فتيات لاجئات يروين من خلال كتابة الشعر قصص مختلفة عن أوطانهم

اتجهت الكاتبة والصحافية والشاعرة كيت كلانشي إلى التدريس للاجئين في مدرسة أكسفورد سبيرز أكاديمي والتي تضم طلاب يتحدثون أكثر من 50 لغة، وأشارت كلانشي إلى فصل المعلمة "تي" الذي يضم طلاب من 15 دولة مختلفة، فبعضهم ولد في بريطانيا لأبوين من بنغلاديش وباكستان، وبعضهم مهاجرين من أوروبا الشرقية أو البرازيل وبعضهم لاجئين من مناطق الحرب في العراق وكردستان وأفغانستان، ولكن لم يتحدث أحدهم عن بلادهم كثيرا، وعادة ما نلزم اللاجئين في هذا البلد بسرد قصص وصولهم من مسؤولي الحدود والعاملين الاجتماعيين والعاملين في مجال الأعمال الخيرية جميعهم يريدون معرفة قصصهم إلا أن النتائج المترتبة على حكي قصص خاطئة وخيمة، وأفادت كلانشي " في مدرستنا هناك قانون الصمت حيث يقبل المعلمون الطلاب الجُدد بشكل متساو مع الجميع ويحاولون تلبية احتياجاتهم، ويتحدث الطلاب إلى بعضهم البعض بالإنكليزية في مجموعات عرقية مختلطة، ويعد ذلك شيء جيد لكنه يترك العديد من القصص دون حكيها وخصوصا القصص الملتهبة في مناطق الحرب ومدى بشاعة المكان والأشياء الفظيعة والعار العالق في الأذهان"، ويقول أحد الطلاب " لا أتذكر، جئت من بلدي عندما كان عمري 6 سنوات ولكني لا أتذكر لغتي".

 

وأردفت كلاشي " كانت قصيدة برايا بمثابة مفتاح سحري عندما قرأتها على الفصل وسألت الطلاب عن قائمة من الأشياء التي لا يتذكروها من طفولتهم، وخلال نصف ساعة كان لدينا 30 قصيدة، حيث كتبت الطالبة سانا عن لغتها الأم قائلة : يا له من عار أن أنسي لغتي، فيما كتب الطالب إسماعيل الذي يتكلم بالكاد 3 صفحات ناهية كلماته ب : لا أتذكر الصبي الذي لا يخاف الذي كنته، لا أتذكر بلدي بنغلاديش، ولذلك فكرت في عمل قصيدة شعرية جماعية، ولكني في الحقيقة لم أفعل ذلك لمساعدة الأطفال في إبراز صوتهم حيث أعمل منذ 3 سنوات في المدرسة بدوام جزئي بتمويل من مؤسسة فيرست ستوري الخيرية، ولكني أعتقد أنه حان الوقت للفوز بجائزة فويلي للشعراء الشباب السنوية، وتجري المؤسسة الشعرية المسابقة سنويا والجائزة دورة كتابية لمدة أسبوع لكل الفائزين الصغار، وكنت أحكم الجائزة وأدير الدورة في عام 2006 ولمدة 7 سنوات، وقامت المجموعة التي علمتها بنشر أشعارها مع مؤسسة فابر وأصبحوا يكتبون في الصحف القومية، ومن خلال دمج مجموعة الشباب الموهوبين معا تغيرت حياتهم، وأردت أن يحدث ذلك مع مجموعة من طلابنا ليس فقط في مجال الشعر ولكن من حيث حس الإلتزام والتواصل أيضا، وأعتقد أن طفل واحد فقط يمكنه إعادة رأس المال الثقافي من رحلة واحدة".

 

وتابعت كلانشي "أعتقد أنه يمكنني إيجاد فائز بالجائزة بين الطلاب المهاجرين، وعندما بدأت العمل في المدرسة كنت أفترض مثل بعض من الصحافة البريطانية أن تحدث الإنكليزية كلغة إضافية لأغراض الكتابة مجال يحتاج إلى عملا إضافيا، إلا أن طلاب مثل بريا غيروا رأيي، وأتذكر التدريس لها العام السابق في ورشة الشعر مع السيدة بي في إطار مجموعة مختلطة ضمت محجبات الذين جاءوا من مدرسة دينية مفلسة وكانت بريا كالظل الهادئ بينهما، وأرسلتني السيدة بي مع مجموعة من الطلاب للعمل على قصيدةCarol Ann Duffy، وكانت بريا صامته على الرغم من ضوضاء الطلاب حتى رأيت ما كتبته، وكانت قصيدة قوية للغاية على الرغم من أنها غادرت بنغلاديش عندما كان عمرها 6 سنوات، ويعني ذلك أنه ربما يكون لدينا طلاب مثلها في المدرسة وهم يشكلون ثروة لنا، والأن أحاول خلق فريق من الطلاب  الذين ألهمتهم الخسارة وأريدهم  أن يتحولوا إلى الداخل بدلا من الخارج، ومازلت أشعر أن كل منهما يتحدث بلغتين ويعيش في عالمين وقررت أن يقتصر فريقي على الفتيات وخصوصا ممن جاءوا من عائلات صارمة بحيث يشعرون بالحرية في التحدث عند عدم وجود الأولاد، وطلبت من القسم الإنكليزي بعض الفتيات الأجانب الهادئات".

 

وتعاونت المعلمات مع كلاشي حيث قالت السيدة بي "لدي فتاة من أجلك إنها كالا وجاءت في الفصل الدراسي الماضي، وكتبت شئ يشبه القصيدة الشعرية"، وأضافت السيدة" W": " فازت شاكيلا في مسابقتي إنها جيدة جدا لكنها ليست هادئة تماما"، وتابعت السيدة تي "لدي فاطمة"، وأوضحت السيدة بي "يمكنك استخدام غرفتي"، فيما قالت السيدة" أ": " عليك إيجاد اسم أخر سيكون لديك مشكلة في كتابة كل ذلك على القمصان"، وتابعت كلاشي " بالفعل تم اختيار اسم Other Countries Poetry Group رسميا لفترتين مع البداية في عيد الفصح 2013، وكنا نلتقي كل خميس وقت الغداء في غرفة السيدة بي المرتبة، وانضمت بريا المحجبة وشقيقتها الصغيرة ديشا إلى المجموعة وصديقتها النحيلة نيلام، وهناك أيضا فاطمة ومريم مع نظارتهم السميكة وهما من الهند وكالا والسيدة بي من سريلانكا وشاكيلا من أفغانستان وإيستر الشقراء من المجر، ولم تشعر الفتيات بصعوبة بعض القصائد مثل قصيدة أودين Look, Stranger، وعند قرائتها بدأت إيستر تكتب عن سهول المجر، بينما كتبت شاكيلا قصيدة عن الوصول إلى المطار مع حقائب مليئة بالقواميس الضرورية".

 

 

وأردفت كلانشي " عندما نظرت إلى السيرة الذاتية الخاصة بالفتيات في المجموعة الطامحين للفوز بالجائزة كانت أمنياتهم في الحصول على دورة أدبية، ولم يكن لديهم فكرة عن معنى وجود وكيل أدبي، ووجدت أن بريا علمت نفسها الكثير من خلال الأفلام الوثائقية على بي بي سي 2 والقرآن الكريم، واستنتجت أنها ستفعل جيدا في مقابلة أوكسبردج، وبمرور الوقت أصبحت الفتيات أكثر ثقة في أنفسهن وأكثر إنسانيا وأقل مرونة وتحدثوا إلى بعضهم البعض، والحقيقة أن هدفي في خلق مجموعة للفوز بجائزة الشعر أحيانا يعاني من خطر الزوال، حيث امتلأت الغرفة أحيانا بالبهجة وأحيانا بالإحباط، وكتبت فاطمة قصيدة نصفها باللغة الإنكليزية ونصفها بلغة الأوردو وظلت تضحك حتى سقطت تحت ردائها الطويل وحذائها ذات الكعب العالي".

 

وأوضحت شاكيلا أنها لم تكن مسلمة سنية مثل معظم المسلمين في أفغانستان ولكنها من الشيعة حيث جاءت من أقلية الهزارة، وهنا تسائلت بريا " دهشت عندما اكتشفت أن هناك أنواع مختلفة من الإسلام سنة وشيعة، لم أكن أصدق ذلك، وسألت أستاذي في المسجد إن هذا ليس صحيحا كيف يحدث ذلك"، فيما ذكرت ديشا شقيقتها " هناك قرآن واحد ورب واحد"، وتابعت بريا " آنستي لا تضحكي، عندما كنت طفلة كنت أعتقد أن التليفزيون حقيق الأبيض والأسود هذا كان التليفزيون الخاص بنا، وكنت أعتقد أن الماضي أيضا أبيض وأسود، ثم اكتشفت أنه ملون، وكان ذلك نفس إحساسي عندما اكتشفت وجود شيعة وسنة، حينها أدركت أنني مخطئة"، وذكرت شاكيلا " تعلمون في بلدي قبضوا على الإرهابي ووضعوه في التلفاز وقال أنه يفعل ذلك من أجل طالبان لكنه لا يعلم أي شئ" ثم تحولت إلى العربية وقالت " السلام عليكم" وقالت إيستر " ما هذا"، فأجابت ديشا " السلام عليكم. إنها تحية"، ثم تابعت بريا " كيف يمكن لمسلم أن يكره مسلم آخر، إنه شئ بشع".

 

وأردفت مريم " أنستي لا تضحكي ولكني لم أتعلم القراءة أو الكتابة حتى عمر العاشرة"، ثم روت فاطمة قصة مشكلة عائلتها مع نظام التأشيرة، واتفق الجميع على عدم عدالة نظام الفيزا، ويصبح السؤال كيف يمكنك التمييز بين كالا وشاكيلا اللتات غادرتا بلادهما بسبب الحرب وأيسر وفاطمة اللتان غادرتا بسبب الكوارث الاقتصادية، وتابعت كلانشي " في إحدى الأيام كنا في شهر رمضان في يوليو/ تموز وكان يوم رياضي وكانت بريا وشاكيلا شحبات جراء الصيام ثم أعطتني شاكيلا ورقة عو موضوع قدمته للموجموعة الأسبوع القادم عن آذان الصباح في المساجد في أفغانستان وأجهزة الإنذار في الشوارع الإنكليزية، وأثناء تجاذب الحديث نظرت إلى خلفية الورقة لأجد بعض الكلمات التي كتبتها شاكيلا وتحكي عن رجال يرتدون أوشحة ويحملون حقائب على ظهورهم وعقولهم مشبوهة، وعندما سألتها عن ذلك أجابت: كنت أحاول الكتابة عن الإرهابيين".

 

واستكملت كلانشي " لم أكن أعرف الكثير عن الإرهابيين أو شعب الهزارة الذين تنتمي إليهم شاكيلا، وبحثت عنهم في ويكيبيديا وعلمت أنهم أشخاص ذو عينين لوزيتين ويتحدثون شكلا من أشكال اللغة الفارسية، وتعرضو للإضطهاد من الجميع من غالبية البشتون في أفغانستان ومن حركة طالبان ومن الإيرانيين، وعلمت أنهم كانوا أشخاص يتمتعون بحياة طويلة ويتناولون الكثير من المشمش، وكانوا يحبون الشاعر الصوفي جلال الدين الرومي كثيرا، وعندما سألت شاكيلا عن أي نوع من الإرهابي تقصده، حكت عن ذلك اليوم الغابر الذي خرجت فيه إلى الشارع مع صديقها لترى شابا يرتدي طبقات من الملابس ويتعرق بغزارة وشعرت بشئ غريب وهربت ÷ي وصديقتها في الشوارع وهرب العديد من الناس لأن الشاب كان يحمل قنبلة حتى انفجرت القنبلة وسمعوا صوت الانفجار".

 

وأوضحت كلانشي " لم يفز أي من مجموعتي في مسابقة الشعر في سبتمبر/ أيلول حتى بريا أو إيستر، إلا أن الطالبة عصمى فعلت وكانت تنهي مرحلة الثانوية العامية وعادت إلى المدرسة بالكثير من التمكين وجلبت معها السرور، وتبعها في سنوات لاحقة العديد من الطلاب حتى أصبحت أرى المدرسة بيتا للشعر، وأصبحت أشاهد الطالبة إيستر في المكتبة بانتظام تقرأ Jane Eyre، وكانت إيستر تدرك أن التعليم طريق رائع محفوف بخطر الفقر يتطلب سعي متواصل، وهو الوسيلة الوحيدة للتعبير عن الذات وهذا ما جعلها تحصل على ممتاز في الثانوية العامة ونأمل أن تدخل كامبردج العام المقبل، وأنهت شاكيلا قصيدتها التي استغرقت 3 سنوات والتي تنتقد وعود حركة طالبان بالاستشهاد من خلال الواقع الماد لأعمالهم، وأصبحت ديشا وشاكيلا يفعلنا كل شئ سويا حيث يدرسان معا ويتحدثان عن الهجرة والنسوية ويساعدن الطلاب الجدد على تعلم كتابة الشعر، وأصبح الطلاب يحبون قصائد بعضهم البعض ويتواصلون مباشرة مع المهاجرين الجدد، وتعد قصيدة بريا بعنوان وطني الأم من أفضل القصائد التي يمكن أن أقراها على الطلاب وأطلب منهم كتابة ما لا يذكرونه عن وطنهم، إلا أن بريا لا زالت مستاءة لأنها لم تفز في المسابقة الوطنية".

وبينت كلانشي " لقد أرسلت قصيدتها 8 مرات ولكن ربما لأنها قصيرة للغاية أو ربما لأننا لا نلتفت إلى مثل هذه الأصوات التي تتحدث إنكليزية متأثرة بكل لغات العالم والهجرة الجماعية في القرن 21، ولكن في مدرستنا نقدر هذه القصيدة جدا حتى أنها معلقة في الممر بالإنكليزية بجانب غرفة السيدة بي للتذكرة بمجموعة الفتيات الهادئات الشعرية، وذهلت بريا عندما شاهدت ذلك، وبالتالي ففي كل عام يشاهدها أجيال من الطلاب وربما تلهمهم لكتابة ما لا يتذكرونه عن أوطانهم".