مراكش ـ ثورية اشرم
هن طالبات في الكليات والمدارس العليا في مراكش، هن عاملات جنس مثل بائعات الهوى المتخصصات، لكنهن فوق الشبهات، محترمات، وبريئات في عيون المجتمع، يقدمن
خدمات جنسية على أعلى مستوى، ولهن زبائن من نوع خاص.وكشف "مصر اليوم" عن أسرارهن في ممارسة أقدم مهنة في التاريخ، في مراكش، المدينة السياحية الأكثر استقطابا من بين المدن المغربية، حيث تختلط الأجناس والألسنة، وتفتح الكليات والمدارس العليا أبوابها، وتتغير المفاهيم، وتعاش استقلالية الذات، وتصبح ظروف العيش مكلفة، وفي حاجة إلى متطلبات.في هذه الظروف، تنشط تجارة الجنس، المهنة التي يتباهى بها البعض، ويتستر عليها البعض الآخر، بطلاتها طالبات أنيقات، يتحدثن الفرنسية، ويتصفن بالنشاط والثقافة وحب الحياة، وزبائنهن رجال أوروبيين وخلجيين ومغاربة ميسورين.تجارة تنشط في شقق خاصة، وفنادق مصنفة، وفيلات فاخرة، ومزارع خضراء، مت دعا إلى طرح التساؤل "هل هن ضحايا ظروف خاصة، تحتاج إلى التفكير في تفعيل آليات البحث عن حلول انتشالهن من مستنقع الدعارة، أم هي الرغبة الجامحة في مواكبة الموضة وحياة البذخ، التي تعيشها أحياء من المدينة الحمراء، أم عصابات منظمة تصطادهن تحت البؤس، وقلة الحاجة، وترمي بهن في هذا العالم الغريب".
ويعرض "مصر اليوم" قصص أربع منهن، دفعت بهن الظروف إلى عالم هو الأبشع في الحياة، لا لنحاسبهن أو نلقي عليهن باللائمة، وإنما لنستحضر ضعفنا عن القيام بدورنا في حماية العنصر الأساسي في كل أمة، ولنراجع أفكارنا المسبقة عن فئة من الشابات، وجدن في الفساد سندًا ضد قساوة الحياة، بعدما تراجعت الدولة والمجتمع عن القيام بأدورهما الطبيعية.
نادية، التي تحضر دراسة الماستر في كلية العلوم، لم يكن سهلاً إقناعها بسرد تجربتها، فالشابة، ذات الـ 25 ربيعًا، اختارت مراكش لاستكمال دراستها، بعيدًا عن أعين العائلة، بنظارة شمسية ماركة مسجلة، تساند بها شعرها الحريري، وعدسات ملونة تضفي لمسة سحرية على عينيها، وساعة فاخرة تزين معصم يدها، بهدوء تقول وتكسر صمت المكان "رغبتي في حياة أفضل هي التي دفعتني إلى هذا العالم، الآن أعيش كما أريد، أرتدي ما أريد، أسافر حيث أريد ومتى أريد، أسكن شقة وأقود سيارة، كانت هذه أحلامي،هل حققتها بالطريقة الأمثل أم لا، لا أريد أن أعرف ذلك، ولا يهمني".
وأضافت نادية "أعيش لحظة بلحظة، وزوجي الأخير يوفر كل طلباتي، صحيح أنه لا تربطنا ورقة شرعية أو قانونية، لكن نحب بعضنا، رغم أنه لا مستقبل لي معه، لأنه متزوج، ولديه أولاد، لكن هذا آخر شيء أفكر فيه، ولا دخل لي بذلك، المهم أني لا أحتاج إلى أي دخل إضافي أو عمل".
وتابعت "لا أريد أن أتذكر كيف وصلت إلى هذه المدينة الساحرة، ولا كيف تمكنت من الدراسة الجامعية، ولا السكن الجامعي ومشاكله، والاستفزاز من طرف الكل، وأشياء أخرى أرغب في نسيانها".
وأشارت إلى أنها "اخترت هذا الطريق طواعية، ولست نادمة، أعرف أن العديد ينظر إليّ على أني عاهرة، لكني أحظى باحترام كبير بين عديد من الناس، لأني احضر الماستر، وبعده سأتفرغ للدكتوراة، وهذا هو الأهم".
