مجرد معركة حربية بين طرفي نزاع، وإنما هي حرب من أجل الاستحواذ على ما تحتويه القاعدة العسكرية السورية، التي تخضع لحراسة مشددة.
وأشارت الإدارة الأميركية، خلال الأسبوع الماضي، إلى وجود أدلة باستخدام غاز السارين في سورية بكميات صغيرة خلال العمليات القتالية التي تجري الآن في البلاد، وهي خطوة سبق وأن حذر الرئيس الأميركي باراك أوباما من أنها بمثابة خط أحمر لا ينبغي أن يتخطاه الرئيس السوري بشار الأسد، إلا أنه وفي الوقت الذي يدرس فيه الغرب الآن ماهية رد الفعل الذي يمكن اتخاذه، تتزايد المخاوف ليس فقط من مجرد احتمال قيام الأسد باستخدام ترسانته من الأسلحة الكيميائية بكميات أكبر، وإنما من احتمال وقوع هذه الأسلحة في أيدى مقاتلي "جبهة النصرة"، وهي الجماعة التي أعلنت أخيرًا، ولاءها لتنظيم "القاعدة"، حيث ترفع قوات المعارضة في المعركة الدائرة حول منطقة السفيرة، أعلام "جبهة النصرة" التي تتصدر حاليًا الجبهات القتالية كافة في الحرب الأهلية السورية.
وقالت الصحيفة البريطانية، "في حال ميل كفة القتال في منطقة السفيرة لصالح (جبهة النصرة)، فإن أسوأ السيناريوهات التي يخشاها الغرب سيتحقق، ألا وهو سقوط أسلحة الدمار الشامل في أيدي تنظيم (القاعدة)، وتتمثل هذه الخطورة في أن عبوة واحدة من غاز السارين يمكن أن تتسبب في مجزرة تفوق في تأثيرها المواد السامة مثل السيانيد بمقدار يزيد عن 500 مرة ، وذلك في حال إطلاقها في محطة مترو في لندن أو نيويورك على سبيل المثال، وأن مثل هذه الاحتمالات المروعة باتت الشغل الشاغل للمسؤولين في الغرب، الذين يعكفون الآن على درس الكيفية التي تحول من دون استخدام مخزون الأسلحة الكيميائية السورية الهائل، سواء كان المستخدم لها هو بشار الأسد ضد شعبه، أو خصومه المتطرفين ضد العالم الخارجي، وأن الخطر لا يكمن فقط في القتال الدائر في منطقة السفيرة التي تقع جنوب شرق حلب، ففي الوقت الذي كثفت فيه قوات المعارضة نشاطها على مدار العام الماضي، تقوم دمشق سرًا بنقل وتحريك مخزونها من الأسلحة الكيمائية إلى العديد من المستودعات في أنحاء متفرقة من البلاد، والتي تسيطر على الكثير منها بالكاد، وفي ظل هذه الأحوال لا يدري أحد متى وأين يمكن أن تقع مخابئ هذا المخزون من الأسلحة في أيدي فصائل المعارضة المسلحة".
وأكدت الخبيرة في برنامج أسلحة الدمار الشامل السورية في المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية في لندن، دينا إصفاندياري، أن "الغرب قد يقول الآن أن سورية قد تعدت الخط الأحمر، الأمر الذي يحتم عليه القيام بعمل ما، ولكن السؤال هو ما الذي يمكن للغرب عمله؟ وذلك في ضوء الحجم الضخم لمخزون سورية من الأسلحة الكيميائية، كما أن الأسد نجح إلى حد بعيد في إخفاء تلك الأسلحة في أنحاء البلاد كافة"، مضيفة أن "شن غارات جوية لن يتسم بالفعالية لأنها ستعمل على إطلاق العناصر الكيميائية في الهواء، كما أنها لا تقوم سوى بإنجاز نصف المهمة، ثم تترك الباقي لأعمال السلب والنهب، وأن الأمر يتطلب أولاً تأمين المواقع، ثم التأكد بعناية مما تحتويه، وهي مهمة في الواقع تتطلب جهودًا خارقة، ولهذا رأي البنتاغون أن الأمر يتطلب 75 ألف جندي لإنجاز مهمة على هذا النحو، وفضلاً عن ذلك، فإنه ومع اتساع نطاق وعدد المخابئ وفي حالة إمكان السيطرة عليها، وهو أمر صعب في ظل الحرب الأهلية، فإن ذلك لن يخلو من مخاطر ترك بعض هذه المخابئ من دون رقابة".
