الشارقة - صوت الإمارات
يندرج فن "الفيديو أرت" ضمن الفنون المعاصرة، التي تدين لاختراع الكاميرا بالكثير، البدايات تعود إلى الرسام ديلاكروا الذي انبرى مع غيره من الرسامين والشعراء والموسيقيين للدفاع عن الصورة الضوئيّة، الذي قال يومًا "إنَّ التصوير الضوئي هو أكثر من نسخ، إنَّه مرآة الشيء".
وكان ديلاكروا يؤكد دور التفاصيل المهملة التي تظهرها الصورة أو التصوير الضوئي، والتي كانت ممهدة للمعرفة الكاملة لبناء الشيء، ضمن دراسة تُبَيِّن العلاقة بين الظل والنور اللذين يحتفظان بكامل حقيقتهما في الصورة الضوئيّة .
بهذا المعنى نشأ فن "الفيديو آرت" واحدًا من أحدث الفنون البصريّة المتحدرة من صلب أسرة الصورة الضوئيّة، وهو فن يعبر عن هواجس الإنسان المعاصر وتطلعاته، بلغته الخاصة التي تتكئ على وسائل الاتصال الحديثة أي "الميديا" والتقنيات الحديثة للسينما والتلفاز والحاسوب ومراحل ولادة الصورة الضوئيّة الثابتة والمتحركة.
التطور الحقيقي لنظام الفيديو أرت تطوَّر بعد الطفرة العالية في صناعة الكاميرات الرقمية، وهو كما يتفق معظم المشتغلين في مجاله، يتألف من عنصرين هما: الضوء والصوت.
وربما تكون هذه المشكلة واحدة من أسباب بقائه فنًا إشكاليًا لدى جمهور كبير من المتلقين من غير النخبة، ومصدر هذه المعضلة تلك التعريفات التي انطلقت منها جذور هذا الفن على المستوى العالمي، فحين يصرّح الفنان الأميركي روبرت درومند عن الفيديو أرت، بأنَّه "نظام يعيد النظر في الكائنات والطبيعة والعاطفة"، فهذا الوصف يحتاج إلى شروحات وهوامش لكي يستوعبه البسطاء ممن يتذوقون الفن، بوصفه لوحة مسندية مملوءة بالألوان ضمن مساحة الكتلة والفراغ.
رغم أنَّ الفيديو أرت هو فن معاصر، وينتسب إلى فنون ما بعد الحداثة، فلا أحد يستطيع اتهامه بالتغريب ذلك لأنَّه قابل لمناقشة قضايا حيوية عدة كظاهرة الجهل والتخلف في المجتمعات النامية، ناهيك عن قضايا الفقر، وصراع الشمال والجنوب، كما يُعنى بطرح قضايا من صلب اهتمامات المجتمع المعاصر كالبيئة ومخلفاتها وغيرها من الأمور الحساسة والحيوية .
وللمشاهد أن يتخيل أحد الفيديوهات التي تعرض شريطًا يصور أحداث الرخاء الاقتصادي في أحد البلدان المتقدمة، وفي خلفية الشريط صورة عن المجاعات التي تجتاح هذا البلد، ناهيك عن مشكلة المخدرات وأطفال الشوارع واللقطاء، قس على ذلك ما استجد من نواتج الحروب والنزاعات المسلحة، فالفيديو آرت وهو نظام تركيبي بحسب ما يطلق عليه الفنانون والمختصون، نجح إذاً في التقاط بعض هذه الظواهر وسلط الضوء عليها بحنكة وبراعة .
بعض هذه التجارب قامت على رصد ظواهر اجتماعية وبيئية، وبعضها يدقق في التفاصيل والملامح التي تختزنها الذاكرة الشخصية، أو الجمعية، ليعيد تفكيكها، بمهارة الحاذق.
التجربة الإماراتية غنية في هذا المجال وهي تجمع بين فنانين مخضرمين كمحمد كاظم وابتسام عبد العزيز وخليل عبد الواحد، كما تجمع بين جيل واسع من الفنانين
الجدد وخريجي الجامعات، وهي تجربة رصينة، وتنطوي دائمًا على كثير من المفاجآت، وهي التي تأسست محليًا وعلى تماس مع تطورات الظاهرة التشكيلية المعاصرة في الغرب، ولها فضل في احتضان الكثير من التجارب العربية من سوريا ولبنان وفلسطين والأردن ومصر وغيرها، وهي تجربة مستمرة في تقديم أبرز النتاجات العالمية لأسباب تقنية ولوجستية، ومنها وفرة صالات العروض العالمية والغاليريات والبيناليات التي تعرض على مدار العام بانوراما متنوعة من فسيفساء الفنون المعاصرة في العالم.
أرسل تعليقك