محمد أبو لحيّة نحات المصادفة الجمالية والفكرة الطارئة
آخر تحديث 00:22:42 بتوقيت أبوظبي
 صوت الإمارات -

محمد أبو لحيّة نحات المصادفة الجمالية والفكرة الطارئة

 صوت الإمارات -

 صوت الإمارات - محمد أبو لحيّة نحات المصادفة الجمالية والفكرة الطارئة

الفنان الإماراتي الراحل محمد عبدالله أبو لحيّة
دبى - صوت الامارات


أمضى الفنان الإماراتي الراحل محمد عبدالله أبو لحيّة (1953-2017)، حياته مغرداً خارج سرب أقرانه من التشكيليين، وذلك عندما تفرغ كلياً لفن النحت، وعكف على إنتاجه وتقديمه للناس، طوال سنيّ عمره التي انتهت منذ مدة ليست بعيدة.

مارس النحت بمواده وخاماته المختلفة، كالطين (الصلصال)، والحجر، والرخام، والبرونز، والبوليستر، والمعدن، والفخار، والخزف، لكنه بعد أن خبر هذه التقانات المختلفة، توقف عند تقنية تشكيل العمل النحتي بشكل مباشر، سواء بأغصان الأشجار، أو الحديد ومخلفات الصناعة (الخردة).

سمات وخصائص

الفطرة، العفويّة، الطفوليّة، التلقائيّة، البساطة، المصادفة: خصائص وسمات ومقومات أساسيّة، نهضت عليها تجربة النحات أبو لحيّة، مع ملاحظة حرصه على أن يُبقي في عمله بعض الإشارات القابلة للتأويل، ليُتيح للمتلقي إمكانية فهمها والتفاعل معها.

من جانب آخر، يتعمد تضمين تشكيله الفراغي رؤاه، أثناء قيامه ببنائه، لاعتقاده بأن المصادفة الجماليّة أهم بواعث ولادتها، وأحياناً تتداخل مع الفكرة الطارئة، أو القائمة.

ورغم صعوبة المواد المستخدمة في ترجمة وتجسيد هذه التداخلات بين (الفكرة) و(المصادفة) أو بين (الموضوع العام) و(المزاج الداخلي) يمضي النحات أبو لحية، بحماس، وسعادة، واندفاع ذاتي كبير، في عملية استنهاض تشكيلاته الفراغيّة الحاضنة لخبراته التشكيليّة المعبرة عما يعتمل في داخله من أحاسيس وهواجس وتطلعات.

يعتقد النحات أبو لحية بأن التكوينات الفراغيّة النحتيّة المُجسمة التي ينجزها، تُعبّر عن الفضاء الشاسع للفن الحاضن لأطياف ومدارس وأساليب مختلفة، وهو حريص على أن يُجرّب الاتجاهات والأساليب كافة.

أي لا يتعمد إقصاء اتجاه والتأكيد على آخر، وإنما يمنح كل اتجاه حقه من الاهتمام والتقدير والدراسة. والعمل الفني كما يراه، هو انعكاس لروح الفنان، وترجمة للتعاطي الحيوي بين ذاته والعالم، وبين الصوت والصدى، وبين كل ما يختزل الإيقاع السحري لماضي الفن ومستقبله أيضاً.

بمعنى آخر، يتماهى النحات محمد عبد الله أبو لحية، مع عمله الفني، بكل صدق وإخلاص، ويُشهر انتماءه إليه، بكثير من الاعتزاز، بغض النظر عن الصيغة الفنيّة النهائية التي انتهى إليها، والاتجاه الذي أخذه، ومهما كانت المعاني والدلالات والرموز التي يوحي بها، أو السويّة الفنيّة التي أخذها، مع الاستدراك والإشارة إلى أن الإنسان، بحالاته ووضعياته المختلفة، يُشكّل الموضوع الرئيس في تجربته النحتيّة التي صارت تشكل ملمحاً أساساً من ملامح حركة التشكيل الإماراتي المعاصر، بعد أن مضى على مساهمتها في هذه الحركة نحو أربعة عقود، كانت خلالها دائمة الحضور والفعل فيها؛ داخلياً وخارجياً.