ورأت "الديلي تلغراف"، أن مخزون سورية من الأسلحة الكيميائية ضخم للغاية، وأنه الأكبر في الشرق الأوسط، وأنها تحتل المركز الرابع عالميًا من حيث كمية المخزون، وأن ذلك بدأ في السبعينات بمساعدة ورعاية من روسيا، ويضم برنامج هذه الأسلحة منشآت لصناعة غاز المستردة وغاز السارين وغاز أعصاب آخر وهو (في إكس)، الذي يبقى تأثيره القاتل بعد فترة طويلة من انتشاره، ويشرف على هذا البرنامج في سورية مركز الأبحاث والدراسات العلمية الذي يقع خارج دمشق، وهو على المستوى الرسمى مركز للأبحاث الأكاديمية، ولكنه على المستوى العملي يخضع للإشراف المباشر من الرئيس الأسد، كما أنه يدير سلسلة من منشآت الإنتاج الكيميائي، ويُقال بأن بعضها تم تطويره بمساعدة كل من إيران وكوريا الشمالية، ونظرًا لأن سورية لم توقع على المعاهدة الدولية للأسلحة الكيميائية، فإنها لا تعلن عن تفاصيل مخزونها من تلك الأسلحة إلى أي جهة دولية، إلا أن مصادر استخباراتية تقدر بأن دمشق تملك ما بين 100 إلى 200 رأس حربية مملوءة بغاز السارين التي يمكن إطلاقها بصواريخ (سكود9) بالإضافة إلى آلاف القذائف المدفعية الكيميائية المعبأة بغاز السارين وغاز (في إكس)، ولا أحد يدري خارج سورية أين تحتفظ الحكومة السورية بهذا المخزون، وهناك احتمال أن تكون قد فرغت المنشأة الموجودة في منطقة السفيرة من محتواها من مخزون الأسلحة الكيميائية، والواقع أن هذا الإبهام يزيد من عمق المشكلة والتحدي، ذلك لأن انتشار هذا الكم الضخم في أنحاء البلاد كافة من شأنه أن يزيد مهمة الغرب صعوبة في تأمين هذه القوة والسيطرة عليها، وفي كانون الأول/ديسمبر الماضي قام البنتاغون بإبلاغ إدارة أوباما بأن الأمر يتطلب ما يزيد عن 75 ألف جندي، وهو عدد يكفي لأن يطلق عليه غزو أميركي، الأمر الذي سيتسبب بلا أدنى شك في استثارة عداء طرفي النزاع في سورية ضد أميركا، والبديل الأصغر في هذا الشأن يتمثل في شن غارات محددة من النوع نفسه الذي اعترفت إسرائيل بشنه، للحيلولة من دون نقل أسلحة من سورية إلى (حزب الله)، إلا أن هذا البديل لن يكون عمليًا في مواجهة خطر الكيميائي السوري الواسع النطاق".
وأضافت الصحيفة، أنه "ليس كل المواقع تشكل خطرًا حقيقيًا، فبعض المخازن تحتوي على المكونات الكيميائية التي ينبغي أن يتم خلطها أولاً قبل أن تصبح سلاحًا كيميائيًا، كما تتطلب معرفة كيفية ذلك فنيًا، الأمر الذي يمكن أن يجردها من فعاليتها إلى ما وقعت في أيد الهواه لا المحترفين، ومع ذلك تظل الخطورة قائمة في حال الإلقاء بهذه العناصر في أحد القطارات على سبيل المثال كوسيلة إرهابية، ومع ذلك يُعتقد البعض بأن الخط الأحمر بات يتسم بالضبابية في ظل الأدلة المحدودة على استخدام غاز السارين، وهم يعتقدون بأن استخدام الحكومة السورية لذلك جاء على سبيل التجريب، لا سيما وأن الأسد يدرك جيدًا أن استخدام الكيميائي لن يترك للولايات المتحدة أمام أي خيار سوى القيام بعمل عسكري، وخلال الأسبوع الماضي دعا السيناتور الجمهوري المتشدد جون ماكين، أميركا إلى إرسال جنود لتأمين المصانع والمنشآت في مناطق مثل منطقة السفيرة، ولكن أوباما لم يبد حماسًا لذلك، ولكنه عاد وقال إن أميركا لن تسمح باستخدام منهجي للأسلحة الكيميائية".
ووصف وزير الإعلام السوري عمران الزغبي، في وقت سابق، مزاعم أميركا بشأن استخدام الأسلحة الكيميائية، بأنه "كذبة سافرة"، ونفى لجوء دمشق إلى الاستعانة بها، إلا أنه وفي ظل تصاعد حدة الصراع في سورية يوميًا، فإنه لا يوجد أحد يمكن أن يضمن أن تظل المنشآت الموجودة في منطقة السفيرة آمنة للأبد.
أرسل تعليقك