الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط

حذّر أحمد أبو الغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية، من استمرار التدخلات الإيرانية في الأزمة اليمنية وتهديد الملاحة في البحر الأحمر وباب المندب، مؤكدًا أن "إيران تقوض جهود التسوية السياسية في اليمن"، مطالبًا بالعمل الجماعي لحماية الأمن القومي العربي.

وأثنى أبو الغيط على الدور الكبير والمؤثّر الذي يقوم به خادم الحرمين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي العهد الأمير محمد بن سلمان، في تفعيل العمل العربي المشترك وتنفيذ ومتابعة قرارات قمة "الظهران"، كما تحدث عن اجتماعات تعقد على المستوى الوزاري العربي خلال الشهر المقبل لحسم كثير من الملفات الشائعة.

وحذّر أبو الغيط من استمرار الأزمة المالية التي تعاني منها الجامعة العربية، لافتًا إلى أنها قد تؤدي إلى وقف نشاط الجامعة العربية خارجيًا. كما تحدث عن الأزمات في ليبيا وسورية والعراق والتحرك العربي في هذه الملفات.

 وقال عن تعهد الرئيس الصيني بعقد مؤتمر دولي لدعم فلسطين " بالفعل لمسنا التزامًا قويًا من الجانب الصيني، خلال أعمال الاجتماع الوزاري العربي - الصيني، بالعمل معًا لنصرة الحقوق الفلسطينية، بما في ذلك ما يتعلق بإمكانية عقد مؤتمر دولي لدعم الفلسطينيين سياسيًا وماليًا مشيرًا أن المسؤولين الصينيين أظهروا انفتاحًا واضحًا على التعاون والتنسيق معنا في كثير من القضايا والملفات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها، وهذا المنتدى يعد نموذجًا جيدًا للتعاون العربي مع الأطراف الدولية ذات الثقل، وربما يمكن العمل على تطويره من خلال التفكير على سبيل المثال في ترفيعه مستقبلًا إلى مستوى قمة تعقد كل عدد من السنوات يتم الاتفاق عليه بين الجانبين.

وتابع" أنا دائمًا حريص في إطار الاتصالات التي أجريها مع الشركاء الدوليين على السعي للحصول على أكبر قدر ممكن من المساندة للمواقف والأولويات العربية ,ولعل الاتصالات التي نجريها بشأن القضية الفلسطينية هي أبلغ مثال لذلك، فهي حاضرة دوما باعتبارها قضية العرب المركزية في إطار عمل مختلف صيغ التعاون العربية مع الشركاء الدوليين.

وأكّد أن القضية الفلسطينية تمر حاليًا بمنعطف مهم نتيجة القرارات والإجراءات الأميركية التي اتخذت بدءً من ديسمبر /كانون الأول 2017 والتي أغرت الجانب الإسرائيلي بالمزيد من التعنت في قبول حل الدولتين والعودة إلى طاولة المفاوضات مع الفلسطينيين وشجعته على الاستمرار في تصعيد جرائمه المرتكبة ضد أبناء الشعب الفلسطيني، التي كان من بينها قتل وإصابة العشرات من المدنيين العزل في قطاع غزة.
وأوضح قائلًا" توجد اتصالات نشطة تجرى حاليًا في هذا الصدد، سواء على المستوى العربي أو مع الأطراف الدولية، هدفها بالدرجة الأولى إعادة تأكيد الموقف العربي الداعم للقضية تأسيسًا على الثوابت المعروفة وبما يكفل قيام الدولة الفلسطينية المستقلة، وتأكيد الوضعية القانونية والتاريخية لمدينة القدس المحتلة اتساقا مع قرارات الشرعية الدولية، وضرورة التوصل إلى حل عادل لقضية اللاجئين الفلسطينيين، إضافة لتوفير الدعم المالي اللازم للأشقاء الفلسطينيين لمساعدتهم على مواجهة الضغوط المعيشية اليومية التي يتعرضون لها، بما في ذلك دعم ميزانية الأونروا.

وأشاد بالاتصالات التي قامت بها اللجنة الوزارية العربية السداسية التي شكلت في إطار الجامعة العربية في أعقاب صدور قرار نقل السفارة الأميركية للقدس، وقد أجرت هذه اللجنة التي تضم في عضويتها الأمين العام ووزراء خارجية ست دول عربية اتصالات مهمة ونشطة مع عدد من الفاعلين الدوليين المهمين كالاتحاد الأوروبي على سبيل المثال بهدف تأمين دعمهم للموقف الفلسطيني، ومن المنتظر أن يشهد اجتماع المجلس الوزاري في الجامعة العربية في سبتمبر /أيلول المقبل والاجتماع الوزاري العربي على هامش أعمال الدورة الجديدة للجمعية العامة للأمم المتحدة المزيد من النقاشات بشأن الخطوات المقبلة في هذا الإطار.

