دكتور حسن الشافعي رئيس مُجمّع اللغة العربية

كشف دكتور حسن الشافعي، رئيس مُجمّع اللغة العربية، أبرز الجهود المبذولة في الفترة الأخيرة لتجديد الفكر، موضحًا أنه أضاف علمًا جديدًا إلى المكتبة الإسلامية هو “علم القواعد الشرعية الاعتقادية”. 

وتحدث الشافعي في حوار مُطوّل أجرته معه صحيفة "الأهرام" المصرية، عن مكانة شهر رمضان بالنسبة له، فقال: رمضان له رمزية خاصة في صلاة التراويح واستماع القرآن بقراءات متعددة، هذا على العموم. ويحضرني ونحن صبيان صغار مشاركتنا في استطلاع الهلال في مكان قريب من مسجد القرية الكبير، وكانت فرحتنا شديدة بقدوم الشهر الكريم لأننا سنصوم كالكبار، وأتذكر أيضا العادات والتقاليد الجميلة: التزاور ونسيان الخلافات، وتبادل الهدايا، ومن طقوس رمضان الخاصة قراءة القرآن في البيت في السهرة، وكان يسمى “التسهير”. 

وعن طفولته ونشأته قال: ولدت في قرية بني ماضي بمحافظة بني سويف، و”ماضي” هو أحد زعماء بني هلال. وفي قريتي حفظت القرآن الكريم، وفي منتصف الأربعينيات، الحقني أبي بالمعهد الديني في القاهرة، وربيت فيه على يد اساتذة اجلاء من بناة مصر الحقيقيين، على رأسهم الشيخ أشهب القاضي الذي قرأنا عليه ألفية ابن مالك خمس سنوات بعدة شروح. 

إقرا ايضًا: 

سلطان القاسمي يعلن عن " مجمع اللغة العربية" التاريخي قريبًا

وأضاف "بعد تخرجي في معهد القاهرة الديني التحقت بكلية أصول الدين، وبعد عام واحد بدا لي أن ألتحق بكلية دار العلوم، وسُمح لي فدرست في الكليتين في وقت واحد، وعند التخرج عينت معيدا في أصول الدين ثم اخترت دار العلوم لأستفيد بعلوم جديدة. وقمت بعمل رسالتي للماجستير عن الآمدي، وكانت أول دراسة عن الآمدي “المتكلم”. ثم أنجزت أطروحة الدكتوراه على يديْ أستاذي ومكوني الفكري والفلسفي المرحوم الدكتور محمود قاسم عميد كلية دار العلوم. وبعد مناقشتها وطبعها اتيحت لي الفرصة للسفر إلى لندن في بعثة علمية فحصلت على الدكتوراه، ثم عدت إلى مصر لأؤدي واجبي تجاه الشعب الذي أنتمي اليه، رئيسا لقسم الفلسفة في دار العلوم وأستاذا فيه، ثم وكيلا للكلية، ثم سافرت معارا إلى باكستان وقمت مع فريق عمل مصري رائع بتأسيس الجامعة الإسلامية في إسلام آباد، كما عملت رئيسا لهذه الجامعة ست سنوات". 

وواصل: صرت عضوا بمجمع الخالدين عام 1994، بعد انتهاء رئاستي للجامعة الإسلامية. وكان استاذي الحقيقي المرحوم الدكتور شوقي ضيف، أما رئاسة المجمع فكانت باختياري من قبل زملائي، ورغم شعوري بثقل المهمة، فإنني أسعى لتطوير عمل المجمع. 

وأضاف فيما يخص خطط التطوير: الحقيقة نحن ازاء مشاريع كبيرة متعددة، أذكر منها ثلاثة: اولها إصدار المعجم الكبير الذي سيبلغ نحو اربعين مجلدا. وسيكون اوسع ما عرفت العربية من المعاجم، ولكنه لن يغني عن المعجم التاريخي للغة العربية الذي سيصدر عن اتحاد المجامع العربية. الثاني: أننا سنستصدر من الدولة قانونا شاملا للغة العربية، وقد أعددناه فعلا، ونوقش في وزارة العدل، وربما يحال عن طريق مجلس الوزراء إلى مجلس النواب للبت فيه. وأخيرا: تطوير المجمع وتحديث الأدوات، وكذلك طريقة العمل طبقا للثورة الرقمية الحالية، وأرجو أن يكون المجمع في هذا رائدا للهيئات المصرية الأخري. 

