دفع العام المنصرم /2012/ بروكسل (العاصمة غير الرسمية لأوروبا) إلى أن تمنح نفسها تقييما غير سار بأن المساعدات المالية لا يمكن أن تكون وسيلة لحل المشاكل الأساسية للاتحاد الأوروبي، إذ هناك اختلاف كبير في القدرة التنافسية بين الدول الاوروبية المختلفة. فخلال العام المنصرم كانت هناك أكثر من وقفة وشكوك أكثر من أي وقت مضى في إمكانية الاستمرار على اساس الالتزام بالعملة الاوروبية الموحدة، بل إن المدير العام للبنك المركزي الاوروبي "ماريو دراجى" اعترف بأن الشكل الحالي لاتحاد منطقة اليورو لا يمكنه الاستمرار ما لم تتخذ تدابير وإجراءات جديدة. كما أشارت المستشارة الالمانية "انجيلا ميركل" من جانبها إلى حقيقة الخطأ الذي ارتُكب والمتمثل في أن أي إجراءات أو خطوات للتقارب الاقتصادي بين دول الاتحاد الأوروبي لم تتخذ بعد إعلان العملة الاوروبية الموحدة وان هذا الخطأ حان وقت معالجته. وأكدت أن العام الحالي 2013 يجب أن يشهد تغيرا في الاوضاع، وأنها تعتقد أن الدول الاعضاء في الاتحاد الأوروبي ككل على استعداد لتنفيذ إصلاحات عميقة، حيث كشفت الأزمة المتواصلة في دول منطقة اليورو عن الضرورة الملحة لإنجاز أربع مهام منظمة من أجل اوروبا الموحدة، وتتلخص تلك المهام في تنظيم الأسواق المالية، إعادة الهيكلة والإصلاح في البنوك، متابعة وتنظيم إدارات الميزانيات القومية، وتنسيق السياسات الاقتصادية بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. ووفقا لتصريحات "ميركل" عن المهام الأربع فإن الحركة نحو تنظيم الاسواق المالية لاوروبا الموحدة تسير بشكل بطيء، وعلى وجه الخصوص فرض ضريبة على المعاملات المالية، وذلك وقبل كل شيء بسبب معارضة بريطانيا، إذ أوضحت لندن أنها في الصراع التنافسي بين المراكز المالية العالمية يمكن أن تفقد جاذبيتها للتدفقات المالية الدولية. ويمكن القول إن العمل يتم بشكل أسرع نسبياً في إنشاء آلية الرقابة المالية البنكية الموحدة، إذ يجب إنشاء آليات الرقابة البنكية الموحدة في مدة أقصاها مارس عام 2014 بحسب القرار الذي اتخذ في لقاء ديسمبر المنصرم للقمة الاوروبية، ويجب أن تؤدي الرقابة البنكية في نهايتها إلى إنشاء الاتحاد البنكي الأوروبي الموحد. لكن الأوضاع الأكثر سوءا تتمثل في الحفاظ على انضباط الميزانيات القومية وهي المهمة الثالثة، فعلى الرغم من ان الدول الاعضاء في الاتحاد الأوروبي وقعت منذ 1996 على مجموعة إجراءات للاستقرار والنمو الاقتصادي، وفيها تحديد واضح لحدود العجز والديون، إلا أن عددا قليلا من الدول تلتزم بهذا الاطار، والأكثر من ذلك أن جميع المقترضين كان بإمكانهم حتى الان الحصول على ديون جديدة بدون أي عقوبات على انتهاكاتهم للقواعد التي تم التوقيع عليها. ولحدوث نقطة تحول في المقاومة من أجل انضباط أكبر في قضية سياسة الميزانيات يجب ان تكون هناك مجموعة جديدة من الإجراءات للاستقرار المالي، وحتى الان لم تتضح إمكانية الوصول الى توافق حول هذا الامر بين جميع الدول الاعضاء في الاتحاد الاوروبي إذ ينظر العديد من المحللين الاقتصاديين الى فرنسا بقلق بالغ وخاص، ويعتقدون انها يمكن