موسكو - حسن عمارة
انخفضت أسعار العقارات الجديدة في روسيا بنسبة 36% في النصف الأول من هذا العام مقارنة بنفس الفترة في عام 2014، ما أدى إلى معاناة النخبة من انخفاض أسعار النفط وتعاقب فرض العقوبات الغربية بسبب الأزمة الأوكرانية.
ويسلط هذا الانخفاض الكبير في قيمة العقارات الضوء على الظروف المالية الصعبة للعديد من أقطاب الثروات والذين يحاولون بيع بعض ممتلكاتهم حتى يتمكنوا من الفرار إلى جحورهم المترفة في الغرب في ظل التهديدات الاقتصادية التي يتعرضون لها.
وأوضح وكيل عقاري يتعامل مع منازل موسكو المترفة: "في بعض الأحيان لا يتضح الحجم الحقيقي لانخفاض الأسعار بالنسبة للأسعار المعلن عنها فالأمر يصبح واضحًا فقط عند الاتفاق سرًا بين الطرف اليائس الذي يرغب في البيع وبين المشترى الذي يبحث عن صفقة، فالأسواق تراجعت ولا توجد أية علامة لوقف هذا التراجع".
وأضاف مدير الممتلكات الإقليمية في شركة "نايت فرانك" في موسكو أليكس تريسشيف: "التخفيضات التي تصل إلى 40% أو 50% تعتمد على الوضع المالي والشخصي للمشتري"، وكما أوضح لونيد كرونغاوس من شركة "كالينكا" العقارية مؤخرًا: "إن عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي يمنع الجميع من شراء العقارات، وبالنسبة لبائعي القصور القريبة من الخطوط الأرضية لشبكة هواتف الكرملن فالخسائر تكون كبيرة".
وعرض أحد القصور الفاخرة للبيع يضم بحيرة خاصة منذ عام بقيمة 64 مليون إسترليني، وعادة ما يقدر ثمن العقارات في روسيا بالدولار تجنبًا لتراجع قيمة الروبل، ويتسع القصر لمساحة 43 ألف قدم مربع من المساحة المعيشية، إلا أنه تم تخفيض سعر القصر ليصل إلى 51 مليون إسترليني، وهناك تلميحات بأن المالك كان سيوافق بأقل من ذلك السعر أيضًا، وهذه هي حالة معظم العقارات القريبة من صفوف القلة الحاكمة.
ويظهر حجم الانهيار في أسعار العقارات الروسية منذ إعلان القصر الذهبي للبيع بقيمة 70 مليون إسترليني في بداية هذا العام، ويمكنك شراء عقار من خمس غرف للنوم بنفس هذا السعر في منطقة هايد بارك في لندن، إلا أن القصر الروسي يضم تسع غرف للنوم ومناطق معيشة على الطراز الباروكي، واثنين من حمامات السباحة والثريات والزخارف الذهبية طوال الوقت، إلا أنه ليس هناك مشترين لأثاث القصر المليء بأشجار الصنوبر الشاهقة، لدرجة أنه خلال ستة أشهر فقط تم تخفيض سعر القصر 44 مليون إسترليني ليصبح سعره 26 مليون إسترليني فقط، وهو ما يقل عن السعر الأصلي بأكثر من الثلث، ويضم القصر الفاخر غرفة نوم باللونين الأحمر والأسود والذهبي، ويبدو الأمر بعيدًا أن القصر سيباع بهذا السعر.
وأفاد أحد الوكلاء عن القصر: "يذكرنا تصميم القصر بالقصور الباروكية حيث تحتوي الغرف على الكثير من اللون الذهبي والأحجار الطبيعية والأخشاب القيمة، وبعض الغرف أرضياتها من الرخام الطبيعي، بالإضافة إلى غرفة للبلياردو والمكتبة المصنوعة من خشب البلوط الصلب وخشب الماهوجني".
وتبيع شركة " كالينكا " أحد المنازل الفاخرة في المنطقة المجاورة بقيمة 70.5 مليون إسترليني، ويعتقد أن الخصم على السعر قد يصل إلى 13 مليون إسترليني، وهناك أيضًا تمثال منحوت لامرأة عارية مصنوع من أغلفة الرصاص الصغيرة وسعره قابل للتفاوض.