- وأكّد أن المملكة السعودية دورها أساسي ومهم في العمل العربي المشترك والرئاسة السعودية الحالية للقمة العربية، التي تمتد حتى القمة المقبلة في مارس /آذار 2019 في تونس، تعد فرصة ممتازة لإعطاء قوة دفع جديدة للتعاون والتنسيق العربي، خاصة في ظل الثقل والتقدير اللذين يتمتع بهما خادم الحرمين وولي العهد في الأوساط العربية والعالمية، وهو ما سيسهم بالتأكيد في عملية تنفيذ القرارات الصادرة عن قمة الظهران، خاصة ما يرتبط منها بالأولويات العربية الرئيسية خلال المرحلة الحالية، والأمانة العامة للجامعة على تواصل مستمر مع الجانب السعودي في هذا الصدد.

- وأشار أن وثيقة حماية الأمن القومي العربي يقع في طليعة اهتماماتي كأمين عام للجامعة، وأنا أدرك أهمية أن يترجم الاهتمام بالموضوع إلى عمل حقيقي وفعال وليس مجرد أقوال ,موضحًا"هناك عمل تم في الماضي قبل أن أتولى مهام منصبي منذ عامين، وأسعى للبناء عليه وبالفعل طرحت ورقة على وزراء خارجية الدول الأعضاء في هذا الموضوع. وقريبًا سأوجه الدعوة للمندوبين الدائمين لإجراء مناقشات غير رسمية حول الورقة.

وقال "المسألة مهمة وحيوية لمستقبلنا بصفتنا عربًا ولا نستطيع إغفالها أو تجاهلها، لكن كما سبق أن قلت نحتاج إلى بعض الحوارات الصريحة على المستوى المناسب للخروج بنتائج إيجابية,و الوضع العربي الحالي واقع تحت تهديدات كثيرة ولا يمكن بصراحة التعامل مع مصدر تهديد واحد باعتباره أولوية وإهمال الباقي، بل لا بد من أن نعمل جميعا وأن يتفهم الجميع أولويات بعضهم وهذا هو فحوى المنهج الذي أتبناه في هذا الموضوع.

- وتابع قائلًا" يوجد بالفعل تصاعد في وتيرة وحجم التدخل الإيراني في الشؤون العربية، سواء من خلال التدخل في الشؤون الداخلية لدول عربية عدة بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر من خلال دعم بعض الجماعات على غرار جماعة الحوثيين في اليمن. وهناك لجنة وزارية عربية معنية بموضوع التدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية للدول العربية تضم وزراء خارجية كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر وأمين عام الجامعة وهي تجتمع بشكل دوري للتداول بشأن هذا الأمر.

وقال"الموضوع بالنسبة إلينا لا يتعلق بالاهتمام الأميركي، وإنما يرتبط بخطورة وتداعيات المسلك الإيراني في المنطقة العربية، وعلى سبيل المثال فإن إطلاق الصواريخ الباليستية يمثل في حقيقته تصعيدًا نوعيًا ينذر بوجود نوع من النيات بتوسيع دائرة النزاع المسلح في اليمن وتقويض أي جهد يرمي لتحقيق أي تسوية للأزمة اليمنية، مع ما تمثله من تهديد صريح لأمن واستقرار السعودية وانتهاك لقرارات مجلس الأمن المتعلقة بالأزمة في اليمن وبرنامج الصواريخ الباليستية الإيراني. وكذلك الأمر فيما يتعلق بأي تهديد للملاحة في مضيقي باب المندب وهرمز والتأثير على أمن البحر الأحمر. وكنت قد تحدثت بشأن هذا الموضوع في أكثر من مناسبة مع إشارتي إلى أهمية أن يتضمن الاتفاق النووي مع إيران تناول المسلك الإيراني في المنطقة وأهمية ألا يؤدي إلى تبعات سلبية على الأمن القومي العربي وعلى استقرار وأمن الدول العربية التي يوجد تدخل إيراني في شؤونها الداخلية.

- وقال إن الملف الليبي حاضر دائمًا في جميع الاتصالات التي يجريها مع الأطراف الدولية، وكذلك في النقاشات التي تشهدها اجتماعات المجلس الوزاري والقمم العربية الأخيرة، وملف له عناصره الخاصة وتعقيداته التي تتابعها الجامعة عن قرب وتسعى للانخراط بشكل فاعل في الاتصالات الدائرة بشأنها بهدف التوصل إلى تسوية للأزمة في ليبيا. ونحن على تواصل مستمر مع مبعوث الأمم المتحدة غسان سلامة، وهناك أيضًا اتصالات يقوم بها المبعوث الخاص للأمين العام للجامعة بشكل مباشر مع الأطراف الليبية داخل وخارج ليبيا، إضافة إلى الجهد القائم من خلال اللجنة الرباعية الدولية المعنية بالأزمة الليبية التي تضم الجامعة العربية والأمم المتحدة والاتحادين الأوروبي والأفريقي، وسيعقد اجتماعها الخامس في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا.

