القدس-أ ش أ
تتسع دائرة المخاوف بشأن انهيار السلطة الوطنية الفلسطينية "ماليا" على خلفية القرار الإسرائيلي بالتمديد للشهر الثالث على التوالي لإجراء حجز عائدات الرسوم الضريبية التي يقوم الاحتلال بجمعها عوضا عن السلطة.. في وقت يسود فيه التوجس من التبعات العالقة بانهيار السلطة والتي قد تنعكس على المعادلة الأمنية حيث يساور القلق جهاز الامن الاسرائيلي إزاء التأخر في دفع رواتب عناصر أجهزة الأمن الفلسطينية جراء السلوك الإسرائيلي في خطوة عكست مدى "رعونة" بنيامين نتنياهو رئيس حكومة الاحتلال اليميني في قراره الذي لم يصغ خلاله إلى تقارير أجهزته الأمنية التي حذرته من تبعات هذا الإجراء.
انقضى شهران دون أن تتمكن السلطة الفلسطينية من إنفاق عائداتها الضريبية (التى تجنيها اسرائيل لصالحها) فى صرف رواتب موظفيها كاملة. ويبدو أن قدرة السلطة على الصمود باتت "هشة" في ضوء ما يعانيه الاقتصاد الفلسطيني من تعثر ، فقد قامت الحكومة الفلسطينية بصرف نحو 60 % فقط من راتب شهر ديسمبر للموظفين العاملين لدى مؤسساتها وذات النسبة عن شهر يناير الماضي وذلك بعدما اعتمدت على قروض ومساعدات عربية وموارد ذاتية.. فالسلطة باتت اليوم تشعر "بالوجع" إزاء ما تتعرض له من إنهاك لقدرتها على الإيفاء بالتزاماتها المالية تجاه موظفيها.
ووسط هذا تترقب الساحتان الفلسطينية والإسرائيلية اجتماعا حاسما ومصيريا للمجلس المركزى لمنظمة التحرير الفلسطينية فى الرابع والخامس من شهر مارس المقبل. وقال سليم الزعنون رئيس المجلس الوطني الفلسطيني فى بيان نشره المجلس على بوابته الالكترونية على الانترنت إن الاجتماع "سيناقش تحديد طبيعة العلاقات مع إسرائيل في ضوء التطورات الراهنة في كافة المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية".. وهو ما يفتح الباب أمام التطرق إلى الموقف العام من اتفاقية اسلو والتعاون الامنى المترتب عليها مع اسرائيل وسط تسريبات بأن الاجتماع سيناقش إمكانية قيام السلطة بعملية تفكيك تلقائي لنفسها ومن ثم تخرج القيادة بهدوء لتدير منظمة التحرير المناطق من الخارج وبالتالي يتحمل الاحتلال إثم ما فعل.
وأعلنت سلطات الاحتلال الاسرائيلي الثلاثاء الماضي أن منسق المناطق في الحكومة الإسرائيلية يؤاف مردخاي أبلغ الجانب الفلسطيني بعدم تسليمهم عوائد الضرائب هذا الشهر ما يعني حجز عائدات الضرائب لثلاثة اشهر.
وتجمع اسرائيل ، بموجب اتفاقية باريس (1994) وهو بروتوكول اقتصادي ملحق باتفاقيات اوسلو ، لحساب السلطة الفلسطينية ضرائب تقوم بتسديدها لها شهريا. وتتلقي اسرائيل نصيبها جراء تجميعها وتحويلها يبلغ 3%.
وكان الاحتلال قرر يوم السبت الثالث من يناير الماضي تجميد تحويل الضرائب الفلسطينية وذلك ردا على تحركات فلسطينية للانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية. ووفقا لوزير المالية الإسرائيلي يوفال شتينيتس فإن إجمالى الضرائب التي يتم جمعها 460 مليون شيكل (حوالي 106 ملايين يورو).
