القاهرة ـ وكالات
طرح كتاب 'الثقافة الجماهيرية والحداثة في مصر' إشكالية الثقافة الشعبية بوصفها وعاءً يلخص بشكل ما النظام الاجتماعي ، في مواقف محددة، ضمن سياق تقع فيه الحداثة كمفتاح للثقافة الشعبية في وسائل الإعلام، وبالتالي يمكن القول إن الحداثة المصرية في إطارها التحليلي تركز بشكل أكبر على المحافظة على التواصل مع الماضي، حيث تتجلى العلاقة بين الحداثة والقومية بوضوح في موضوع اللغة، التي هي جوهر الممارسات الاجتماعية. والكتاب الذي صدر مؤخراً ضمن سلسلة الإنسانيات، التي تصدرها مكتبة الأسرة ، يقع في 286 صفحة، ومؤلفه هو الباحث وولتر أمبرست أستاذ الأنثروبولوجيا الثقافية بجامعة أكسفورد، وله أكثر من كتاب عن الثقافة الجماهيرية. ويشير المؤلف في البداية إلى أن الثقافة الشعبية لها مكانتها في حياة معظم المصريين، ومعظم بلاد الشرق الأوسط التي تتحدث بالعربية، ولذلك فإن عدم الاهتمام الذى تلاقيه الثقافة الشعبية في وسائل الإعلام من قبل مراكز الأبحاث والجامعات أمر غير مفهوم أو مبرر. والتحديث أو الحداثة في المجتمع الغربي يعني قطع الصلات مع الماضي كوسيلة لتمهيد الطريق أمام أنماط اجتماعية أكثر عقلانية، وهي عملية يسميها العالم هرفي 'التدمير البناء'، لكن الحداثة -في رأي المؤلف- تركز بشكل أكبر على المحافظة على التواصل مع الماضي، وأصبحت وسائل الإعلام في القرن العشرين وسيلة مهمة لنشر مبادئ أيديولوجيا الحداثة في مصر. والسبب في ذلك يرجع جزئياً إلى أن الحداثة مرتبطة بشكل عضوي بالفكر القومي، ومن هنا كانت الثقافة الجماهيرية مهمة من الناحية اللغوية في مصر، لأنها تاريخياً كانت وسيلة لتحقيق الهوية القومية، وتكثف الثقافة الجماهيرية إذا وضعت في سياقها السليم الكثير من أوضاع مصر الحديثة. وفي الفصل الأول يحلل المؤلف بتفصيل شديد المفردات الشعبية في المسلسل التلفزيوني الشهير 'الراية البيضا'، الذي كتبه أسامة أنور عكاشة وأخرجه محمد فاضل، باعتباره لقي اهتماماً كبيراً من المشاهدين، ونجح في تصوير التوتر الاجتماعي، وهو الشيء النادر في مسلسلات تلك الفترة. وفي الفصل الثاني يتحدث المؤلف عن الانقسام بين المثقفين حول هل الثقافة الشعبية هي الفلكلور؟ فهناك من يرى أن الفلكلور شر لا بد أن تمحقه الدولة الحداثية وفي نفس الوقت عليها أن تشجع إحلال نموذج ثقافي غير تقليدي أو مختلف محله، بينما يرى فريق آخر أن هناك فصلاً تاماً بين الثقافة الجماهيرية التي هي ثقافة الإنسان الأمي، وبين الثقافة العامة بمفهومها الواسع. ويخصص المؤلف الفصل الثالث للحديث عن الموسيقار محمد عبد الوهاب ودوره في إحياء وتطوير الموسيقى العربية، وقدرته على دمجها مع الموسيقى الغربية، وتحويل التخت العربي، الذي يضم ما بين أربع أو خمس آلات، لأوركسترا كبيرة، وإدخال الموسيقى العربية سياقات ووسائط جديدة، كتسجيلات الغرامافون والأفلام الغنائية. ويقارن المؤلف في الفصل الرابع بين فيلمي 'الوردة البيضاء' و'العزيمة' حيث كان الأول أرستقراطيا، بينما كان الثاني يعبر عن الطبقة المتوسطة، ويحلل المؤلف النمط الثقافي لكلا العملين. أما الفصل الخامس فيتحدث عن فيلم 'خلي بالك من زوزو'، الذي يتحدث عن طالبات الجامعة في تلك الفترة وقضية الرقص وعلاقته بالفساد الأخلاقي، ثم يناقش فيلم 'كابوريا' للفنان أحمد زكي ومدى تطور الثقافة الشعبية بين العملين. وفي الفصل السادس والأخير يتحدث المؤلف عن السوقية، ويناقش مسرحية 'مدرسة المشاغبين' كنموذج، إضافة إلى بعض الأغاني الهابطة، ليكشف جانبا سلبيا من الثقافة الشعبية ومدى علاقتها بالحداثة كما يفهمها المؤلف.