وتابع : هناك الآن مقر لاتحاد المجامع العربية في أكتوبر تبرع بتكلفته “مأمون” الأمراء العرب الشيخ الدكتور سلطان القاسمي، حاكم الشارقة عضو المجلس الأعلى لدولة الإمارات العربية المتحدة. وقد وفرت الدولة المصرية مساحة الأرض المطلوبة للبناء، والواقع أن البنية التحتية لهذا المقر: المبنى والأجهزة والأدوات والمكتبة، في طور التكوين. وأود أن أوضح أن مصر احتضنت هذا الاتحاد أربعين عاما، منذ 1971 عندما كان عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين رئيسا للمجمع، وظل مجمع القاهرة يدعو الأعضاء ويرتب نشاطات الاتحاد ويتحمل مسئولياته ونفقاته طيلة هذه المدة. 

واستطرد الشافعي : المهمة الرئيسية لاتحاد المجامع، وقد بدأت فعلا، هي إعداد معجم تاريخي للغة العربية، يرصد لحظة ظهور الكلمة، سواء في العصر الجاهلي أو في صدر الاسلام أو الأموية او العباسية او الدول اللاحقة وصولا إلى الوقت الحاضر، على لسان شوقي ونظرائه...هذا التتبع التاريخي وان كان هناك طرف منه في المعجم الكبير، لكنه لا يستقصى ذلك..فلكل لغة حية في العالم معجم بل أكثر من معجم أعدته أكثر من هيئة لتاريخ تلك اللغة، يرصد تطورات مفردات تلك اللغة في الألفاظ والمعاني. ورصد هذا التطور في كل عصر بالنسبة لكل كلمة نطقت بها العرب، وبالنسبة للكلمات الأساسية التي نسميها “الجذر” وفكرة الكتابة نفسها منذ الجاهلية حتى الوقت الحاضر، هذا هو ما يعمل فيه اتحاد المجامع في مبناه الجميل، ويشارك فيه نحو 15 مجمعا في العالم العربي، وقمنا في هذا المشروع بأمرين: أولهما إعداد المنهج، والثاني تدريب عدد من الخبراء والمحررين بكل مجمع على حدة، فمجمع القاهرة مثلا ستكون فيه ثلاثة فرق تعمل على إنجاز مهمتها في المعجم التاريخي. وستخصص لها الأعمال من قبل الأمانة العامة الموجودة في 6 أكتوبر، وسيكون الإشراف الفني والتمويل بالتعاون مع مجمع الشارقة، والعمل يجري على قدم وساق. 

وتحدث رئيس مُجمّع اللغة العربية عن كتبه في مجال تجديد الفكر الإسلامي، فقال: الحقيقة هذه قضية تشغل أوساط الفكر الديني في مصر والعالم الإسلامي، فترسيخ الاتجاه الوسطي ومقاومة الأفكار المنحرفة هذه مهمة وكلها الرسول صلى الله عليه وسلم للعلماء قال : “يحمل هذا العلم (يعني العلم الشرعي) من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين ( يعني الغلو في الدين ايا كانت صورته) وتأويل الجاهلين (يعني تفسير غير المؤهلين للتفسير ) وانتحال المبطلين (يعني من يضيف إلى الدين ما ليس منه). فالمهمة إذا محددة، لكن من الناحية الواقعية يضعها علماء أصول الفقه في معادلة شبه رياضية. 

