صدر عن دار الكتب العلمية بلبنان تحقيق كتاب ‘الرحلة الفاسية الممزوجة بالمناسك الإسلامية’ للعلامة الطيب بن كيران (ت 1314 هـ)، وقد حققه وقدّم له الباحث يونس لشهب. والكتاب يقع في 256 صفحة من الحجم الكبير. ولما كانت الرحلة رحلة حجيّة، أو حجازية، فقد انصب دأبُ ابن كيران على رصد سفره لأداء مناسك الحجّ، وفق المذهب المالكيِّ. وكان سفره بحرا مع الشريفين الوزانيين عبد الجبار بن محمد، وإدريس بن محمد الطائع وأبناء عمّهما، وأصحابهما. ولقد اختاره عبد الجبار لصحبته، كما اختار ثلة من علماء فاس، هم: محمد بن عبد الواحد بن سودة، وعلي بن محمد البدري، وأحمد بن الحسن. وعلى هذا، جاءت مضامين الرحلة من جنس موضوعها وسنخه، تدور معه حيث دار. ويمكن تقسيمها إلى المجالات الآتية: - المجال الفقهي: ويشكل قطب الرحى في رحلة ابن كيران، حيث فصّل في ذكر الأحكام الفقهية المرتبطة بالسفر والصحبة والصلاة والتيمم ومعرفة القبلة والوقت والقصر والجمع والحج والعمرة. وكل ذلك وفق المذهب المالكي، مع الإشارة أحيانا إلى قول مذاهب أخرى، لكن يكون الانتصار للمذهب المالكي. - المجال الجغرافي: وفيه الحديث عن مسار الرحلة بدءا من الخروج من فاس من باب عجيسة، مرورا بالمراحل المختلفة وما مر به من الثغور والقرى والحواضر والبحار والسواحل والمعالم، وانتهاء بالعودة إلى فاس. والملاحظ أن ابن كيران كان يقف على البقاع المقدسة وقوفا مفصّلا، حيث يضبط الاسم، ويذكر سبب التسمية، والتسميات الأخرى إن وجدت، وإعرابها، وموقعها الجغرافي، وفضلها، وتاريخها… - المجال التاريخي: نجد في الرحلة مجموعة من المعطيات التاريخية، من قبيل أخبار تتعلق بالسيرة النبوية، وأخرى بتاريخ مكة المكرمة، وبناء الكعبة وإعادة بنائها، وحفر زمزم، وبئر زبيدة. - المجال الثقافي: تذكر الرحلة جملة من المعتقدات والتقاليد والعادات، التي لفتت انتباه ابن كيران. من مثل الاستشفاء بتراب جبل أحد، والتبرك بزيارة قبور الأولياء، والجهل الذي كان يخيم على أكثر عرب الدرب والحجاز وتهامة ونجد، حتى وصفهم بأنهم أجل العرب. هذا، ويزخر النص بوصف ظروف الرحلة، وما تميزت به سواء جزؤها الذي كان برا، أو ما كان منها بحرا على متن البابور (الباخرة). وكذلك، توثّق الحوادث التي صادفها الرحالة، والتي تخللت الرحلة، وهي كثيرة، أذكر منها: التعرض لهجوم قطاع الطرق بالريّان، وانقطاع دفة السفينة، في رحلة العودة، وهيجان البحر، والسيل الذي أتى على النخل قرب الوادي القريب من ضريح سيدنا حمزة، رضي الله عنه، وظاهرة الخسوف.