أما سناء، الطالبة في السنة الأخيرة في إحدى المدارس العليا، والتي ضربت لنا موعدًا في إحدى المقاهي الراقية في حي "جليز"، وأتتنا مرتدية سروال جينز، ومعطف جلدي، وحذاء جلدي وحقيبة من نوع رفيع، ألوان تحاكي إطلالتها الساحرة، والخفيفة والبسيطة، وخاتم خطوبة يزين يدها اليسرى، وعطر تفوح رائحته الزكية في كل مكان، تبتسم قليلاً لتقول باللغة الفرنسية "أنا امرأة حرة، كلمتي هي ابنة فمي".
وأضافت، في حديثها إلى "مصر اليوم"، "قبل أي شيء، أريد القول أن طريق الدعارة مثله مثل أي طريق، ينتهي بسرعة ككرة القدم، فاللاعب عمره قصير في الملاعب، وعارضات الأزياء والعديد من المهن تنتهي بسرعة، وقد يخرج منها الإنسان ميسور الحال، أو يجر خيبات لا تعد، وندوب وجروح لا تحصى، هكذا هي الدعارة".
وأوضحت "اشتغلت فيها 7 أعوام، وقد تركتها منذ أيام، بعد أن ضربت لكم هذا الموعد، أشعر بسعادة كبيرة وأنا أودع هذا العالم المخفي في المدينة، كان زبائني من الطبقات العليا في المجتمع، ربحت الكثير، وخسرت نفسي".
وتابعت "لا أنصح أية واحدة بدخول هذا العالم، فمغرياته كثيرة جدًا، لكن ذكرياته تترك ندوبًا لا يمكن محوها، هذا الخاتم الذي في إصبعي لم أحلم به يومًا، لكن ها هو الآن في يدي، أعرف أني لن أمحي أخطائي، لكني سأحاول أن أصححها، خطيبي أوروبي، لا يهمه الماضي الملطخ".
بدورها، لمياء، البالغةمن العمر 23 عامًا، وهي طالبة، تهرّبت كثير من الحديث عن قصتها، رغم الموافقة المبدئية، استسلمت في سرد الحقيقة، التي احتفظت بها لنفسها لأربعة أعوام، بلكنة جميلة تغلب عليها مفرادت باللغة الإنجليزية، بحكم دراستها.
وأوضحت لمياء، في حديث إلى "مصر اليوم"، أنها "تنحدر من أسرة فقيرة جدًا"، وأضافت "بالكاد يستطيع والدي توفير الضروريات لعيش بسيط، بعد وفاته أصبحت الحياة أكثر قسوة وصعوبة، ما دفع أختي الكبرى لترك دراستها، بغية مساعدتي في إكمال دراستي".
وتابعت "لا أعرف كيف بدأت أجد ما أحتاجه، إلا أنني أرى أختي تخرج للعمل ليلاً وتعود عندما أكون في طريقي إلى المدرسة، وفرت لي المسكن والملبس ومصاريف تعليمي، لكن كانت تتعرض لنوبات عصبية كبيرة، لم أعرف سببها، إلا عندما عرفت أنها باعت جسدها من أجلي، فقد كانت تعاشر رجلاً غنيًا ومسنًا وأمّيًا في الوقت نفسه، ليس الواحد في حياتها بل كان هناك كثيرون، كانت تلومني دائمًا بأني السبب في دخولها هذا العالم".
واستطردت "لا شيء يبرر هذا، لا شيء حدث سوى أني دخلت مستنقع الدعارة أيضًا حتى أتخلص من كلامها، ووسائل الاتصال جعلت الأمر أكثر سهولة، حيث لم أخطط لشيء، وجدت نفسي على علاقة مع أستاذي، وبدأت العلاقات تتعدد، وتنفتح على محيط أكبر، ومواعيد وسيارات فاخرة والآف الدراهم في الليلة الواحدة، وهدايا ثمينة وسهرات خاصة، ورحلات خارج البلاد، لم يكن هذا اختياري لكنه طريق سلكته، ولا أدري كم سأستمر، ولا كيف سأخرج منه، لكني أعلم أن دراستي هي الأهم".
وفي حديث سميرة، البالغة من العمر 24 عامًا، وهي طالبة تبدو ذات مال وجمال ودراسة عليا، وسيارة وسيجارة في اليد، تسلم المشعل لسيجارة ثانية، تطارد خيوطًا من دخان سيجارتها، وسط سيارتها الجميلة، تنظر إلى عينيها في المرآة، وتبتسم بسخرية حادة متسائلة "ما الجدوى من تحقيق صحافي عن الدعارة، ينشر على صفحات الجرائد، المهم أنا أعمل في الوقت المناسب، والمكان المناسب، مع الشخص المناسب، ولا أخجل من هذا".