وأوضح أن "النصوص محددة ومحصورة (القرآن والحديث الصحيح والحسن) لكن الظروف والحوادث المتجددة غير منحصرة، فكيف نُخضِع غير المحصور للمحصور إذًا لابد من الاجتهاد باستنباط الأحكام للمسائل الجديدة من الأصول القديمة، لكن في الواقع تتعالى أصوات تهرف بما لا تعرف في قضية تجديد الفكر الديني.. لقد سمعت من يزعم أنه بعد وفاة الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ ليس من حق أحد مطلقا الحكم على احد بالإيمان أو بالكفر، نعم، هناك شروط يجب أن تتحقق في من يتصدى للتجديد، وأعلى الناس صوتا في الدعوة إلى التجديد هم أقلهم كفاءة له، وأهم الشروط الواجبة في من يتصدى لقضية التجديد حددها رجل عليه إجماع في الأوساط الدينية وغير الدينية هو ابن رشد، في كتابه فصل المقال : 

أولا: إتقان العربية، ثانيا: الإلمام التام بالشريعة، ومعرفة الفكر الإسلامى لا جانب واحد منه فحسب، ثالثا : الإلمام بالفكر الإنساني، فمعرفة الثقافة الإسلامية وحدها لا تكفي، بل يجب أن نعرف العالم الذي نعيش فيه فالمطلوب هو الرسوخ في العلم. 

وبشأن دعوته إلى حداثة إسلامية أصيلة، لا منغلقة ولا جامدة في تجديد الفكر، قال : الحداثة الأصيلة هي التي تواكب العصر وتعالج قضايا ومشكلات الحاضر ملتزمة في ذلك بالأصول، أعني أن نفسر النصوص الشرعية في ضوء قواعد العربية والضوابط التي تحافظ على هذه الأصول. ما قدمته هو مقترحات حول طبيعة التجديد وما ينبغي أن يوضع له من ضوابط ومن أهمها ما اقترحه وحدده الفيلسوف الإسلامي الكبير “ابن رشد” كما أشرت، وهذه الرؤية هي أساس ما ذهبت اليه في دعوتي إلى تجديد الفكر الإسلامي، وأظن ان هذه القضية تشغل كل المفكرين المسلمين وبالأخص الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر بوصفه رئيسا لهيئة كبار العلماء في الأزهر.. وربما نجد حصادا يواجه الفكر المتطرف والأفكار الداعشية التي اقتحمت الحياة الاسلامية وقدمت وجها قبيحا للثقافة الإسلامية. وروج لذلك أعداء هذه الثقافة. ونرجو على الصعيد العملي أن تنتهي المعركة مع هؤلاء. أما المعركة الفكرية فمفتوحة ومتصلة ويتولى الأزهر وشيخه مواجهتها. 

وأضاف: أن المنهج غائب في دراسة العلوم الإسلامية، لأن الأساس في الفكر هو التصدي لمشكلة. دون مشكلة لا فكر، ولحل المشكلة لا بد من أسلوب لمواجهتها ومنهج لتحليل عناصرها، وأخيرا النتائج. وقد تتحقق نتائج أو لا تتحقق، المهم أن يكون هناك أساس منهجي، وهذا ما نفتقده، لذلك أقول إن المنهج غائب. 

علم جديد

ولفت الشافعي إلى أنه صاحب مشروع ثقافي فكري، حيث قال: لا ازعم انني صاحب مشروع، وبتواضع صادق اقول إنني أضفت إلى الفلسفة الاسلامية ودراسات علم الكلام فرعا جديدا او علما جديدا هو “علم القواعد الشرعية الاعتقادية”، أصدرت فيه كتابا أول، وسأصدر فيه إن شاء الله كتبا أخري. 

وكشف عن رؤيته فيما يخص إشكالية المراوحة بين النقل والعقل، حيث قال: الحل عند ابن رشد الذي قال إن الحكمة أخت الشريعة، وقال هذا موريس بوكاي قبل إسلامه، قال إن الكتاب الوحيد الذي يتفق مع القوانين العقلية والمكتشفات العلمية هو القرآن الكريم، لكن بعض رموز الصوفية أعلوا من دور العقل، وفي الدراسات الحديثة هناك إدخال للعقل في غير مجاله. 