 وتابع "لا يمكنني القول إن هناك ما يمكن تسميته بصراع إيطالي - فرنسي على ليبيا، لكن ربما تكون هناك منطلقات مختلفة للدولتين في التعامل مع الأزمة، ونحن في الجامعة حريصون على التواصل مع جميع الفاعلين الدوليين المؤثرين في هذا الإطار لتأكيد الثوابت والمواقف العربية، بما في ذلك ما يتعلق بالخطوات الواجب اتخاذها لإعادة الأمن والاستقرار بشكل كامل إلى البلاد وضمان عقد الانتخابات خلال الفترة القريبة المقبلة وعودة المؤسسات الدستورية للعمل بكفاءة، وبما يكفل أيضا الحفاظ على وحدة الأرض الليبية وهو هدف شديد الأهمية.

- وأكّد أن هناك متابعة وثيقة ومدققة من جانب الجامعة لما يجري في سورية من تطورات متلاحقة, والأزمة السورية بشكل عام أزمة شديدة التعقيد وعناصرها متشابكة، خاصة في ظل اتساع دائرة تدخل الأطراف الدولية والإقليمية فيها وعلى رأسها الولايات المتحدة وروسيا، إضافة إلى تدخل إيران وتركيا بشكل عميق في الأزمة.
وتابع " نحن على اتصال مستمر في هذا الصدد مع المبعوث الأممي للنظر في كيفية التعامل مع المعطيات المختلفة للأزمة وانطلاقًا من أولويات الموقف العربي في هذا الصدد، التي يأتي على رأسها ضرورة الوصول إلى تفاهمات سياسية بين الأطراف السورية تسمح بعودة الاستقرار إلى كل ربوع الدولة السورية والعمل على حقن دماء أبناء الشعب السوري الذي تعرض لمأساة إنسانية كبيرة.

وأوضح أن التعامل مع اللاجئين السوريين هو أحد مواضيع الأولوية في الشأن بعد أن مثل مأساة إنسانية واسعة عانى منها الملايين من أبناء الشعب السوري إضافة إلى الملايين من النازحين داخليًا. ونحن نتابع موضوع عودة اللاجئين السوريين من لبنان، ونعلم الضغوط الكبيرة التي يواجهها الإخوة هناك على مدى السنوات الأخيرة نتيجة التدفقات الضخمة للاجئين السوريين إلى أراضيه، ويهمنا بالتأكيد أن تتوفر الظروف الصحيحة والمواتية لعودة هؤلاء اللاجئين إلى ديارهم وأن تكون هذه العودة من دون أي أوضاع ضاغطة وأن تكون عودة آمنة تماما وكريمة لهؤلاء اللاجئين.

- وقال عن تصريحات ترامب بشان العراق "أعتقد أن هذا التصريح به قدر كبير من المبالغة إن لم نقل مغالطة. نعم عانى العراق على مدار الخمسة عشر عاماً الأخيرة من كثير من الصعوبات والتحديات التي خلفت وراءها كثيرًا من الضحايا من أبناء الشعب العراقي، إضافة لخسائر مادية هائلة وتراجع معدلات التنمية، إلا أن انتصار الدولة والشعب العراقي على التطرف والجماعات الظلامية هو أمر يبعث على التفاؤل بإمكانية أن تعود الأمور لنصابها الصحيح، خاصة أن العراق دولة عريقة ولديه كوادر بشرية على أعلى مستوى ويمتلك موارد جيدة للغاية.

وتابع "بالطبع ليست المهمة سهلة، ونرى أن هناك صعوبات ما زالت تكتنف تشكيل الحكومة العراقية الجديدة بعد الانتخابات، إلا أنه يحدونا الأمل بإمكانية تجاوز هذه الصعوبات خلال الفترة القريبة المقبلة، وأن تتشكل حكومة تعبر عن كل أطياف الشعب العراقي، وأن تكون هناك بشكل عام عملية سياسية ديمقراطية لا تقصي أحدا ولا تشهد أي تمييز تجاه أي فئة من فئات الشعب العراقي أو مكون من مكوناته.