ومن بين العقارات المرموقة أيضًا عقار "Skolkovskoe Shosse" المعروض للبيع بسعر 51 مليون إسترليني، إلا أن السعر قابل للتفاوض للقصر كما يحدث بالنسبة لجميع العقارات في روسيا حاليًا.
ويدعي الخبراء أن هذا القصر كان يمكن أن يتجاوز سعره 74 مليون إسترليني قبل الأزمة، حيث يضم القصر قاعة سنيما وقاعة للألعاب الرياضية وحمام سباحة وحمامًا تركيًا تقليديًا وساونا مع حمام سباحة مثلج للتهدئة، وهناك أيضا قبو للنبيذ وغرفة لتخزين الهدايا وغراج خاص يتسع لسبع سيارات، كما يضم العقار مكتبًا لسيد البيت وآخر لكبير الخدم مع غرفة طعام تتسع لـ 14 فردًا.
ويضم القصر أيضًا بيتًا مستقلًا لسكن الخدم وآخر للحراس، وفي الطابق الثاني هناك شرفة تطل على القاعة الرئيسية تضم موقدًا، وهناك غرفة نوم رئيسية مع حمامها الخاص وكذلك غرفة للراحة وغرفة لخلع الملابس، وهناك غرفتا نوم للأطفال مع الحمام وصالة للعب وغرفة نوم للمربية مع غرفة خاصة بها لخلع الملابس وحمام خاص بها، وتم بناء هذا المنزل الفاخر من قبل المصمم الشهير نانا غيتاشفيلي، ويعتمد المنزل في طرازه الداخلي على فن "ديكو" مما يثبت الوضع الاجتماعي المرموق للمالك، وبالنسبة للقاعة الرئيسية للمنزل فهي مزينة باثنين من السلالم التي تتخذ شكل "حدوة الحصان" ومزينة بإكسسوارات إيطالية.
ويعد الطريق السريع من مناطق النخبة المميزة في روسيا قبل الحقبة السوفيتية، وكان يعرف باسم "الطريق القيصر" في فترة الإمبراطورية منذ فترة طويلة في القرن الـ 16.
وكتب أحد المسؤولين في روبليوفكا: "لقد تغير الوقت ولكن استمر النبلاء في العيش في روبليوفكا، وهذا هو المكان الذي تواجدت فيه المنازل الصيفية للينين وستالين، وكذلك مساكن الصيف لأمناء العموم من خروتشوف إلى غورباتشوف"، وتم تشييد هذه العقارات المميزة منذ ما يقرب من ربع قرن حيث كانت الملكية الخاصة بدون وجود فعلي لها.
ويعتبر أحد المنزل الفاخرة "Sady Meyendorf" من منازل النخبة المعروضة للبيع، وهو ذو حراسة مشددة، ويتكون من ثلاثة مستويات ويضم حمامًا للسباحة وصالة ألعاب رياضية مع إمكانية الاستمتاع بأشعة الشمس وساونا والعديد من غرف النوم وجناحًا للأطفال، ويذكر أن المنزل معروض للبيع منذ عام تقريبا ويتراوح سعره بين 37 إلى 47 مليون إسترليني إلا أنه لم يجد مشتريًا.
وعُرض منزل أكثر تواضعًا في قرية "غوركي 10" ويضم حمام سباحة وقاعة سنيما ومكتبة وصالة ألعاب رياضية ومكانًا للخدم وخمس غرف نوم، بالإضافة إلى ثماني غرف نوم منفصلة للضيوف، للبيع بسعر 11.5 مليون إسترليني ولكن تم تخفيض سعره إلى الثلث ليصبح بقيمة 7.7 مليون إسترليني.
ويضاف إلى قائمة المنازل منزل عصري آخر مكون من أربع غرف نوم وسعره 11.2 مليون إسترليني ويقع في جوكوفكا على هامش موسكو أيضًا، لكنه لم يباع حتى الآن بالرغم من تخفيض 1.6 مليون إسترليني من سعره في عيد الميلاد، وإذا كانت هذه المنازل لأصحاب المليارات فإن المنازل المتواضعة لأصحاب الملايين تأثرت أيضًا في أعقاب هبوط الروبل منذ ضم بوتين لشبه جزيرة القرم
ومن بين عقارات الأقطاب الغنية هناك "كوخ" مع حمام سباحة في بارفيكا عرض للبيع بقيمة 6.4 مليون إسترليني في كانون الأول / ديسمبر 2014، وتشير الإحصاءات الإلكترونية إلى حالة الانهيار التي يعانى منها السوق، حيث شاهد الإعلان 727 شخصًا وأعجب به 11 فقط بينما لم يرسل أحد أية عروض للاستفسار.