أبرز أعماله

تُعتبر الأعمال التي نفذها النحات أبو لحية من مادة الحديد، أبرز ما أفرزته تجربته النحتيّة، سواء من حيث الكم أو النوع، فقد عُرف واشتهر من خلالها، وهي (وفق طريقة تشكيلها ومواد الحديد المستخدمة في تنفيذها) نوعان: الأول: (وهو الأهم كقيمة تشكيليّة فنيّة نحتيّة وتعبيريّة) نفذه من الحديد المبروم والصاج، حيث قام بوضع دراسة مسبقة (كروكي) للتشكيل الفراغي المطلوب، ثم بادر بقص القضبان الحديدية المبرومة، وقطع الصاج، وعالجها: لياً ولفاً وتسطيحاً وبرماً واستقامةً، حتى تأخذ الشكل أو الهيئة المطلوبة.

بعدها جمعها بوساطة اللحام الكهربائي، ووضعها فوق قاعدة من الخشب أو الحديد، لتأخذ حضورها التشكيلي والتعبيري في الفراغ، كعمل نحتي معاصر، يحمل دلالة مباشرة، لإنسان، أو حيوان، لكن بشيء من الاختزال والاختصار، ضمن سياق تكوين نحتي متحرك ومدروس كتلةً وفراغاً، تتأرجح سويته الفنيّة، من عمل لآخر، وهذه حالة طبيعية تنسحب على تجارب غالبية الفنانين. فقد يُوفق النحات في استنهاض تكوين فراغي مثالي ومتكامل القيمة الفنيّة والتعبيريّة الدلاليّة في بعض الأعمال، وقد يجافيه النجاح في تحقيق هذا التكوين، في أعمال أخرى.

الأمثلة كثيرة على تفوق أعمال هذا النوع في تجربة الفنان أبو لحية، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر أعماله: (الموسيقى) و(القارئ) و(الحصان) و(البهلوان) و(رجل وطفل)... وغيرها.

والحقيقة إن أفضل وأهم أعمال هذه المجموعة المتميزة، هما عملاه (الموسيقى) و(القارئ)، حيث حقق الوضعيّة النحتيّة المتكاملة الخصائص والمقومات الفنيّة، بأقل ما يمكن من العناصر والمفردات، وفق رؤية فنيّة حداثيّة، تنم عن خبرة متراكمة، نهضت في الأساس على موهبة، وتجلت لحظتها الجماليّة التعبيريّة الصافيّة في هذا الاختزال الشكلي المعبّر والموحي، والحاضن في الوقت نفسه لقيم النحت في الارتكاز، والتوازن، والحركة، والتلخيص المدروس للعناصر المُشكّلة للتكوين الفراغي، ثم علاقة الكتلة النحتيّة بالفراغ المحيط به.

النوع الثاني: ويشمل الأعمال المنفذة من الحديد بطريقة القص والطرق والتشكيل المباشر بوساطة اللحام، أو تلك التي تنضوي تحت ما يُعرف بتدوير المخلفات الصناعيّة (الخردة) في الفن، حيث قام النحات أبو لحيّة، بالبحث عن عناصر صناعيّة مهملة، يمكنها أن تسعفه بالخروج بتكوين نحتي يقارب فيه هيئة إنسان أو حيوان، يمارس فعلاً ما (تجديف، قفز، انتظار، توازن) أو التعبير عن حالة وجدانيّة (حب، أمومة، شموخ، مواجهة).

في هذه الأعمال، استخدم النحات أبو لحية مفردات وعناصر مختلفة من الخردة، إلى جانب الحديد المبروم والصاج، الأمر الذي يتطلب منه دراسة العناصر الجاهزة بين يديه، وبالتالي الإضافات الضروريّة اللازمة لها، بحيث تؤدي في النهاية إلى المطلوب.

من ذلك قيامه باختزال الهيئة الإنسانيّة بصفيحة أو أسطوانة تمثل الصدر، أو الرأس، أو الأيدي والأرجل، حسب حجمها. وقد يجد في مشط الأرض، أو الرفش (الكريك) أو عجلة الدّراجة، أو جزء آخر منها، أو فأس، أو مطرقة، أو نابض... الخ، مدخلاً لعمل نحتي معبّر، إذا ما رُبط بعنصر آخر، قد يكون من الخردة المهملة إياها، أو قد يأخذه من قضيب أو صفيحة، ثم يُجمّع العناصر بعضها إلى بعض، بوساطة اللحام، ليحصل بعدها على العمل النحتي الفراغي المطلوب. وفي أحايين كثيرة، قد يربط عمله بمواد أخرى كالخشب، وهي خامة حنونة قادرة على التخفيف من برودة المعدن وصلابته.