وقد أعلنت الأمانة العامة للأمم المتحدة يوم الجمعة في الثاني من يناير الماضي بأن المراقب الدائم لفلسطين لدى الأمم المتحدة في نيويورك رياض منصور أرسل نسخا من الوثائق المتعلقة بانضمام فلسطين إلى ست عشرة معاهدة متعددة الأطراف ونظام روما الأساسي الذي يحكم المحكمة الجنائية الدولية.
ووفقا للقواعد الدولية ذات الصلة، أكد الأمين العام للأمم المتحدة بصفته الوديع لتلك الصكوك والمعاهدات التي تلقاها، على أنها "بالشكل السليم اللازم لقبول إيداعها". وأضاف المتحدث الرسمي أنه تم إبلاغ جميع الدول المعنية بذلك من خلال تداول إشعار الإيداعات ونشرها على الموقع الإلكتروني لمعاهدات الأمم المتحدة.
وعلى خلفية هذه الخطوة الفلسطينية أمام الجنائية الدولية ، تواجه السلطة أزمة تفكك وتآكل نتيجة عجزها عن الإيفاء بالتزاماتها المالية المتمثلة في دفع رواتب لموظفيها البالغ عددهم أكثر من 160 الفا في الضفة وقطاع غزة بالإضافة إلى الموازنات التشغيلية للوزارات والأجهزة الحكومية، وتقدر مستحقات السلطة من الضرائب حوالى 75% من القيمة الاجمالية لفاتورة الرواتب التي تدفعها السلطة لموظفيها شهريا.
ويعد تجميد أموال الضرائب الفلسطينية تهديدا لقدرة السلطة على العمل ودفعها إلى الانهيار والشلل حيث إن هذا الإجراء أضر الاقتصاد الفلسطيني بشكل عام فهو مس مناحى الحياة والقطاعات المختلفة وليس الموظفين فقط . فقد رفعت القرصنة الاسرائيلية على الأموال الفلسطينية سقف دين السلطة ليتخطى حاجز الخمسة مليارات دولار.
ويشار هنا إلى أن الاقتصاد الفلسطيني يخسر أكثر من أربعة مليارات دولار سنويا جراء عدم استغلال الموارد الاقتصادية التي تسيطر عليها إسرائيل حسب ما صرحت به تقارير دولية.
وبات الغرب يشعر حاليا بحجم الخطورة التى تواجهها السلطة ؛ الامر الذي دفع وزير الخارجية الأمريكية جون كيري للقول "اذا أوقفت السلطة الفلسطينية التعاون الأمني نتيجة المأزق الاقتصادي، وهذا قد يحدث في المستقبل إذا لم يحصلوا على عائدات اضافية، سنواجه حينئذ ازمة اخرى".
مسألة تعطيل السلطة الفلسطينية
صار تكرار القيادات الفلسطينية وعلى رأسها الرئيس محمود عباس بالحديث عن حل السلطة أمر ينبغى دراسة أبعاده خاصة مع المناخ "العقابي" الذي أسس له الاحتلال والدافع صوب إحداث إنهاك مضاعف لمستوى الجهوزية المطلوبة للسلطة الفلسطينية نحو تحقيق استمرارية للإدارة الذاتية فى الاراضي الفلسطينية.
وتنظر القيادة الفلسطينية إلى تصريحاتها دوما بشأن حل السلطة على أنها أحد الخيارات الضاغطة باتجاه مجابهة استمرار اسرائيل فى خططها العقابية ، ولكن الواقع الجديد التى تخلقه إسرائيل يسعى إلى فرض هذا المسار كاتجاه وحيد لا بديل عنه.