وهناك عقار آخر وسط سان بطرسبرغ، وهي شقة فخمة لراقصة البالية الشهيرة اناستازيا فولوشكوفا، التي دخلت السوق ثم خرجت منه وكان سعرها بالعملة الروسية وليس بالدولار، وضبط الوكلاء سعرها من 89 مليون إلى 130 مليونًا بسبب انخفاض الروبل، إلا أنه ما زال هناك طلب لتخفيض السعر من 1.6 مليون إسترليني إلى 1.46 مليون إسترليني وهو سعر أقل بكثير مما حصلت عليه الشقة قبل بضعة أعوام، ولذلك فإنه لم يتم بيعها، وتقع الشقة في مبنى فاخر صمم في عهد القيصرية من قبل المهندس المعماري الإيطالي الشهير كارلو روسي.
وأفاد أحد الوكلاء العقاريين من شركة "MK Elite"، أن الديكور الداخلي للشقة مصنوع بأسلوب القصر التقليدي بحيث أن من يسكنها يشعر وكأنه عضو في العائلة المالكة، فضلًا عن دقة وروعة النحت والتهذيب في الديكور وكذلك إطارات المرآة المحفورة باليد، وتضم الشقة مدفأة يمكنك إشعالها في فصل الشتاء البارد وجعل المكان أكثر راحة، كما تطل النوافذ على مناظر تاريخية رائعة لمدينة بطرسبرغ واحدة من أجمل المدن الأوروبية وقلب العاصمة الثقافية لروسيا.
وتقطن راقصة البالية الشهيرة اناستازيا ( 39 عامًا) حاليًا في بريطانيا، حيث أجرها أحد معجبيها وهو المحامي المليونير أنتوني كرمان، شقة خاصة لها خارج لندن بلاديوم، للسماح لها بعرض مواهبها، كما خصص لها شقة أخرى في العاصمة وسيارة "ليموزين" بسائق خاص لها، ويطلق على راقصة البالية حاليًا "الساحرة الشريرة" ، ونفت النجمة كونها تعزم على الزواج بالرغم من انتهاء زواجها بعد وصولها إلى بريطانيا.
وتضم شقة اناستازيا غرفة طعام وصالة وغرفتين للنوم وحمام ومطبخًا واسعًا بمساحة إجمالية قدرها 196 مترًا مربعًا، وتحظى بأسقف مزخرفة بواسطة خبراء الرسم من متحف "هيرمايتيغ" في بطرسبرغ.
وهناك شقة أخرى في بطرسبرغ مسقط رأس بوتين، وتضم الشقة بيانو وغرفة خاصة للتدخين، وهي مزينة بنمط القصور والعائلة المالكة في موقع تاريخي بالقرب من كاتدرائية القديس فلاديمير، وهي معروضة للبيع بقيمة 8.07 مليون إسترليني، ويعتقد البعض أنه لولا الأزمة كان يمكن أن يصل سعر الشقة إلى 12.8 مليون إسترليني.
ويضم عقار أخر من أربعة طوابق، حمام سباحة مالح باتساع 22 مترًا مع غرف للتحكيم في المناخ في الأوقات الباردة وشرفة تطل على مهبط للطائرات، وبرغم ذلك تم تخفيض سعر العقار من 28.8 مليون إسترليني إلى 19.2 مليون إسترليني، وتتضح حالة ركود السوق من خلال تقارير هذا الشهر التي تشير إلى عدم بيع شقة فاخرة في شارع أوستوزهينكا، خلال الأشهر الستة الماضية بتكلفة متوسطة تقدر ب 4.2 مليون إسترليني.