- وتابع "القمم العربية تمثّل بشكل عام فرصة ممتازة لقيام تشاور بين القادة بشأن سبل التعامل مع مختلف القضايا والتحديات التي تواجهها المنطقة، بما في ذلك التحديات الاقتصادية والاجتماعية والتنموية التي ستكون محور النقاش في قمة بيروت التي ستعقد مع بدايات العام المقبل. فوجود القادة بشكل جماعي في المحفل نفسه يسمح بتبادل وجهات النظر بشكل مباشر والوصول إلى توافقات وتفاهمات مناسبة تصب في النهاية لصالح الأمة والشعوب العربية، ومع الأخذ في الاعتبار أن القمم ليست عبارة فقط عن جلسات عامة جماعية، وإنما تشهد الفترة السابقة على انعقاد كل قمة اتصالات مكثفة بشأن الموضوعات المنتظر طرحها خلالها، كما يجري عادة على هامشها عدد ضخم من الاجتماعات واللقاءات غير الرسمية التي تلعب دورًا مهمًا في التوصل إلى التوافقات. ويوجد بالتأكيد تأييد ملموس لتوجه انعقاد قمم تركز على قضايا نوعية ذات أولوية خاصة للأمة العربية خلال المرحلة الحالية، وليس فقط على القضايا السياسية، وذلك على غرار القمة الاقتصادية والاجتماعية والتنموية والقمة الثقافية التي طرحت فكرة انعقادها بناء على مبادرة من السعودية.

وقال إن الأمم المتحدة  تشكو من ضعف تحصيل مساهمات الدول في الميزانية وأعتقد أن المشكلة نفسها تعاني منها الجامعة،
- وتابع " يكون تفضيل من الدول الآن العمل في أطر ثنائية وضيقة، عن العمل في إطار جماعي كبير، ربما. لكن أقول إنه حتى مع المشكلة التي تواجهها الأمم المتحدة في تحصيل المساهمات السنوية للدول في ميزانية المنظمة، يظل الوضع في الجامعة العربية أسوأ ولا وجه للمقارنة بين ميزانية الجامعة وميزانية الأمم المتحدة، سواء من حيث حجمها أو طبيعة العمليات المطلوب تنفيذها أو توافر موارد التمويل الإضافية وغيرها من العناصر.

وأكّد أن الجامعة العربية تمر بأزمة مالية كبيرة تتفاقم عامًا بعد عام، وذلك رغم أن ميزانيتها السنوية لا تتجاوز 60 مليون دولار إلا بقليل, وهو مبلغ ليس بالتأكيد ضخما على الإطلاق قياسا بالناتج القومي العربي وقياسا بالعمليات والتكليفات المتزايدة التي تقع على عاتق الجامعة والأمانة العامة، التي يأتي بالمناسبة جزء كبير منها نتيجة القرارات الصادرة عن الدول.

ويكفي أن أقول إن العام الحالي مر منه قرابة الثمانية أشهر ولم تتجاوز نسبة ما هو مسدد من المساهمات المالية للدول الأعضاء 35 في المائة، وإن غالبية الدول لم تسدد على الإطلاق دولارًا واحدًا من حصتها في ميزانية 2018 ومن بينها دول كبيرة لها النسب الأكبر في الميزانية، وإن هناك دولا عليها متأخرات بمبالغ كبيرة منذ سنوات، وإن هناك دولا توقفت عن السداد تماما منذ سنوات عدة رغم أنها ليست في وضعية مالية صعبة. ويوجد هذا الوضع ضغوطا هائلة على عمل الأمانة العامة من بينها ضغوط تتعلق بالتكاليف الدورية لتسيير مقر الجامعة.

وتابع " حرصت منذ اللحظة الأولى لتولي مهام منصبي على تبني خطة تقشفية مستمرة لترشيد أوجه الإنفاق وفقا لضوابط محكمة، وهو ما كان له للأسف تأثيره السلبي على بعض مجالات العمل والنشاط، إلا أن استمرار تراجع نسب السداد عاما بعد آخر ينذر بالوصول إلى وضع غير مسبوق في التقشف قد يجبرنا على أمور غير معتادة، مثلا أن تتوقف الجامعة العربية عن المشاركة في النشاطات الدولية المختلفة من مؤتمرات واجتماعات، أو عدم القدرة على عقد النشاطات العربية بمقر الجامعة، وهو ما سيمثل في اعتقادي إهانة لنا جميعاً. الكل يستفيد من الجامعة العربية، والبعض لا يريد تحمل مسؤولياته تجاهها، والبعض الآخر يتصور أنه يمكنه الحصول على ميزات من دون تحمل أي أعباء. أناشد الجميع بأن يضعوا نصب أعينهم هدف الحفاظ على مفهوم العمل العربي المشترك الذي يعد في رأيي الخيار الوحيد المتاح للأمة خلال هذه المرحلة التي تشهد تحديات جسيمة.