وفى محاولة لتطويق مسألة حل أو تعطيل السلطة الفلسطينية ينبغى التطرق إلى تحديد المفاهيم والأطر النظرية لهذه المسألة .. ففيما يتصل بالجانب القانوني ، فتعني مسألة حل السلطة الفلسطينية ، نزع صفة الولاية عنها وعن مؤسساتها بما يشمل الولاية الإقليمية والوظيفية والشخصية المحددة لها بموجب اتفاق أوسلو .. وتلقى تبعات عملية النزع هذه بمسئوليات قانونية تتصل بإلغاء الإلزامية القانونية لاتفاق أوسلو وما ترتب عليها من أثار تتصل مباشرة بتحلل لكافة المؤسسات التابعة للسلطة الوطنية الفلسطينية وكذلك المنبثقة عنها.
وفى سبيل الخوض البحثي فى جدلية تتعلق بالجهة المخولة بحل السلطة الفلسطينية كمحدد جزئي يسعى لرصد الإطار العام لمسألة "حل السلطة الفلسطينية" ، فأسست المحادثات السرية فى واشنطن والتى خاضتها منظمة التحرير مع الاحتلال الاسرائيلي فى 13 سبتمبر 1993 والتى أفرزت التوقيع على إعلان المبادئ والاتفاق اللاحق له فى 4 مايو 1994 والذي عرف باتفاق غزة واريحا (اتفاق القاهرة 1994) والذي خاض فى تفاصيل الحكم الذاتي الفلسطيني حيث أعطت الاتفاقية ، الفلسطينيين حكما ذاتيا محدودا .
واتفاقية أوسلو أو (إعلان المبادئ حول ترتيبات الحكم الذاتي الانتقالي) نصت على إقامة سلطة حكم ذاتي انتقالى (عرفت فيما بعد بالسلطة الوطنية الفلسطينية) وكانت منظمة التحرير هي الجهة المخولة بتأسيس هذه السلطة الجديدة حيث إنها الممثلة للشعب الفلسطيني والمفوضة بتوقيع اتفاقيات أوسلو ، وهو ما يمنحها المسئولية القانونية على حلها فى حال ما وجدت إرادة تقضى بذلك.
وقد يكون إقدام منظمة التحرير خلال الاجتماع الذي سيعقد فى بدايات شهر مارس المقبل ، أمر معقد نسبيا نظرا للتداعيات السياسية والأمنية والاجتماعية التى ستتبع إجراء كهذا..وفى العموم يتحدد ذلك القرار وفق معادلة إقليمية تعي إحداث تفاهمات فلسطينية مع أطراف عربية وأيضا غربية.
سياسات معاقبة السلطة
دخلت اتفاقية اوسلو بين منظمة التحرير وحكومة الاحتلال حيز التنفيذ فى 13 سبتمبر 1993 ، وبعد عام تسلمت السلطة الفلسطينية ، التى أنشاتها منظمة التحرير ، السيادة فى الضفة الغربية وقطاع غزة وبصورة اقل فى شرقي القدس والتى كان الاحتلال الاسرائيلي قابضا عليها منذ انتهاء الانتداب الدولى على فلسطين.
وكان اجتماع المجلس المركزي الفلسطيني المنعقد فى تونس فى عام 1993 قد قرر تكلف اللجنة التنفيذية بمنظمة التحرير الفلسطينية بتشكيل مجلس السلطة الوطنية الفلسطينية في المرحلة الانتقالية، من أعضاء اللجنة التنفيذية، وعدد من الداخل والخارج. واقر أيضا أن يكون ياسر عرفات رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ، رئيسا لمجلس السلطة الوطنية الفلسطينية. وتتألف السلطة الفلسطينية من المجلس التشريعي والسلطة التنفيذية (الحكومة).
وتختلف منظمة التحرير عن السلطة التى أسست بقرار منها ، فالأولى هي كيان سياسي يعتبر الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني وفقا لمؤتمر القمة العربي الذي عقد بالرباط عام 1974، أما السلطة الفلسطينية فهي كيان إداري وسياسي لتنفيذ اتفاق لحكم ذاتي محدود في بعض مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة.
