لندن ـ سليم كرم
توصَّلت دراسة مهمة إلى أنّ التلوّث الناجم عن المركبات التي تعمل بالديزل يُوقف نموّ رئة الأطفال، مما يجعلها تتضرر مدى الحياة، ويعدّ هذا البحث الذي أجري على أكثر من 2000 طفل من طلاب المدارس في لندن، أول دراسة من نوعها في مدينة يعدّ فيها التلوث بالديزل من العوامل المهمة، وله تداعيات على المدن في جميع أنحاء العالم، كما أظهرت الدراسة أن رسوم منع الشاحنات الملوثة من دخول المدينة قللت من تلوث الهواء قليلا لكنها لم تقلل من الضرر الذي يلحق برئة الأطفال.
تصنّف منظمة الصحة العالمية تلوث الهواء، الذي يسبّب 7 ملايين حالة وفاة مبكرة كل عام، حالة طوارئ صحية عالمية، 90٪ من الأطفال حول العالم يتنفسون الهواء غير الآمن، فالأطفال يتأثرون خصوصا بالهواء السام، وربطت الأبحاث السابقة ذلك بأوزان المواليد المنخفضة، والوفيات المفاجئة، والسمنة، ومشاكل الصحة العقلية.
معظم المناطق الحضرية في المملكة المتحدة بها مستويات غير قانونية من التلوث بالنيتروجين (NO2)، وتعرضت الحكومة لثلاث هزائم قانونية بسبب عدم كفاية خططها، لقد كشفت خطة العمل الحكومية الأخيرة، والتي وصفها المحامون البيئيون بأنها "مثيرة للشفقة"، أن تلوث الهواء أصبح أسوأ مما كان يُخشى في السابق.
وقال البروفيسور كريس غريفيث، من جامعة كوين ماري في لندن، الذي قادت فريق البحث: "إننا نربي جيلا من الأطفال الذين يعانون من قصور في قدرة الرئة، وهذا يعكس صناعة السيارات التي خدعت المستهلك والحكومة المركزية، والتي لا تزال تفشل في اتخاذ إجراء حاسم لضمان خفض حركة المرور في المدن، يرغب الجمهور بشدة في تحسين نوعية الهواء، وهم على حق".
ووجدت الدراسة، التي نشرت في مجلة لانسيت للصحة العامة، أن طاقة الرئتين لدى الأطفال انخفضت بنسبة 5٪ عندما كان التلوث من ثاني أكسيد الكبريت أعلى من المستويات القانونية، وقال جريفيث إن قدرة الرئة تبلغ ذروتها في سن 18 عاما ثم تنخفض، وقال: "إذا كانت رئتيك أصغر بالفعل مما ينبغي أن تكون عليه عند دخولك مرحلة البلوغ، فعند انخفاضها مع تقدم العمر ستكون أكثر عرضة للوفاة المبكرة"، بالإضافة إلى زيادة خطر الإصابة بأمراض الرئة.
وقال الباحثون إن الأطباء يجب أن يفكروا في إبلاغ والدي الأطفال الذين يعانون من مشاكل في الرئة لتجنب العيش في مناطق عالية التلوث إن أمكن، أو للحد من تعرضهم له، وقال المحامي البيئي أندريا لي: "هذه الدراسة الجديدة تكشف عن إرث فظيع من فشل الحكومات المتعاقبة بشأن الوصول لمستويات غير قانونية من تلوث الهواء"، وأضاف بشأن المنطقة منخفضة الانبعاثات التي من المُخطط بدء العمل بها في لندن في أبريل/ نيسان 2019، لكن لي يقول: "هناك حاجة إلى العمل على المستوى الوطني".
واختبر البحث الجديد قدرة الرئة لأطفال تتراوح أعمارهم بين 8 و9 أعوام من 28 مدرسة ابتدائية في جميع أنحاء شرق لندن بين عامي 2009 و2014، وبدأت بعد أن تصاعدت الاتهامات بشأن تلوث الهواء بالديزل، واستمرت بعد تشديد القواعد في عام 2012. تم تقليل تلوث الهواء بمتوسط 1-2 مغم لكل متر مكعب على جانب الطريق، لكن في نهاية الدراسة كان المتوسط السنوي لا يزال نحو 70 مغم لكل متر مكعب، وهو أعلى بكثير من الحد القانوني 40 مغم لكل متر مكعب.
وستطبق نتائج الدراسة على العديد من المدن، قال غريفيث إن "جودة الهواء في لندن سيئة، لكنها سيئة بشكل مماثل في مدن ومدن أخرى في جميع أنحاء أوروبا، وبالطبع في الهند والصين الأمر سيئ للغاية".
وكشفت صحيفة "الغارديان" في عام 2017 أن مئات الآلاف من الأطفال يتعرضون لمستويات غير قانونية من تلوث الهواء من سيارات تعمل بالديزل في المدارس ودور الحضانة في إنجلترا وويلز، مع تضرر أشد الأحياء فقرا.
يحتوي البحث الجديد على "العديد من نقاط القوة البارزة"، بما في ذلك قياسات مفصلة لتلوث الهواء وبيانات عالية الجودة بشأن صحة الجهاز التنفسي للأطفال، وفقًا إلى تعليق هانا بوغارد وأنيمون فان إيرب من معهد التأثيرات الصحية في بوسطن، في مجلة لانسيت للصحة العامة، لكنهم لاحظوا أنه من غير الممكن إشراك مجموعات مراقبة في الدراسة، وأن تخفيضات النيتروجين كانت صغيرة للغاية، مما يجعل من الصعب ربط تلوث الهواء بالرئتين المصابتين، ومع ذلك، فقد تم عرض وصلة ذات دلالة إحصائية قوية، وتشير الدلائل من كاليفورنيا إلى أنها صلة سببية لأن تلف رئة الأطفال انخفض مع تحسن جودة الهواء بين عامي 1994 و2011