وتابع" هناك مجال للغيب يجب أن نقبل فيه الوحي لأن العقل لا يستطيع الحكم فيه، فالصراط مثلا وكيف يكون من الغيبيات ولا يمكن للعقل الحكم فيه هذه أمور غيبية لايتدخل فيها العقل، وأنما يتدخل في تفسير النصوص الزمنية التي تتعرض للأحكام، فيحدد القضية الأساسية ويقيس أو يقارن بين الفرع الجديد والتطبيق القديم وهو ما يسمى بالأصل ويجمع بينهما في علة، مثلا الخمر حرمت ليس لأنها سائل ولا لأنها غالية الثمن ولا لأنها تصير إدمانا، ولكن لأنها تغيب العقل، وهو أحسن ميزة للإنسان في مواجهة الملائكة، “كل مسكر خمر وكل خمر حرام”، هنا يتدخل العقل." 

التصوف والفلسفة

وفي سياق آخر، أوضح العلاقة بين التصوف والفلسفة، فقال: الفلسفة في المفهوم المصري لها ثلاثة حقول: الأول منهجي؛ الدهشة والتساؤل، وهذا هو سقراط، والسؤال وعدم التقليد والتنبه للأحداث مبدأ قرآني أصيل. وإذا كنا ننظر حولنا فكيف ننظر؟ ما أسلوب النظر؟ هذا هو المجال الأول المنطق ومنهج البحث، الثاني هو مجال العقيدة والفلسفة، هنا لكل مفكر أن يرى ما يرى ويقول هذه فلسفتي، لكن المبادئ المشتركة لكل حضارة هي التي تمثل القيم الرئيسية فضلا عن القيم الإنسانية الكبرى : الحق والخير والجمال، والثالث هو مجال الأخلاق والسلوك، وهذا هو مجال التصوف. والكاتبون في الأخلاق أنواع متعددة، هناك من يكتب بروح أرسطية كالفارابى وابن سينا وهناك من يكتب بروح دينية بحتة كالغزالي، وهناك من يكتب بطريقة هي أقرب إلى السياسة كالفارابي - في المدينة الفاضلة يرى أن مهمة الدولة هي أن تمكن كل مواطن من أن يبلغ كماله الخاص. 

واستكمل رئيس مُجمّع اللغة العربية :أرى أن أعمق تناول للأخلاق لا هو بالطريقة الأرسطية ولا بالطريقة الدينية البحتة التي لا تقوم على أصول فكرية ولا هو بانتهاج خلط السياسة بالدين، وإنما بالدراسة العميقة للإنسان وحاجاته الروحية. وهذا ما نجده في التصوف الإسلامي بدءا بالحكيم الترمذي كما نجده عند زميل الغزالي في المدرسة النظامية الراغب الأصفهاني الذي كتب كتابا رائعا يشرح فيه مفهوم خلافة الإنسان عن الله في الأرض، فيري أنها تتحقق بثلاثة عناصر هي: القيادة ولو لبيته وأهله، والعبادة التي خلقنا جميعا من أجلها، والعمارة وهي المهمة الموكلة للإنسان في الأرض لا التخريب. ويرى أنه لا يصلح لهذه الخلافة إلا من يتحقق فيه الكمال الخُلُقي، وهذا فكر عجيب كأنه معاصر. وهذا هو التناول القرآني لقضية الأخلاق. 

الغزالي

وتطّرق الشافعي إلى دور الغزالي في صياغة منهج لأصول الفقه وعلم الكلام بقوله "الغزالي مفكر مظلوم، لأنه معروف عند الدارسين باعتباره إماما صوفيا روحيا، والواقع أن أهم ابداع للغزالي أنه فقيه اصولي، كتب “العلة والتعليل” وكتب “المستصفي في أصول الفقه”، وهو الاصل في رأي الدارسين لكتاب الموافقات للشاطبي، وكان شيخ الأزهر يدرس “المستصفي” لطلبة العلم في الأزهر. الغزالي يجب أن يعرض عرضا جديدا كفقيه أصولي إلى جانب كونه شيخا صوفيا".