تحمل أعمال هذه الفئة معالجتين اثنتين: الأولى اعتمد فيها أبو لحية الحركة البسيطة، والارتكاز القوي الراسخ، والحركة المتوازنة. كما في أعماله: المركب أو التجديف، والأمومة، والجامع، ووجوه نسائيّة شعبيّة، وحالة مواجهة.

وفي المعالجة الثانية، لجأ إلى البحث عن نقاط الارتكاز الحرجة التي يحققها مستعيناً بعناصر أخرى يُدخلها على المنحوتة (عجلة، أسطوانة) بعد أن يكون قد درسها بشكل جيد، كتوازن، وحركة، وفراغ محيط، بحيث تؤدي في النهاية، الحالة التعبيريّة المطلوبة منها، وبالصيغة الفنيّة المثلى، الأمر الذي يُؤكد أن العمل النحتي عند النحات محمد عبد الله أبو لحية، يخضع لدراسات مُسبقة ومُسهبة قبل أن يأخذ شكله الأخير، وهذه إحدى الخواص الرئيسة للتشكيل والتعبير بالمعادن ومخلفات الصناعة (الخردة).

رغم ذلك، حافظ عمله الفني على شيء من العفويّة والتلقائيّة التي من دونها، يبدو أي عمل فني جامداً وبارداً.

emiratesvoice
emiratesvoice

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

محمد أبو لحيّة نحات المصادفة الجمالية والفكرة الطارئة محمد أبو لحيّة نحات المصادفة الجمالية والفكرة الطارئة



تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة - صوت الإمارات
تلهم النجمة المصرية تارا عماد متابعاتها العاشقات للموضة بإطلالاتها اليومية الأنيقة التي تعكس ذوقها الراقي في عالم الأزياء، بأسلوب هادئ ومميز، وتحرص تارا على مشاركة متابعيها إطلالاتها اليومية، وأيضا أزياء السهرات التي تعتمدها للتألق في فعاليات الفن والموضة، والتي تناسب طويلات القامة، وهذه لمحات من أناقة النجمة المصرية بأزياء راقية من أشهر الماركات العالمية، والتي تلهمك لإطلالاتك الصباحية والمسائية. تارا عماد بإطلالة حريرية رقيقة كانت النجمة المصرية تارا عماد حاضرة يوم أمس في عرض مجموعة ربيع وصيف 2025 للعبايات لعلامة برونيلو كوتشينيلي، والتي قدمتها الدار في صحراء دبي، وتألقت تارا في تلك الأجواء الصحراوية الساحرة بإطلالة متناغمة برقتها، ولونها النيود المحاكي للكثبان الرملية، وتميز الفستان بتصميم طويل من القماش الحرير...المزيد

GMT 05:27 2024 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

أزياء ومجوهرات توت عنخ آمون الأيقونية تلهم صناع الموضة
 صوت الإمارات - أزياء ومجوهرات توت عنخ آمون الأيقونية تلهم صناع الموضة

GMT 05:35 2024 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الذكاء الاصطناعي يساهم في انبعاثات ضارة تؤثر سلباً على البيئة
 صوت الإمارات - الذكاء الاصطناعي يساهم في انبعاثات ضارة تؤثر سلباً على البيئة

GMT 12:25 2020 الإثنين ,01 حزيران / يونيو

الضحك والمرح هما من أهم وسائل العيش لحياة أطول

GMT 06:44 2015 الأحد ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

معرضان مهمان لحبيب جورجي وفنان فنزويلي في القاهرة

GMT 05:23 2018 الإثنين ,09 إبريل / نيسان

120 ألف زائر لـ " مهرجان دبي وتراثنا الحي "

GMT 12:47 2013 الثلاثاء ,28 أيار / مايو

الحكومة تدرس إنشاء 4 مجمعات تكنولوجية

GMT 12:22 2013 الأحد ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

750مليار دولار فاتورة تزود العالم بالنفط والغاز 2014

GMT 10:20 2016 الأحد ,31 كانون الثاني / يناير

داغستان تحظر 40 موقعًا متشددًا من على "الإنترنت"

GMT 08:37 2016 الجمعة ,30 أيلول / سبتمبر

طرح "Hands of Stone" في دور العرض المصرية الخميس

GMT 17:55 2012 الجمعة ,07 كانون الأول / ديسمبر

الطيور تستعين بأعقاب السجائر لطرد الآفات )

GMT 04:13 2016 السبت ,30 كانون الثاني / يناير

"سك العملة" تشارك بجناح في معرض القاهرة للكتاب

GMT 19:37 2020 السبت ,31 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الجدي السبت 31 تشرين أول / أكتوبر 2020
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates