القاهرة - صوت الامارات
مشهد مكاتب الصحف وقاعات العاملين والمراسلين في محطات التلفزة الفارغة من موظفيها تحول منظراً مألوفاً في زمن انتشار فيروس كورونا المستجد، لكن أحداً لم يكن يظن أن الخوف من التقاط الوباء سيشكل ضغطاً غير مسبوق، فاق بكثير الخوف من تأثيرات الحروب والكوارث التي كان يهرع لتغطية أحداثها المراسلون والصحفيون حول العالم. حرصهم على الوصول إلى المعلومة الصحيحة ونشرها في وقت قياسي واجه صعوبات جدية من سيل الأخبار التي تنشرها وسائل التواصل الاجتماعي، وانعكس خلطاً وتضارباً وتشكيكاً بالمعلومة نفسها وبصحتها. وفيما أدى التباعد الاجتماعي، ولجوء المؤسسات والدوائر الحكومية إلى اللقاءات والمؤتمرات عبر الفضاء الافتراضي، إلى تراجع التواصل المباشر و«المناكفات» التي كانت تنشأ بين الصحافيين والمسؤولين الحكوميين خلال ندواتهم الصحافية، كان المنع والتضييق والاعتقال سيفاً مسلطاً على الصحافيين في بلدان أخرى.
تحدي الوصول إلى المعلومات
أفادت دراسة نشرها الاتحاد الدولي للصحافيين، قبل أيام من إحياء اليوم العالمي للصحافة الذي احتفل به الأسبوع الماضي، بأن ظروف عمل الصحافيين والمراسلين حول العالم تدهورت خلال جائحة كورونا. وبحسب تلك الدراسة، فإن الاتحاد تواصل مع 1308 صحافيين في 77 دولة، وقال إن 3 من كل 4 صحافيين واجهوا قيوداً أو عرقلة أو تخويفاً في أثناء تغطيتهم لأزمة الفيروس. وقال ما يقرب من 1 من كل 4 صحافيين إنهم يكافحون من أجل الوصول إلى المعلومات من حكوماتهم أو من مصادر رسمية، واشتكى كثيرون من القيود المفروضة على حرية الحركة أو طرح الأسئلة خلال المؤتمرات الصحفية، خصوصاً الافتراضية.
وقال ثلثا الصحافيين المستقلين إنهم عانوا من ظروف عمل أسوأ، بما في ذلك خفض الأجور وخسارة إيرادات. وأكد جميع الصحفيين المستقلين تقريباً أنهم فقدوا جزءاً من راتبهم، وبعضهم فقد عمله بالكامل.
الصحة النفسية
من جهة أخرى، أثّر العمل وسط أزمة الفيروس على الصحة العقلية للصحافيين، حيث بات أكثر من نصفهم يعانون من التوتر والقلق. وفي هذا الصدد، قال الاتحاد، ومقره بروكسل، إن أكثر من ربع المراسلين قالوا إنهم يفتقرون إلى المعدات المناسبة للعمل من المنزل في ظروف آمنة، وسط إجراءات الإغلاق التي طبقت على نطاق واسع لإبطاء انتشار الفيروس.
وقال الاتحاد الدولي للصحافيين: «من اليونان إلى إندونيسيا، ومن تشاد إلى بيرو، استخدم الصحافيون كلمات مثل: غير مستقرة، ومثيرة للمشكلات، ورهيبة، وأسوأ، ومتدهورة، ومقيدة، لتقييم بيئة حرية الإعلام».
وحفلت الأنباء التي تداولتها وسائل الإعلام بالرقابة المشددة التي فرضتها بعض الدول على أخبار الجائحة، في روسيا وتركيا وإيران. غير أن الصين وقفت على رأس اللائحة، بعدما باشرت فرض تعتيم على تفشي المرض، مما تسبب في توترات غير مسبوقة بين الدول الكبرى، لم تقتصر على الخلاف الأميركي - الصيني، فقد انضمت دول أوروبية وإفريقية إلى لائحة الدول التي تطالب الصين بـ«كشف حساب» عما جرى في «ووهان».
وبعد طردها لمراسلي 3 من كبريات الصحف الأميركية، تسارعت التقارير التي تتحدث عن قيام الصين بإغلاق كثير من مواقع التواصل الاجتماعي، ومنع الصحافيين الصينيين من التحدث عما يجري في ووهان. واتهمت السلطات الصينية الكاتبة فانغ فانغ بـ«الخيانة» وإعطاء «ذرائع لانتقاد الصين»، من خلال نشرها مدونات تروي يومياتها خلال الحجر الصحي في ووهان. وتعتزم فانغ فانغ (64 سنة)، الروائية المشهورة في بلدها، نشر مذكراتها في دار نشر فرنسية، بعدما تعرضت لمضايقات من قبل السلطات الصينية.
وتروي فانغ قصتها مع الحجر الصحي من خلال سردها لـ 60 قصة متفرقة، بحسب صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية. وتبدأ القصة الأولى في 23 يناير (كانون الثاني)، لتستمر القصص على مدى فترة الحجر الصحي، نهاية شهر مارس (آذار) الماضي، الذي تعرضت له ووهان، مركز وباء كورونا المستجد، التي تحتضن نحو 11 مليون نسمة. ولم تشفع الجائزة الأدبية الصينية المرموقة التي حصلت عليها فانغ في عام 2010 لحمايتها من قمع السلطات التي حاولت مضايقتها، وحملها على التخلي عن فكرة نشر مذكراتها. وتسرد قصص فانغ مواقف إنسانية لا تمت بأي صلة للسياسة، لكن السلطات أصرت على منع نشرها.
وحسب تصنيف منظمة «مراسلون بلا حدود»، تحتل الصين المرتبة 177 في العالم (من أصل 180) في ترتيب الدول لحرية الصحافة.
مساءلة ورقابة
وحتى في الولايات المتحدة، لم يسلم الصحافيون من المساءلة التي كانت في معظمها من مؤسسات خاصة. ومع أنها لا تشير إلى نهج سلطوي ترعاه الحكومة الأميركية، فإنها كشفت عن مدى تأثير الهجوم المتواصل الذي يشنه الرئيس دونالد ترمب على الإعلام، واصفاً إياه بـ«الإعلام الكاذب».
فقد رفعت جامعة «ليبرتي» دعوى على اثنين من الصحافيين يعملان بالقطعة مع صحيفتي «بروبابليكا» و«نيويورك تايمز»، وطالبت بحبسهم لما يصل إلى عام بتهمة التعدي الإجرامي، والدخول من دون تصريح، والقيام بمقابلة شهود، لإجراء تحقيق في أواخر شهر مارس (آذار) الماضي عن أسباب إبقاء فرع الكلية الإنجيلية في ولاية فيرجينيا أبوابه مفتوحة جزئياً، رغم أوامر الإغلاق بسبب تفشي فيروس كورونا.
رئيس الكلية في لينشبورغ بفيرجينيا، جيري فالويل، أحد أنصار الرئيس ترمب، قال إن التحقيقات الصحفية مبالغ فيها. وأضاف أن الجامعة تجري دروساً عبر الإنترنت، وتلتزم بتوجيهات التباعد الاجتماعي، وأن الحرم الجامعي بقي مفتوحاً للطلاب الأجانب الذين يسكنون الحرم الجامعي، ويبلغ عددهم ألف طالب، يشكلون ثمن عدد طلاب الكلية.
مبادرات لدعم المتضررين
وفيما حفلت وسائل التواصل الاجتماعي بقصص عن فقدان عدد كبير من الصحافيين لوظائفهم، وإعلان مؤسسات تلفزيونية، عربية وأجنبية، عن تسريح عدد كبير من موظفيها، وجد بعض الصحافيين في الولايات المتحدة طرقاً لمساعدة زملائهم على دفع الإيجار أو شراء البقالة لأنهم فقدوا (أو خفضت) رواتبهم بسبب حالات التسريح من العمل والإجازات غير المدفوعة، بحسب وكالة «أسوشيتدبرس».
فقد قام صحافيون في ولاية فرجينيا بجمع أموال للتبرع لزملائهم في ولايات أخرى، فيما قدمت مجموعة من الصحافيين والمحررين الحاليين والسابقين، من ولايتي نيويورك وكاليفورنيا، قروضاً صغيرة من دون فائدة لمساعدة الآخرين في مجالهم على تغطية نفقاتهم.
يقول سيسي ويي، أحد المحررين السابقين في مجلة «بروبابليكا»، إنه انضم إلى 4 صحافيين آخرين من جميع أنحاء البلاد لتقديم قروض صغيرة للصحافيين من دون فوائد بقيمة 500 دولار، من الأموال التي تبرع بها صحافيون آخرون.
ويضيف ويي الذي يعيش في نيويورك: «اعتقدنا أنه إذا كان بإمكاننا أن نساعد 5 أشخاص، فسيكون الأمر رائعاً. لكن بعد أسبوع واحد، حصلنا على تعهدات بـ100 ألف دولار. الآن، لدينا ما يكفي من المال لتقديم 240 قرضاً، يمكن تسديدها في غضون سنة، علماً بأن كثيراً من المقرضين أعربوا عن استعدادهم لتقديمها كهدايا».
وحتى قبل جائحة كورونا التي أعادت مستوى البطالة في الولايات المتحدة إلى مستويات مرحلة الكساد الكبير عام 1929، كانت صناعة الصحافة والصحف على وجه الخصوص في وضع صعب، فقد انخفضت عائدات الإعلانات بشكل مطرد، وأصبح القراء ينشرون أخبارهم بشكل متزايد عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حيث تمثل معدلات الإعلانات جزءاً صغيراً مما هي عليه في الصحافة المطبوعة. وفي السنوات الـ15 الماضية، فقدت 2100 مدينة وبلدة أميركية على الأقل مطبوعة من مطبوعاتها، معظمها من الصحف الأسبوعية، وتقلصت العمالة في غرفة الأخبار في محطات التلفزة والإذاعات بمقدار النصف منذ عام 2004.
ومع اضطرار كثير من «الأعمال غير الضرورية» إلى الإغلاق أو تقليص حجمها بسبب الوباء، ازداد تراجع عائدات الإعلانات بشكل أكبر، مما زاد الضغط على المنشورات الإخبارية المحلية المحاصرة، وأجبر كثيراً منها على تقليص الوظائف، وخفض ساعات العمل، ودفع الرواتب، ووقف عدد من المطبوعات، أو حتى إغلاقها بالكامل.
وقد يهمك أيضًا:
الاتحاد الدولي للصحافيين يطالب بإطلاق سراح المختطفين في اليمن