محمد عبده 

أما فيما يخص جهود الشيخ محمد عبده في تجديد الفكر الإسلامي، خاصة في علم الكلام، فقال : الإمام محمد عبده مجدد، يمثل الفكر الإسلامي، وناقش قضايا كثيرة مهمة في حاشيته على الدواني في علم الكلام، وقد دافع عن الاتجاه الحقيقي لابن رشد، ونفي أن يكون ملحدا كما زعموا، وبسبب جرأته بل بطولته تعرض لهجوم قاس، وهذا طبيعي لأن صاحب الفكر لا يمكن أن يرضي الجميع 

تأثير الفلسفة في المجتمع

وعمّا أذا كان للفلسفة الاسلامية تاثيرا في المجتمع الإسلامي، قال :التأثير حدث في الخارج، الدارسون الغربيون توقفوا عن ترديد أن الفلسفة الإسلامية هي مجرد صدى للفكر الإغريقي، وكانوا يزعمون أن الوجوه السمراء غير مؤهلة للفكر الفلسفي، والآن يعتذرون عن ذلك. اما عن تأثيرها في مجتمعاتنا فضعيف، لأن الإنسان ليس عقلا فحسب. إذا تكلمت بالعقل لا تتجاوز فروة الرأس، لكن إذا توغلت في الإنسان فلمست قلبه وأشواقه، واحتياجاته الاجتماعية، يمكنك التأثير فيه، ولكى يتحقق التاثير لا بد من تغيير النظرة إلى علم الأخلاق الإسلامية، إظهار الأخلاق القرآنية القائلة بالخلافة عن الله، المتمثلة في القيادة والعبادة والعمارة، وأخلاق التصوف، وبغير ذلك لن تؤثر الفلسفة الإسلامية في الجمهور 
الجهل سر التطرف

وأكّد الشالفعي أن انتشالر العنف في السلوك والتطرف في الفكر في في بعض المجتمعات الإسلامية، يعود إلى محدودية العلم، موضحا أن " الجهل يحتاج إلى أن يُدرس، وليس العلم فقط. الجهل ناتج ضيق المساحة العقلية والزمانية والمكانية، الإنسان هو الوحيد الذي يتمتع بالذاكرة، وتتراكم لديه التجارب. لابد من معرفة الماضي للانطلاق إلى واستشراف المستقبل وهذا التوجه ضعيف جدا في الفكر الإسلامي. ولا بد من معرفة العالم الذي نعيش فيه، وهناك تجارب الأمم الأخري، فنحن لسنا وحدنا. ولا بد من استشراف المستقبل، وهذا جانب ضعيف جدا في الفكر الإسلامي، فيجب النظر إلى المستقبل انطلاقا من الحاضر والماضي" . 

واستطرد :أما المتشددين والمتطرفين كالداعشيين ومن يشبهونهم فينظرون إلى غيرهم من المسلمين على أنهم جنس آخر، وانا أذكر - وكنا في إسلام آباد أن بعضهم كان لا يلقي علينا السلام لأنه لا يعتبرنا من الأمة، فضلا عن أن نكون من علمائها. هؤلاء جهال ما يعرفونه محدود جدا ..والمعروف أن العالم الحقيقي متواضع لأنه يعرف حدود علمه، اما الجاهل فيظن أنه بمحدود علمه يعرف كل شيء. هذه هي مشكلة النبت الجديد؛ ضيق الفكر والعجز، وهؤلاء لا فائدة منهم في قضية التجديد بل هم أعداؤها. وعلينا أن نفرز هذه الاتجاهات المتشددة وأن نبين وهذا ما يحدث الآن، فالمفتي يكتب في تفكيك الفكر المتشدد، وهيئة كبار العلماء معنية بإصدار مطبوعات عن القضايا المثارة وخاصة التي يتشبث بها هؤلاء، فهم مثلا يتحدثون عن الجهاد ويختزلونه في القتال، ويتحدثون عن دار الحرب ودار الإسلام. ويستبيحون دماء مخالفيهم من المسلمين، وهذه المسألة وفدت على مصر من خارجها.