وصرّح مدير عقارات شركة " عقارات النخبة" أن المنافسة تزداد مما يجعل ملاك العقارات يقدمون تخفيضات وخصومات كبيرة حيث يرغب كثير من المشترين في الحصول على 50% خصم وأكثر من ذلك، ويقدم البائعون تخفيض يتراوح بين 30 إلى 35% عندما يرغبون في البيع سريعًا، أما الخصم الجيد يتراوح بين 20 إلى 25%، ويعتقد بعض وكلاء العقارات أن السوق وصل إلى القاع الآن مما يعنى أن المشترين بما في ذلك المستثمرين سيقدمون صفقات قاتلة لإنعاش السوق، في حين يشك آخرون في نهاية للنزاع المرير في أوكرانيا حتى مع قلة القتال هناك، كما أنه من غير المرجح انتهاء العقوبات الغربية المفروضة على روسيا، إلا أن هؤلاء الذين يملكون الأموال ويبحثون عن الصفقات فلديهم فرص جيدة للعثور على المنزل الأمثل من حيث الموقع والميزانية والمساحة والبنية التحتية أيضًا.
ويعد السوق الآن بالنسبة لـ "عقارات النخبة" في المدينة هو "سوق المشتري" الذي يملى شروطه، حيث انخفضت أسعار العقارات بالدولار بنسبة تراوحت بين 30 إلى 40% مقارنة بالأسعار ما قبل الأزمة، وزعم مستثمر من شركة "نايت فرانك" أن تراجع السوق إلى ما يصل إلى 50% يمكن تخطيه، كما أوضح أنه ليست جميع منازل النخبة في السوق مرئية بالنسبة للجمهور، وربما يرجع ذلك إلى ضائقة مالية للباعة الأثرياء أو أن المشترين لا يريدون تسليط الضوء على صفقاتهم، مضيفًا أن هناك حوالي 40 منزلًا في قاعدة البيانات ينتمون إلى شريحة المنازل فائقة التكلفة في السوق حيث يتعدى سعرهم 25 مليون دولار أميركي، إلا أن العديد من هذه الصفقات محجوبة عن الجمهور العام.
وأوضحت المدير التجاري لأحد الوكالات العقارية تدعى ايلينا، وتدير موقع "rublyovka.ru" الذي يضم العديد من منازل النخبة، أن المشترين الرئيسيين لمنازل النخبة كانوا من المسؤولين أو كبار زعماء صناعة النفط والغاز ولكن عدد البيروقراطيين منخفض للغاية الآن من بين العملاء الجدد، ويعتقد البعض أن المشترين الأغنياء ربما حصلوا على الرشاوى وهم يشغلون مناصب عامة والتي مكنتهم من شراء العقارات الفخمة لكنهم الآن في حالة يأس للبيع.
وأشارت ايلينا إلى نقطة أخرى وهي أن المشترى يسعى إلى الاستفادة من الصفقات الجيدة القيمة بما في ذلك الأفراد الذين يجلبون رؤوس الأموال إلى روسيا، حيث قدم بوتين عفوًا بدون أية أسئلة على من يخفون ثرواتهم خارج البلاد والآن يعيدوها مرة أخرى للبلاد.
وأضافت: "أعلم أن هذا يتناقض مع ما نقرأه في الصحف من أن المال يترك روسيا ولكنى أوضح لكم تجربتي الخاصة، فهناك رجال أعمال يجلبون الأموال من الدعاوى القضائية في الخارج، ويشمل هذا البيروقراطيين الذين كانوا من رجال الأعمال من قبلن ولكن عندما حصلوا على وظائف حكومية لم يستطيعوا التملك في الخارج وكان عليهم إعادة الأموال إلى روسيا مرة أخرى".
وتابعت: "خلافًا للعديد من التقارير فإن الروس يعودون من الدول الأجنبية مثل بريطانيا وإسبانيا حيث أقاموا العديد من الاستثمارات ولكنهم يشترون في وطنهم، لقد تراجع عدد أولئك الذين يرغبون في شراء ممتلكات في الخارج، ومن قبل كانت العروض في إسبانيا وغيرها تنافسية للغاية فكان الناس يجلسون على الطاولة وهم مترددين هل يشترون هنا أم هناك ، ولكن الآن أعتقد أن هذه اللعبة انتهت، تعب الناس من اختلافات التشريعات والضرائب، مع الخوف الدائم من العلاقات مع تلك البلاد فنحن اليوم أصدقاء ولكن اليوم التالي قد لا نكون أصدقاء، مما يعنى أنه قد يتم منعك من دخول تلك البلاد، ولذلك كان الاتجاه هو العودة إلى الوطن".
ولفتت إلى أنه بالرغم من الصفقات الجيدة إلا أن الأجانب لا يشترون أي شيء في روسيا، معبرة "إن أعوام الرخاء والرغد ولت بدون شك".