وبممارسة حكومة السلطة الفلسطينية الحكم المباشر ؛ حلت وفقا لقواعد القانون الدولى معضلة عدم الاعتراف الدولى بالحكومة الفلسطينية . ومنذ ذلك الحين قطعت السلطة مسيرة واسعة من إدارة الشأن الفلسطيني داخليا وخارجيا على الرغم من العقبات والعراقيل التى واجهتها سواء على صعيد اسرائيل أو على الصعيد الدولى.. فقد قامت سلطات الاحتلال بإجراءات متلاحقة لإضعاف السلطة شيئا فشئ أبرزها تكثيف النشاطات الاستيطانية خاصة في القدس المحتلة ومحيطها، ومواصلة الاقتحامات والاعتقالات في الضفة وتعزيز الحواجز.
وتعرضت بنية السلطة الفلسطينية للتدمير ، وقصفت المقار الأمنية التابعة لها في محاولة من الحكومة الإسرائيلية لامتصاص وإيقاف الخسائر والأضرار التي تتعرض لها منذ اندلاع انتفاضة الأقصى في سبتمبر 2000.
وأقصى تحدي جابه السلطة كان فى التاسع والعشرين من مارس لعام 2002 عندما تعرض مقر رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية ياسر عرفات للقصف .. وأعلن رئيس حكومة الاحتلال وقتها أرئيل شارون أن رئيس السلطة "عدو" لإسرائيل ، ومن ثم فرض عليه حصارا ، وأعاد الجيش الإسرائيلي احتلال كل مناطق السلطة.
كما أن إنهاك السلطة الفلسطينية ماليا كان من أبرز الإجراءات العقابية التى تتعرض لها.. ففى ديسمبر لعام 2012 شرعت اسرائيل بتجميد أموال السلطة من الضرائب ، وذلك بعدما نال الفلسطينيون صفة دولة مراقب في الامم المتحدة. وحينها وقع عباس طلب الانضمام الى أكثر من عشرين اتفاقية ومنظمة دولية غداة رفض مجلس الامن الموافقة على مشروع قرار فلسطيني بإنهاء الاحتلال الاسرائيلي للضفة الغربية.. وتصادفت في ذلك الوقت مع انتخابات للكنيست ، وقد استمر التجميد قرابة أربعة أشهر.
لتجدد إسرائيل سياسة معاقبة السلطة ماليا فى الثالث من يناير لعام 2015 فى ردها على تحركات الفلسطينيين للانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية وتقرر تجميد كافة التحويلات المالية بعد أن قامت سلطة الاحتلال بجمع الضرائب وحجزها لديها فى نية واضحة هذه المرة من قبل نتنياهو على إجبار أبو مازن على حل السلطة وإلقاء اللائمة فيما بعد عليه.
وفى ظل السياسات العقابية المتتابعة التى تسعى إسرائيل لتأصيلها ضمن حسابات معادلة اليمين المتطرف ، تبقى السلطة الفلسطينية لا تملك أي " سلطة " حقيقية لإدارة أمورها أو السيطرة على أوضاعها الداخلية بحيث تصبح سلطة مرهونة بسلطة الاحتلال الإسرائيلي وبمخططاته أحادية الجانب.
مستوى المخاطر المباشرة
تحمل تبعات إجراء تعطيل أعمال السلطة الفلسطينية أبعادا فى غاية الخطورة على المعادلات الأمنية فى الضفة والجانب الاسرائيلي أيضا وكذلك على الجانب القانوني الذي سيترتب عليه تحمل اسرائيل كقوة احتلال إدارة شئون الفلسطينيين وهو إجراء يضرب بجانب أخر يتعلق ببعد سياسي فى الأمر لتعود منظمة التحرير ممارسة الدور السياسي فى الدفاع والنضال من أجل دولة فلسطين كما كان الوضع قبيل تأسيس السلطة.
