الشارقة - جمال أبو سمرا
يفتح المعرض السنوي العام لجمعية الإمارات للفنون التشكيلية في كل عام أبوابه، على متغيرات المشهد التشكيلي في الدولة، من خلال مجموعة من الأعمال والمشاركات التي يستضيفها وتعبر عن أحدث التجارب التي يعمل عليها الفنانون، ويقدم إلى الساحة أسماء جديدة، إضافة إلى التنوع الذي يحدثه في انتقاء الأعمال في كل دورة من دوراته .
في دورته الثالثة والثلاثين في متحف الشارقة للفنون، يطل المعرض بحلة جديدة، ومشاريع، ومبادرات، إذ لا يكتفي باستضافة التجارب الفنية وعرض أعمالها، وإنما أعلن عن انطلاق موقع إلكتروني يروج للمخططات والفعاليات التي تقوم بها الجمعية، فبإضافة إلى تطبيق للهواتف الذكية الذي يعرض أعمال الفنانين المشاركين في المعرض وسيرهم، ومشاريع الجمعية المقبلة .
لذلك يمكن الحديث عن الدورة الحالية للمعرض بوصفها دورة استثنائية في تاريخ الجمعية، فإضافة إلى تلك المبادرات، يستضيف المعرض فنانة عربية، وعدة تجارب من دول المنطقة، ليؤكد بذلك التوسع والنقلة التي حققها المعرض، عبر تاريخ السنوات التي راكمها طوال ثلاثة عقود .
ويمكن للمتابع تلمس العديد من الملامح التي تحكم وتحقق وصلة بصرية بين اللوحات والأعمال المشاركة، أبرزها، الاشتغال على الحضور البشري، بوصفه التكوين الأكثر قدرة على تحقيق الجماليات، والتعابير، والقضايا التي يحاول الفنانون طرحها .
لذلك يمكن لزائر المعرض التوصل إلى نتيجة تؤكد أن أكثر من نصف الأعمال المعروضة، تقدم في إطار الاشتغال على الشكل البشري بكل تحولاته، إذ ينتج الفنانون بذلك مجموعة من الصيغ البصرية المشغولة وفق تجربة كل منهم، ووفق رؤاه، والخامات التي يعمل فيها .
وتنوعت الاشتغالات البصرية بتنوع كل تجربة من الفنانين، فالبعض انحاز إلى الواقعية، وعمل البعض الآخر في مساحات تجريدية، ومنهم من قدم أعماله في الإطار التعبيري والانطباعي، وانفردت تجربة واحدة في المعرض بالمدرسة التكعيبية .
وبدا واضحا التفاوت في الصيغ الجمالية التي توصل إليها الفنانون في أعمالهم، فقدمت بعض الأعمال الإنسان في إطار سحري متفاعل مع المكان والتكوينات التي تشتمل عليها الجغرافيا، ليصبح الفرد بذلك صورة مكثفة للشعوب وعلاقتها بأرضها، وتكوين حاضر لتشكيل الصلة العميقة بين العمل الفني والمتلقي .
فيما اشتغل بعض الفنانين على بورتريهات لأعلام ثقافية وفنية عالمية وعربية، محولين بذلك الشكل البشري إلى أيقونة، تنحاز إلى الفضاء الجمالي أكثر من انحيازها إلى الموضوع والقضية، فيظهر بذلك جهد الفنان واضحا في تحقيق النسب في الوجوه، والاشتغال على الأثر البصري للون والتكنيك المشغول فيه العمل الفني .
مقابل ذلك ذهب بعض الفنانين إلى التعبيرية كمساحة واسعة لتحقيق البعد الدلالي، والرمزية العالية في كل تكوين في العمل الفني، فظهرت بعض اللوحات أشبه بإعادة إنتاج للشكل البشري ضمن رؤية تخترق الواقع، وتثير في المتلقي عوالم من الأسئلة حول الخط، والمساحة اللونية، والتكوين، وغيرها من عناصر بناء العمل الفني، إذ يبدو الشكل البشري في هذا الاشتغال محاولة لتحقيق تواصل مع فضاءات جديدة .
ليس ذلك وحسب بل مثل الشكل البشري في العديد من الأعمال المشاركة، حالة لطرح مجموعة من القضايا الكونية، كالحب، والحرب، والقتل، والحرية، وغيرها من المفاهيم الواسعة، فحضر التكوين البشري بشكله المتشظى، والنازف، والقتيل، ليصبح علامة مختصرة لصورة شاسعة تتوارى في آلاف القتلى، والمدافع، و الرصاص، والبيوت المهدّمة، وكل ما تحمله الحرب .
إضافة إلى هذا انكشفت بعض المعالجات المستندة إلى الصورة الفوتوغرافية، والفيديو آرت، في التوقف عند قضايا المرأة، وحقوقها، ومثّل الشكل البشري الصورة المركزية في العمل الفني، حيث كانت المرأة عنصرا جماليا قابلا للتوسع ليعبر عن القضايا التي تتعلق بحقوقها ودورها الحقيقي في المجتمعات .
يمكن القول إن المعرض في عرضه لجملة الأعمال التي تمثل الساحة الإماراتية وجانبا من الحراك التشكيلي العربي، قدم الفضاء الذي لم يتوقف الفنانون عن الاشتغال عليه منذ ظهور فكرة الفن قبل آلاف السنين، إذ يجد من يعود إلى تاريخ الفنون البصرية أن الشكل البشري ركيزة لم يتوقف الفنان يوما عن معالجته وإعادة إنتاجه ضمن سلسلة من الأسئلة والقضايا، وكأنه في كل ذلك يحاول الإجابة عن سؤال فلسفي عريض نصه: "ماذا نفعل على هذا الكوكب؟" .
أرسل تعليقك