وأوضحت "أنا أمتهن الدعارة، لأن اعمامي كانوا على علم بأني لست ابنة أخيهم الشرعية، فقرروا حرماني من الميراث، حققت لي أمي الكثير هي وزوجها، لكن كنت أفضل الفقر والحرمان، وأعرف أنه لي أب أحمل دمه، وأشقاء أشعر بوجودهم في حياتي".
وأضافت "كل زبائني من الخارج، لم أعاشر مغربيًا، مخافة أن يكون عمًا أو أخًا أو أبًا، فأمي ماتت ومات معها السر، تأقلمت مع هذه الحياة، وأعرف شبكات متخصصة في هذا النشاط، تستقطب العديد من الطالبات، لأنهن مشغولات بالدراسة، ومحتاجات وغير قادرات على تلبية طموحهن الشخصي".
وتابعت "لا أعرف أين سأكون غدًا، لأن عالم الدعارة هو أسوء عالم يمكن أن تدخله الفتاة، ولا أتمناه لأية واحدة مهما كانت".
لم يكن من السهل دخول هذا العالم، ولا الغوص في أسراره، ولا مناقشات بطلاته، ولا التعرف إليهن وسؤالهن بشأن تطلعاتهن وأحلامنهن في المستقبل، فهمن لا يشبهن الأخريات، ولسن راضخات إلى عرض أنفسهن في الشوارع، بل هن ذكيات، يواجهن ظروفهن بطريقة ذكية، وسريعة في التخلص من مشاكلهن التي تتراكم، ليكتشفن في النهاية أنهن ضحايا الرغبة، وضحايا شبكات متخصصة في تجارة الجنس، وفي تحويل مدينة مراكش إلى عاصمة جنسية بامتياز.
وأوضح أستاذ علم الاجتماع في جامعة القاضي عياض في مراكش المصطفى السعليتي، الذي تحدث إلى "مصر اليوم" عن التقارير الحقوقية والدراسات الاجتماعية، مشيرًا إلى أن "دعارة الطالبات في المغرب عامة، لاسيما في مراكش، هي ظاهرة تتطلب تجند الجميع لمحاربتها، لاسيما في ضوء توجه سماسرة ومافيا الجنس إلى هذه الفئة من المجتمع، حيث ينصبون شباكهم أمام المدارس العليا، وعناصرهم وسط الطالبات، بغية اصطيادهن، وهن في عمر الزهور، والرمي بهن في أحضان تجارة المتعة، مستعملين أساليب مختلفة، بغية التغرير بهن، ما يدق ناقوس الخطر، لا سيما بالنسبة للسلطات الأمنية، لمتابعة سماسرة الجنس".
وأوضح أن "الدعارة جريمة يُعاقَب عليها القانون الجنائي المغربي، ما يستدعي تسليط الضوء على هذه الظاهرة، عبر الدراسة والتقصي، بغية محاولة تفسيرها، وفهم أبعادها وصيرورتها، وفق التغيرات التي تفرضُها الساحة الاجتماعية، وكذا بُغْية فهم أشكالها والوقوف على مُسَبّباتها والعوامل الكامنة وراء ارتكابها، وآثارها على الفرد والمجتمع".
وأكّد أن "الانحراف الجنسي مشكلة تواجه الإنسانية جمعاء، والمجتمع المغربي، لاسيما المراكشي، والكثير من علماء الاجتماع يُرجعون الإغراق الجنسي إلى الظروف الاجتماعية، والانحراف الجنسي يكون تابعًا لها، وبما أن المجتمع في تَغَيّر سريع ومستمر، فمن الطبيعي أن ينعكس ذلك على السلوك الاجتماعي للأفراد من الجنسين ذكورًا وإناثًا".
ولفت إلى أنه "لذلك وجب بذل مجهودات وقائية كبيرة، بغية منع تكوين شخصية منحرفة جنسيًا منذ الطفولة، عبر الاهتمام بالناشئة، والتربية السليمة، إضافة إلى تحقيق العدل الاجتماعي، وتوفير ظروف العيش الكريم، الذي هو من مسؤوليات الدولة اتجاه أبنائها".