وتتعدد مستويات المخاطر التى ستحيط بإسرائيل جراء تعطيل أعمال السلطة بأي شكل من الأشكال ، فالدولة العبرية لا تريد العودة لاحتلال قطاع غزة وإدارته كما أنها لا تريد أيضا العودة لتحمل أعباء الاحتلال المباشر للضفة الفلسطينية ، ورغم هذا تجد إدارة نتنياهو فى ذات الوقت طريقا لضرب السلطة وتعطيل اعمالها من أجل أن يتخلص من سلطة تسعى لإقامة دولة فلسطينية مستقلة وفق نظرة بعيدة تماما عن المصلحة المشتركة للبلدين.
وللبحث جديا فى مستويات المخاطر المرتقب حدوثها فى حال أي توقف رسمي لمؤسسات السلطة الفلسطينية ، فينبغى معرفة بعض من الحقائق المتعلقة بطبيعة البيئة التى أرستها السلطة ؛ فقد نجحت فى نقل مستوى الإدارة إلى العمل المؤسساتي وشكلت حكومة ذات برامج اقتصادية واجتماعية وقضائية .
وصار وجود السلطة الفلسطينية مرتبطا بشبكة واسعة من الإدارة البيروقراطية تتكون من 156 ألف موظف عسكري ومدني ، منها حوالي 62 ألفا منهم في قطاع غزة (26 ألف مدني و36 ألف عسكري).
وأضافت السلطة الوطنية الفلسطينية الكثير من النضالات التى سعت إليها من أجل الوصول إلى دولة مستقلة كان آخرها التحركات التى حققت خلالها عضوية مراقب فى الامم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية.
وهنا يكمن تحدي يتمثل فى أن حل أو تعطيل السلطة سيترك فراغا إداريا يؤدي إلى فوضى فى الشارع الفلسطيني ويقود إلى انهيار اقتصادي ومالي لكافة مؤسسات الدولة الفلسطينية التى تربو نحو الاستقلال.
وثمة تيارين فى أجنحة السلطة الفلسطينية تتجادلان بخصوص شأن السلطة ، الأول يرى ضرورة الصمود وأخذ ما تم تحقيقه صوب الأعين ، متخذا من الأثار السلبية التى ستنتج عن عملية كهذه برهانا يعزز من دفوعهم نحو الإبقاء على السلطة حتى وإن كانت متآكلة .. ويلخص هذا الفريق التداعيات التى قد تنتج فى: التحلل الاجتماعى بحيث يعود المجتمع الفلسطيني إلى التشكيلات التقليدية فى إدارة شئون التجمعات الفلسطينية وبلداتهم بما يعزز من فرص قوى يرفضها المجتمع الدولي فى التحكم فى مقتضيات الحكم مثل حركة حماس بما يشكل ذريعة واضحة لحلول عسكرية واسعة تضرب بطموحات الفلسطينيين وتعود بهم عشرات الخطوات إلى الخلف.
ويتوجس هذا الفريق أيضا من ارتفاع معدلات الفقر والبطالة نتيجة تدمير النواة الاقتصادية الفلسطينية على خلفية أي إجراء سواء رسمي من قبل القيادة الفلسطينية أو من جهة الخطوات التى يقوم نتنياهو بتنفيذها على الارض .
كما يرى هذا الفريق فى أن الخطوات نحو تعطيل أعمال السلطة يعنى إهدار ما تم تحقيقه دبلوماسيا على الصعيد الدولي من اعترافات دولية بالدولة الفلسطينية (ممثل عنها السلطة) ، مرورا إلى حصولها على عضوية رقابية فى الامم المتحدة واخيرا إلى الطريق القانوني الذي تود السلطة المضي فيه والمتمثل فى مقاضاة الاحتلال فى المحكمة الجنائية الدولية خاصة وأن السلطة شرعت بالفعل فى إعداد وتقديم مذكرات إدانة للاحتلال الاسرائيلي .
