انتفضت مجموعة من المنظمات الوطنية والجمعيات والأحزاب والشخصيات المستقلة ضد مشروع مطروح أمام البرلمان لتنقيح القانون الانتخابي بحيث يحدد عتبة لا تقل عن 5 في المائة من أصوات الناخبين للحصول على التمويل العمومي وضمان تمثيل الأحزاب السياسية والمستقلين في مجلس نواب الشعب.
واعتبر ممثلو 12 جمعية ومنظمة وطنية و6 أحزاب، و13 شخصية وطنية، ونواب في البرلمان التونسي أن التنقيح الذي تدعمه بقوة حركة «النهضة» (الحزب الإسلامي)، اقتصر على نقطة واحدة، وجاء في إطار «مناورة سياسية» وليس في إطار البحث عن تطوير منظومة الحكم والحوكمة والمحافظة على المسار الديمقراطي وضمان التداول السلمي على السلطة، على حد تعبيرهم. وأكدوا أن مراجعة القانون الانتخابي التونسي وتنقيحه لا يقتصر على رفع العتبة الانتخابية لدخول البرلمان من 3 في المائة إلى 5 في المائة من أصوات الناخبين، على رغم أهمية هذه المسألة، بل هناك عدة مسائل أخرى مهمة تتعلق بشروط الترشح وبتمويل الحملات الانتخابية، علاوة على قانون الأحزاب وقانون الجمعيات وقانون تنظيم عمليات سبر الآراء، وهي ملفات لها تأثير مباشر على نتائج الانتخابات.
من جهته، رجّح حسونة الناصفي، رئيس كتلة «الإصلاح الوطني» البرلمانية (وهي طرف مشارك في الحكومة، إلى جانب حركة «النهضة»)، إمكان إعادة مشروع هذا القانون إلى لجنة النظام الداخلي والحصانة والقوانين البرلمانية والقوانين الانتخابية بالبرلمان للتعمق أكثر في مناقشته.
ومعلوم أن لجنة النظام الداخلي البرلمانية كانت قد صادقت يوم 14 فبراير (شباط) الماضي على مقترح تقدمت به «النهضة» باعتماد عتبة بنسبة 5 في المائة في الانتخابات البرلمانية المقبلة. ويقترح هذا التعديل ألا تدخل في توزيع المقاعد القوائم المرشحة، التي حصلت على أقل من 5 في المائة من الأصوات المصرّح بها على مستوى الدائرة الانتخابية في احتساب الحاصل الانتخابي. كما ورد في هذا المقترح عدم احتساب الأوراق البيضاء والأصوات الراجعة للقوائم التي حصلت على أقل من 5 في المائة من الأصوات المصرح بها على مستوى الدوائر الانتخابية. ونص مقترح التنقيح على أن تصرف منحة عمومية تقديرية بعنوان استرجاع مصاريف انتخابية لكل مرشح أو قائمة مرشحة حصلت على ما يقل عن 5 في المائة من الأصوات المصرح بها بالدائرة الانتخابية بالنسبة للانتخابات البرلمانية.
ورجح مراقبون ألا تتمسك «النهضة» بهذا المقترح، باعتبار أنها قدّمته تحسباً لإجراء انتخابات برلمانية سابقة لأوانها، إثر تعثّر مسار تشكيل الحكومة. ويلقى هذا المقترح رفضاً قوياً من الأحزاب السياسية ذات التمثيل البرلماني الضعيف (أقل من 4 نواب) وكذلك من القوائم الانتخابية المستقلة، وذلك لتوقع حرمانها من دخول البرلمان خلال أول محطة انتخابية.
وفي هذا الشأن، قال حسام الحامي، المنسق العام لائتلاف «صمود»، وهو ائتلاف سياسي مستقل، لـ«الشرق الأوسط»، إن مشروع التنقيح لا يكتسي الجدية الكافية، وهو سيقصي كثيراً من الأطراف السياسية المشكلة للمشهد السياسي والبرلماني الحالي. ومن الضروري مواصلة الحوار بشأنه وعدم الذهاب نحو فرضه على الساحة السياسية.
أما فوزي الشرفي، رئيس حزب «المسار الديمقراطي الاجتماعي»، وهو حزب يساري، فجدد مطالبته بمراجعة القانون الانتخابي وتنقيح القانون الأساسي للهيئة العليا المستقلة للانتخابات، في إطار مقاربة شاملة تضمن نزاهة الانتخابات وشفافيتها، وتمكن من بروز أغلبية متجانسة قادرة على الحكم ومعارضة حقيقية بإمكانها خلق التوازن الضروري داخل البرلمان. كما دعا إلى فتح حوار مجتمعي في أقرب الآجال حول هذه المسائل، هدفه الاتفاق حول النظام الانتخابي الأنسب الذي يحصّن المسار الديمقراطي في تونس، ويضمن التداول السلمي على السلطة، على حد تعبيره.
ومن شأن إقرار عتبة 5 في المائة أن يغيّر خريطة توزيع 56 مقعداً في البرلمان في حال اعتمادها وتطبيقها، على نتائج الانتخابات البرلمانية الماضية، أي أن أكثر من ربع مقاعد المجلس النيابي سيتأثر بذلك. وستكون حركة «النهضة» المستفيد الأبرز من هذه العملية، إذ ستكسب 30 مقعداً إضافياً، دون أن تخسر أي مقعد.
ومن المنتظر أن يواجه مشروع القانون الانتخابي موجة من الانتقادات والرفض، خاصة من قبل الأحزاب الصغيرة، كما أن القوائم المستقلة ستصبح هي الأخرى متضررة من هذا التعديل.
ويقول مراقبون إن القانون الانتخابي الجديد يهدد أحزاباً سياسية عدة، ومن بينها «مشروع تونس»، و«حزب البديل»، و«آفاق تونس»، و«نداء تونس» و«صوت الفلاحين»، إضافة إلى تحالف «عيش تونسي» و«الحزب الاشتراكي»؛ حيث يتوقع أن يختفي تمثيل هذه الأحزاب بالكامل من المشهد البرلماني، وهو ما يجعل الأحزاب الكبرى، ومن بينها «النهضة»، تحصل على نصيب الأسد من أصوات الناخبين في أي محطة انتخابية مقبلة.
قد يهمك ايضا
ساندرز يفوز في الانتخابات التمهيدية للديمقراطيين في ولاية نيفادا
أرسل تعليقك