مصرف قطر المركزي،

لا تزال أسعار العقارات في قطر تحقق أرقاما قياسية عالية. فحسب مؤشر أسعار العقارات الذي يصدر عن مصرف قطر المركزي، ارتفع معدل أسعار الأراضي والبنايات التجارية والسكنية في يونيو 2014 بنسبة 20% بشكل يفوق الذروة التي بلغتها في سبتمبر 2008. وقد يلفت هذا المعطي إلى إمكانية حدوث غليان في أسعار القطاع العقاري، غير أن التحليل الدقيق يشير إلى أن هذا الارتفاع في الأسعار لا يزال ضمن أسس الاقتصاد القطري الذي ينمو بوتيرة سريعة و يستقطب عدد متزايد من السكان.

وينشر مصرف قطر المركزي مؤشر أسعار العقارات في موقعة على الإنترنت   شهريا حيث تم تطوير المؤشر لحساب معدل الارتفاع في أسعار العقارات في قطر. ويعتمد هذا المؤشر على بيانات وزارة العدل الخاصة بمعاملات الأراضي والعقارات التي تنشر أسبوعيا. وبحسب آخر البيانات، ارتفع مؤشر أسعار العقارات بنسبة 21,5% خلال الأشهر الستة الأولى من سنة 2014 مما يظهر تسارعا كبيرا مقارنة مع ارتفاع بنسبة 6,2% خلال النصف الثاني من سنة 2013.

فهل تتماشى هذه الزيادات الكبيرة في أسعار العقارات مع الأسس الاقتصادية أم أنها تشير إلى حدوث فقاعة عقارية أخرى؟ للإجابة عن هذا السؤال، قمنا بمقارنة مؤشر أسعار العقارات مع مقياسين لأسس الاقتصاد. ويعتمد المقياس الأول على الدوافع التي تؤثر على أسعار العقارات بينما ينبني المقياس الثاني على حركة الأسعار في الاقتصاد. ويشير كلا المؤشرين إلى أن أسعار العقارات لاتزال تتماشى مع الأسس الاقتصادية.

أولا, تم دفع أسعار العقارات في قطر مؤخرا بتأثير القاعدة (الزيادة السكانية) وتأثير الدخل (متوسط دخل الفرد). ويرجع تأثير القاعدة إلى الزيادة الكبيرة في عدد السكان التي شهدتها البلاد منذ منتصف عام 2012 حيث أن ارتفاع عدد السكان يؤدي إلى زيادة الطلب على السكن وبالتالي يدفع أسعار العقارات إلى الارتفاع. وينشأ تأثير الدخل من ارتفاع نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي كنتيجة للنمو الاقتصادي السريع خلال السنوات القليلة الماضية حيث كلما ارتفع نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي زاد إنفاق الدخل على السكن مما يرفع من قيمة الممتلكات العقارية.

وبناء على هذا التحليل، فإن أسعار العقارات في قطر تظل متماشية مع أسس الاقتصاد وإن كانت قريبة من الحد الأقصى. وبينما ارتفع كل من تأثير القاعدة والدخل مجتمعان بنسبة 345% منذ عام 2006، فإن مؤشر أسعار العقارات لمصرف قطر المركزي ارتفع بنسبة 326% فقط مما يشير إلى أن أسس الاقتصاد القطري تستمر في تبرير أسعار العقارات. غير أن هذه الأسعار بدأت تصل إلى ما قد يطلق عليه الحد الأعلى بناء على هذا التحليل، وهو ما يشير إلى إمكانية حدوث غليان في الاسعار.

وتعطي حركة الأسعار في الاقتصاد مقياسا ثانيا لمدى تحكم الأسس الاقتصادية في أسعار العقارات. وعادة، لا يجب أن تفوق أسعار العقارات التوسع الإسمي للاقتصاد المحلي حيث يؤشر ذلك على حدوث فقاعة عقارية. وفي هذا الإطار، فإن نمو الناتج المحلي الإجمالي للقطاع غير النفطي هو مقياس جيد لتوسع الاقتصاد المحلى ويمثل الحد الأعلى لأسعار العقارات. وفي الوقت ذاته، قد ترتفع عادة أسعار العقارات بشكل أسرع من مؤشر أسعار المستهلك الكلي حيث أن المعروض من العقارات يقتصر على السوق المحلي (لا يمكن استيراد الأراضي والمنازل) ولا يمكنها سوى أن ترتفع بفارق مقارنة مع أسعار البضائع المتداولة (كالنسيج والأغذية، إلخ) والتي يحددها مبدأ العرض والطلب العالمي. وبالتالي، فإن مؤشر أسعار المستهلك عادة يمثل حدا أدنى لأسعار العقارات.

وبناء على هذا المقياس الثاني، فإن أسعار العقارات تظل فعلا في إطار الأسس الاقتصادية حيث يقدر أن يكون الناتج المحلي الإجمالي للقطاع غير النفطي قد ارتفع بنسبة تفوق 500% منذ سنة 2006 بالمقارنة مع نسبة 326% في مؤشر أسعار العقارات لمصرف قطر المركزي و141% في مؤشر أسعار المستهلك. وطالما لم تتجاوز أسعار العقارات التوسع الإسمي للاقتصاد المحلي، فمن المتوقع أن تظل مستدامة.

بشكل عام، فإن كلا المقياسين المذكورين أعلاه يشيران إلى أن أسعار العقارات في دولة قطر تظل متماشية مع الأسس الاقتصادية. كما يبدو أن النمو السريع للاقتصاد القطري والزيادة الكبيرة في عدد السكان يبرران الزيادة السريعة في هذه الأسعار التي تظل متماشية مع التوسعات الإسمية الأخرى للاقتصاد. لكن، قد تؤشر أي زيادات سريعة أخرى في أسعار العقارات على تضخم عالي وإمكانية حدوث فقاعة عقارية أخرى.