نحن والغرب 

وشدّد على أن للغرب يدا في ما يحدث في بلادنا لكن ليس من مفهوم المؤامرة، حيث قال : في أمريكا 200 ألف طالب عربي يدرسون، وسيعودون إلى بلادهم..وسيكون لهم تأثير قوى في مجتمعاتهم بعد عودتهم، وهناك من يرى أن بيننا وبين الغرب سجالات تبلغ حد التدافع والصراع، مثلما نسمع أصواتا تتحدث عن التلاقي والوفاق ؟، لا محل للمواجهة، فالمسلمون في أدنى حالاتهم الحضارية والاجتماعية، ورحم الله المفكر الدكتور أحمد كمال أبو المجد الذي تنبه إلى ضرورة الحوار مبكرا، قبل عقود، وله جهد واضح منذ أكثر من أربعين عاما في محاولة التقريب وعدم المواجهة والتوافق وبناء حوار، ومقاومة التطرف ايا كان دينه ولونه، يساريا او أصوليا، محليا أو عالميا، بحيث لا يبقى الا الاتجاه الوسطى المعتدل الذي يتفق مع طبيعة الثقافة الاسلامية والروح المصرية ومن يقول بالمواجهة أحمق، إذًا لا سبيل إلا الحوار، والسجال الدائم، وهذا قائم، احيانا يكون حارا ساخنا وأحيانا يكون هادئا، والحقيقة أن الأزهر باعتباره مؤسسة دينية وطنية حريص على أن يدير حوارا مع كل الهيئات والاتجاهات والتيارات في أوروبا وأمريكا، ويدرسها ويعني بها ويتابع الفكر انطلاقا من مصالحنا وفكرنا، ليس فقط مع الزعامات الدينية. ويجب أن نتشبث بالحوار. 

طه حسين

وفي شأن آخر، أوضح رئيس مُجمّع اللغة العربية أنه في كتابه "في فكرنا الحديث والمعاصر" تعرّض لفكر طه حسين في قضيتين جوهريتين هما الهوية القومية المصرية والتعليم، فقال : في القضية الثانية “التعليم “، فرأيه دقيق وصائب، لقد انتقد اللورد كرومر ومساعده دانلوب إذ أفسدا التعليم المصري، ودفاعه عن العربية في هذا الجزء من الكتاب في منتهى الروعة حري بأن يكتب بماء الذهب، أما كلامه عن الهوية المصرية فكان بسبب توهم أن مصر بمعاهدة 36 قد نالت حريتها الفكرية والثقافية، وقد بالغ في الأمل كما حدث للبعض بعد كامب ديفيد. وهذا كان خطأ من جانبه لأنه خدع بالدعاية التي صاحبت تلك المعاهدة التي جرفتها الحرب العالمية بعد سنوات، كما رأى أن مصر تتجه دائما إلى الغرب، إلى أوروبا وإلى الإغريق، وهذا خطأ ومخالف للحقيقة. ورأيي أن أهم شيء يعبر عن طبائع الشعوب هو الأسطورة، والأسطورة المصرية تقول إن الطائر المقدس يطير مصر إلى الجزيرة العربية فيضع بيضه هناك حتى تظهر نار مقدسة، فيفقس البيض ثم يعود مرة أخرى إلى مصر هذه هي العلاقة الروحية بين مصر والجزيرة. 

وتابع "أنا أعامل المفكرين بآخر ما قالوه، في العشرينيات كانت قضية الشعر الجاهلي غائمة في فكر طه حسين ولكنه عدل ذلك وتراجع عن رأيه، والحقيقة أنه بدون الشعر الجاهلي لا يمكننا فهم القرآن، وفي كتابه مرآة الاسلام ستجد أن أول جملة في هذا الفصل هي : “القرآن الكريم معجزة النبي صلى الله عليه وسلم على رسالته” وهذا هو طه حسين الحقيقي الذي كتب في الإسلاميات: على هامش السيرة والوعد الحق" .

قد يهمك أيضًا: 

عائشة بنت عبدالله الحارثي تؤّكد أن "الحنين" تدخل الطفل إلى عالم مميّز

مركز خدمة اللغة العربية يقيم محاضرة بعنوان " اللغويات الاجتماعية العربية "