القاهرة - وكالات
عندما أخذ غوستاف لو بون «الجمهور» على أساس أنّه كائن له شخصيته القائمة بذاتها، أحدث صدمة في علمي النفس والإجتماع. وغدا كتابه «علم نفس الجماهير» واحداً من أهمّ الكتب في تحليل مفهوم «الجماهير» والغوص في أبعادها النفسية والإجتماعية والأنتروبولوجية. وتأتي ترجمة هذا الكتاب في وقتها المناسب وسط أزمة تحديد الهوية التي تعيشها جماهير العالم العربي المُنقسمة بين تيارات وشخصيات مختلفة. وربما نحن اليوم أحوج ما نكون إلى معرفة روح الجماهير والتفكّر في أعماقها، التي يدرسها بتمعنّ شديد كتاب لو بون «علم نفس الجماهير»، الذي صدر عام 1895، إلاّ أنّ موضوعه مازال مهماً، بل إنّه يزداد أهميّة مع تزايد التطوّر البشري العلمي والصناعي والتجاري ووسائل الإتصال والدعاية والإعلان والإستقطابات السياسية المحلية والدولية. يأتي إصدار «علم نفس الجماهير» (دار البيروني، 2013) في كتاب واحد يضمّ اللغات الثلاث الفرنسية (لغته الأصلية)، العربية (ترجمة عادل زعيتر)، الإنكليزية (ترجمة جورج مدبك)، ليؤكّد أنّ كتاب لوبون هو واحد من الكتب التي لا تموت، بل إنّها تُجدّد نفسها مع الأيام. والمعروف أنّ الكتاب أحدث منذ نشره ضجة كبيرة في الأوساط العلمية والسياسية والإقتصادية والاجتماعية في فرنسا وخارجها تجلّت في النفاد السريع للأربعين ألف نسخة من طبعته الأولى، وفي إعادة طباعته أكثر من أربعين مرّة ، وترجمته إلى أكثر من عشرين لغة. وفي العام 2010، أصدرت منشورات «لوموند» طبعة جديدة من الكتاب باعتباره أحد الأعمال الفكرية العشرين التي غيّرت وجه العالم. وأهمّ ما في هذا الكتاب أنّه تحوّل إلى مرجع بالنسبة إلى الكثير من السياسيين والزعماء في العالم، نذكر منهم هتلر، موسوليني، لينين، ستالين، ماو تسي تونغ، روزفلت، كليمنصو، بريان، بوانكاريه... ويقول الناشر محمد ضاهر في كلمة التقديم: «كانت فرنسا وأوروبا عند صدور الكتاب تعيش في أجواء التوترات التي أفرزتها التطورات العلمية والدينية والسياسية، وأفكار عصر الأنوار، والثورتان الفرنسية والصناعية، والتوسّع الإستعماري في ما وراء البحار، والصراع بين الملكيين والجمهوريين، وبروز الطبقات العمالية ونقاباتها، وتصاعد المدّ الإشتراكي المعادي للرأسمالية والليبرالية السائدة، الذي كان لوبون الليبرالي من ألدّ أعدائه، ثمّ جاءت هزيمة فرنسا الكارثية في الحرب الألمانية الفرنسة بين عامي 1870-1871 وما رافق كلّ هذه الأحداث من الدمار والإعدامات والمذابح والجرائم الفظيعة وحرائق المقرات الرسمية والمتاحف والقصور، مما زاد الذعر والقلق من تنامي قوة الجماهير في تطور الأحداث ومصائر المجتمعات... وفي هذه الأجواء المضطربة واللاعقلانية أصدر لو بون «علم نفس الجماهير» التي قال فيها إن كل المشكلات والكوارث التي حلّت بفرنسا سببها اندفاع الجماهير على مسرح الأحداث والجهل بقوانين علم النفس التي توجّه هذه الجماهير وتُعالج مشكلاتها».