وفى مقابل هذا يدفع الفريق المناظر له نحو ضرورة تحميل الاحتلال تبعات تعطيل أعمال السلطة وتسليم مفاتيح إدارة الضفة وقطاع غزة إلى سلطات الاحتلال . ويراهن هذا الفريق على تدنى مرتقب للاحتلال فى مستويات نجاحه فى إدارة الشبكة الإدارية لمؤسسات السلطة الفلسطينية ، حتى وإن أخذنا فى الاعتبار التقارير الإسرائيلية التى تحدثت عن وجود بديل بحوزته يتمثل فى بناء سلطة تكنوقراط على غرار سنوات الثمانينات من القرن الماضي الا أنها ستجد معضلة قوية تتمثل فى وجود قيادة مركزية تحكم إدارتها على هذه الشبكة.
ويعزز هذا الفريق من رؤيته بأنه لا سبيل للسلطة فى ظل نوايا مبيتة بشل السلطة من قبل قوى اليمين المتطرف فى اسرائيل والذي يأخذ مساحات أوسع فى إدارة الدولة العبرية وسط هجين جديد يضاف إليه يتمثل فى اليمين الديني المتشدد فى حكومة تتحدث الاستطلاعات فى اسرائيل عن قدومها فى ظل زيادة التأييد لهذا المعسكر بقيادة نتنياهو خلال انتخابات الكنيست القادمة فى السابع عشر من مارس المقبل .
ويرى هذا الفريق أن تحركات نتنياهو لتعطيل السلطة تأتي ضمن حساباته بتصفير المعادلة الفلسطينية وإعادة ترتيب أولويات الأمور فى الضفة ؛ وهو ما يسمح لقيادات منظمة التحرير إلى المضى فى طريق توحيد الصفوف الفلسطينية ، والبدء فى نضال جديد تكون فيه إسرائيل محملة بأعباء دولة تقع فى نطاق مسئوليتها كقوة احتلال وفق اقرار حسابات الواقع.
ويعتمد هذا الفريق فى نظرته الاقتصادية على أن تسليم مفاتيح الإدارة للاحتلال يقضي عليه بالخسارة بشكل يربك مؤسسات الدولة العبرية "الاقتصادية والمالية" ، حيث يستند هذا الفريق إلى أرقام تتحدث عن أن الاحتلال يحصل على مكاسب اقتصادية فى ظل الوضع الراهن لا تقل سنويا عن 4 مليارات دولار من خلال استغلال ثروات مناطق (c ) أو (ج) "وهي المناطق التى نصت عليها اتفاقية اوسلو وتمتد على قرابة 60% من أراضي الضفة الغربية" ، وفى حال ما حدث اختلال فى منظومة الوضع هذه سيأتي باضطرابات مالية تربك كافة معطيات المعادلة الاقتصادية الاسرائيلية.
ويتحدث هذا الفريق ايضا عن تبعات الواقع الامني الذي سيكون على الجانب الاسرائيلي تحمله بشكل كامل ، وما له من أعباء فوضوية مرتقبة تتقرر وفق تسريح عناصر الأمن الفلسطينية بعدما تتجه اسرائيل إلى تعطيل مؤسسات السلطة.
وأخيرا وفى ضوء ما سبق يبقى القرار الفلسطيني الوطني حاضرا بقوة أينما تأتي مؤشراته ودلالاته التى تحمل بين جنباتها السعي نحو المسارات القانونية لمقاضاة اسرائيل دوليا ، وتوحيد الصف الفلسطيني من أجل اللجوء إلى مظلة "شبكة الأمان المالي" الذي تعهدت الدول العربية خلالها بتقديم مبلغ 100 مليون دولار شهريا إلى الفلسطينيين للخروج من سياج العثرة المالية التى أحاط بها الاحتلال ومجابهة إجراءات التعطيل أو التفكك التلقائي لمؤسسات السلطة ، فى ترقب لما سيتجه إليه مؤشر بوصلة قرارات نتنياهو القادمة وما ستؤول اليه الأوضاع فى الاراضي الفلسطينية.