أكّد يوفنتوس أنه استعاد مكانته في الكرة الإيطالية بعد أن نجح الأحد في حسم لقب الدوري المحلّي للمرّة الثانية على التوالي والتاسعة والعشرين في تاريخه، وذلك قبل ثلاث مراحل على انتهاء الموسم. لقد وضع "بيانكونيري" خلفه الكابوس، الذي اختبره في منتصف العقد الماضي حين جُرّد من لقب عامي 2005 و2006 بسبب تورّطه في فضيحة التلاعب بالنتائج وإنزاله إلى الدرجة الثانية عام 2006 ما أثّر على مستواه بعد عودته في الموسم التالي بين الكبار بسبب رحيل عدد كبير من نجومه. اكتفى يوفنتوس بلعب دور المتفرّج بعد عودته إلى "سيري أ"، حيث شاهد إنتر ميلان يتوّج باللقب خمس مرّات متتالية (اللقب الأوّل عام 2006 ورثه بسبب معاقبة يوفنتوس) ثمّ انتقل اللقب في 2011 إلى القطب الآخر لمدينة ميلانو أي ميلان. لكنّ فريق "السيدة العجوز" وبقيادة لاعب وسطه السابق أنتونيو كونتي تمكّن من نفض غبار "كالتشيوبولي" عنه وأحرز اللقب الموسم الماضي للمرّة الأولى (رسمياً) منذ 2003، ثمّ أتبعه هذا الموسم بلقب ثانٍ عزّز من خلاله موقعه كأكثر الأندية فوزاً باللقب (29 مقابل 18 لميلان وجاره إنتر ميلان). وبعد أن فرض يوفنتوس سطوته على الدوري يجب أن يفكّر الآن بالتمدد قارياً من خلال المنافسة على لقب المسابقة الأغلى، أي دوري أبطال أوروبا. لقد حقّق يوفنتوس تقدّماً في هذه المسابقة خلال الموسمين الأخيرين، لأنه وبعد أن ودّعها من الدور الأوّل في 2011-2012، نجح هذا الموسم في الوصول حتّى الدور رُبع النهائي قبل أن يتوقّف مشواره على يد بايرن ميونيخ الألماني بالخسارة أمامه ذهاباً وإياباً بنتيجة واحدة صفر-2. ولا يمكن وصف الخسارة مرّتين أمام النادي البافاري بالنتيجة الكارثية لرجال كونتي، خصوصاً بعد السقوط المدوّي لبرشلونة الإسباني أمام بطل الـ"بوندسليغا" في الدور نصف النهائي (صفر-7 كنتيجة إجمالية)، لكن أمام "بيانكونيري" الكثير من العمل من أجل أن يصل إلى المستوى الذي كان عليه في منتصف التسعينيات، حين توّج باللقب عام 1996 ووصل إلى النهائي عامي 1997 و1998 وأحرز كأس الاتّحاد الأوروبي عامي 1990 و1993 ووصل إلى النهائي عام 1995، ذلك إضافةً إلى تتويجه بلقب كأس السوبر الأوروبية وكأس الإنتركونتيننتال عام 1996. صحيح أنّ يوفنتوس لا يصل إلى مستوى ريال مدريد الإسباني أو مانشستر يونايتد الإنكليزي من ناحية الامكانيات المادية، لكنّ وضعه المادّي جيّد ويسمح له بتعزيز صفوفه والاستعانة بلاعبين قادرين على جعله يستعيد موقعه القارّي مجدّداً. من المؤكّد أنه سيكون من الصعب على إدارة النادي إيجاد لاعبين من طراز نجوم التسعينيات مثل الفرنسي زين الدين زيدان أو روبرتو باجيو وجيانلوكا فيالي وفابريتسيو رافانيلي وكونتي والبرتغالي باولو سوزا وتشيرو فيرارا والفرنسي الآخر ديدييه ديشان وبالطبع أليساندر دل بييرو. لكن بإمكان هذه الإدارة برئاسة أندريا أنييلي أن تجد على الأقل لاعباً واحداً من الطراز الرفيع، أي "الصنف" الذي لم يعد موجوداً في الدوري الإيطالي بعد هجرة النجوم إلى إسبانيا وإنكلترا والآن فرنسا مع باريس سان جيرمان أو حتّى ألمانيا التي بدأت أنديتها وخصوصاً بايرن ميونيخ تخرج عن سياسة التقشّف وتسرف في الإنفاق. والمشكلة الأساسية التي يعاني يوفنتوس منها هي افتقاده إلى لاعب هدّاف من طراز فيالي أو رافانيلي وكريستيان فييري، لأنّ كونتي لم يتمكّن من إيجاد اللاعب الذي بإمكانه أن يلعب إلى جانب المونتينيغري