ان تصبح الدولة القادمة بمنطقة اليورو التى تصطدم بمشاكل حادة بعد اليونان وقبرص والبرتغال وايرلندا واسبانيا وايطاليا. **********----------********** ومن الملاحظ ان باريس تحاول تخفيف المعايير التي تلتزم بها دول الاتحاد الأوروبي، حيث اقترح الرئيس الفرنسى "فرانسوا هولاند" ألا تؤخذ في الاعتبار تكلفة الاستثمارات عند حساب العجز في الميزانية، وهو أمر تقف المانيا بشدة ضده حتى لا تعطي مبررا يمكن ان تستخدمه دول أخرى. واذا ما نجحت فرنسا خلال عام 2013 في ان تحافظ على العجز في ميزانيتها دون 3% من اجمالى الناتج المحلى، فإن هذه الخطوة ستكون بمثابة إشارة هامة لعبورها نقطة التماس مع الأزمة الاقتصادية، علما أن فرنسا والمانيا مازالتا حتى الآن المحركين التقليديين للاتحاد الاوروبي، في الوقت الذي تختلف فيه رؤية وتصور كل منهما لكيفية الخروج من الأزمة. وفى الوقت الذى يعبر فيه "هولاند" عن التفاؤل ووعود بقوة اكبر للتضامن مع اوروبا، فإن "ميركل" تدفع الجميع للاستعداد لمواجهة ايام عصيبة، مشيرة إلى أن "الذى يعتقد ان اجراءات الاصلاح في الهياكل الاقتصادية تمثل تدابير اضافية وينظر إلى الاوضاع بتفاؤل يرتكب خطيئة في حق جميع العاملين بأوروبا". وفيما يخص المهمة الرابعة المتعلقة بالمستقبل الاوروبي كما تراه انجيلا ميركل على المدى البعيد، فإن اهم المهام امام الاتحاد الأوروبي يتمثل في خفض الفجوة الاقتصادية، وتقليص التناقض السياسى والاقتصادى بين دول شمال وجنوب اوروبا، وهي التناقضات التي تؤثر على الجولة القادمة من المفاوضات حول الميزانية القادمة للاتحاد الاوروبي. ومما يجدر بالذكر أن المفاوضات حول ميزانية الاتحاد، فشلت في نهاية العام المنصرم 2012.. وحتى لقاء القمة الأوروبي المقبل خلال شهر يونيو فإن بروكسل تعتزم وضع خطة تدابير واجراءات طارئة، وهذه الاجراءات لا يمكن أن تُقر دون  تقليص للسيادة الوطنية لكل دولة على حدة. وعلى سبيل المثال تعتقد "ميركل" فيما يتعلق بالقضية الخاصة بالسياسة الضريبية او تعديل وضبط سوق العمل، أنه بدون تعديل الاتفاقيات الاساسية للاتحاد الأوروبي لن ينجح المشروع الأوروبي الموحد في الحفاظ على وجوده وقوته، وهنا يطرح السؤال نفسه، هل سيتم التوافق ويعي الجميع مسؤولية بقاء الاتحاد واستمراره ام ستتواصل التناقضات البريطانية الفرنسية الالمانية من جانب، والتناقضات بين دول الشمال والجنوب على الجانب الاخر وتكون النتيجة مفزعة للجميع. وترى ميركل أن دول الاتحاد الأوروبي يمكن في المستقبل، ان تزود المفوضية الاوروبية بجزء من كفاءاتها بما يمكّن المفوضية من التحول إلى حكومة حقيقية للاتحاد الأوروبي، على ان يبقى المجلس الأوروبي في وضع شبيه بمجلس الشيوخ بجانب البرلمان الأوروبي، ولكنها اعترفت بأن الأمر يتعلق بالمستقبل البعيد، لأن تلك المقترحات مازالت تحصل على دعم الاقلية من دول الاتحاد الأوروبي. وللتذكير فإن الكثير مما كان يطرح قبل الأزمة المالية في منطقة اليورو وينظر إليه على أنه غير مقبول وشيء من الخيال أصبح اليوم قابلا للتنفيذ حيث فرضت الأزمة معايير جديدة لتنفيذه رغم مرارته في حلق البعض.