ميركو فوسينيتش وهو اختبر جميع الحلول مع سيباستيان جوفينكو وفابيو كوالياريلا وأليساندرو ماتري وحتّى أنه تعاقد مع الفرنسي المخضرم نيكولا أنيلكا واستعار الدنماركي نيكلاس بندتنر من آرسنال الإنكليزي. واضطر كونتي إلى إيكال مهمّة رأس الحربة لفوسينيتش، الذي لا يعتبر أصلاً مهاجماً صريحاً بل هو أقرب إلى صانع ألعاب أو مهاجم مساند من وسط الملعب. ولم يخفِ كونتي رغبته في التعاقد مع هدّاف كبير الموسم المقبل، وذلك بعد أن سعى في فترة الانتقالات الشتوية إلى ضمّ الإيفواري ديدييه دروغبا ثمّ اكتفى بأنيلكا، الذي لم يلعب سوى ما مجموعه 25 دقيقة منذ قدومه من الصين، كما أنه سعى في صيف 2012 إلى ضمّ الأوروغواياني لويس سواريز من ليفربول الإنكليزي والفرنسي كريم بنزيما من ريال مدريد الإسباني، ثمّ اكتفى باستعارة بندتنر، الذي عجز عن فرض نفسه بسبب الإصابات. أما بالنسبة للصيف المقبل، فقد نجح يوفنتوس في ضمّ الإسباني فرناندو لورنتي من أتلتيك بلباو، لكنّه لا يعتبر من طينة اللاعبين العمالقة الذين بإمكانه إعادة شيء من بريق الماضي إلى "السيّدة العجوز" والدوري الإيطالي بأكمله. ويبدو أنّ لويس سواريز من الأهداف التي يسعى يوفنتوس إلى تحقيقها الموسم المقبل خصوصاً أنّ احتمال رحيله عن ليفربول أصبح ممكناً بسبب مشاكله في الدوري الممتاز وآخر فصولها إيقافه لعشر مباريات بسبب عضّه مدافع تشلسي الصربي برانيسلاف إيفانوفيتش. كما يبدو الأرجنتيني غونزالو هيغواين من الأهداف المحتملة أيضاً ليوفنتوس لأنه يريد أن يلعب دوراً أساسياً وليس الاكتفاء بالتناوب مع بنزيما على مركز رأس الحربة في ريال مدريد. وتتحدّث وسائل الإعلام الإيطالية مؤخّراً عن احتمال عودة السويدي زلاتان إبراهيموفيتش إلى يوفنتوس الصيف المقبل رغم موسمه الأوّل الناجح جدّاً مع باريس سان جيرمان. إنّ البحث في أسماء اللاعبين الحاليين ليوفنتوس يظهر أنّ "بيانكونيري" لا يملك فعلاً سوى لاعبين من الطراز الرفيع جدّاً، رغم وجود عدد كبير من الدوليين في صفوفه مثل المدافعين جورجيو كيليني وليوناردو بونوتشي ولاعب الوسط كلاوديو ماركيزيو، وهما نجم الوسط أندريا بيرلو والحارس القائد جيانلويجي بوفون. لكنّ بيرلو يبلغ من العمر 33 عاماً وهو لم يقدّم هذا الموسم نفس المستوى الذي ظهر عليه الموسم الماضي أو في كأس أمم أوروبا 2012 حين تألّق وقاد إيطاليا إلى النهائي. وعلى يوفنتوس أن يبحث عن لاعب بإمكانه تدريجيّاً أن يستلم مهام بيرلو في وسط الملعب لكي يتجنّب صدمة الفراغ التي اختبرها بعد اعتزال لاعبين من طراز "الدينامو" التشيكي بافل ندفيد. كما على يوفنتوس أن يعزّز مقاعد الاحتياط التي تفتقد إلى اللاعب البديل الذي بإمكانه أن يقلب نتيجة المباراة أو أن يسدّد الفراغ في حال إصابة أحد ثلاثي الدفاع كيليني وبونوتشي وأندريا بارزاغلي، وذلك لأنّ البدلاء مثل الأوروغواياني مارتن كاسيريس وفيديريكو بيلوزو أو سيموني بادوين، الذي عاش كابوساً أمام بايرن ميونيخ، ليسوا بالمستوى المطلوب. ومن أجل إلقاء الضوء بشكل أفضل على الفارق بين يوفنتوس وفريق مثل بايرن ميونيخ، فالأخير خاض مواجهته مع الفريق الإيطالي بإبقاء لاعبين كبار مثل ماريو غوميز أو البيروفي كلاوديو بيتزارو على مقاعد الاحتياط، وهذه "رفاهية" لا يملكها "بيانكونيري" ويأمل أن يختبرها في المستقبل القريب من أجل إعادة الاعتبار لنفسه وللكرة الإيطالية بشكل عام على الساحة القارّية.