أسيوط - سعاد عبد الفتاح
عذاب نفسي وأعصاب مفككة، قلوب تنزف حنيناً ووجدان يدمى، ذكريات وعطف وإنسانية لا حدود لها، هذا حال آباء وأمهات شهداء حادثة قطار أسيوط الذى استقبل به الأهالي يومهم الجديد مع شروق شمس 17نوفمبرمن العام الماضي، وصفه البعض بمذبحة بحر البقر الثانية، وقارن آخرون بينه و بين ضحايا كارثة إعصار ساندي في امريكا الكل أمام الحدث سواء التلاميذ يشاركون آباءهم وأسرهم الحزن و العمال، والمدرسون تائهون بين محاولات الهروب من مطاردة الفكر وأنين الواقع الحزين، وجوههم شاحبة بالسواد وألسنتهم لا تقدر على الكلام كثيراً عن الحادث. عام مضى ومازالت دماؤهم الذكية تلطح القضبان ,وآلام وأوجاع بقلوب الآباء والأمهات تنزف دما وحسرة كلما مروا على المكان الذى شهد أشلاء أبنائهم و فلذاتهم الذين راحوا ضحية الإهمال، وهي تتناثر على قضبان الموت يستعيدون الذكريات وسط بركان من الدموع. عام مضى ومازال الإهمال سيد الموقف. من قلب قرية المندرة أو كما أطلقوا عليها عقب الحادث قرية الشهداء وفى الذكرى الأولى لرحيل 52طفل من الشهداءالأبرار طلاب معهد النور الأزهري الذين راحوا فى حادث "إتوبيس الموت " نرصد الآلام التى يعيشها أهالي القرية فى ظل إهمال مازال مستمراً وكأن الأيام لم تمر وكأن حوادث ودماء أرواح بريئة لم تسِل،عامل المزلقان كماهو لم يتطور فمازالت البوابة اليدوية هي ذاته لحجز الموت فلا يوجد جهاز إنذارومازال يتلقى الإشارات بالتليفون الأرضي الذي كثيراً ما يتعطل. على الرغم من مرور عام على ذكرى حادث قطار المندرة ومازال عامل المزلقان يعمل لمدة اثنتى عشرة ساعة متواصلة ويتحمل أخطاء هيئة بأكملها صرخات علت بلسان عامل مزلقان المندرة يوضح فيها الشعارات الزائفة التى تتردد على السنة المسؤولين بتطوير السكك الحديدية يقول حمادة فوزي عامل مزلقان المندرة الأهالي بالقرية لا يطيقونني وكأن بيني وبينهم عداوة حتى السلام لايلقونه ,كلما مروا على المزلقان يديرون وجههم الناحية الأخرى على الرغم من أنني أعمل على المزلقان بعد الحادث الأمر الذى يجعلنىيأشعر بنوع من المسؤولية على الرغم من عدم معاصرتي للحادث فالمنطقة بالنسبة لهم أصبحت شؤماً ويضيف إتهامات متعددة توجه لعامل المزلقان منها الرعونة والإهمال والخطأ وأنه المتسبب فى الحادث على الرغم من أنه برئ من كل هذا. وأضاف "أنا فني صيانه ولكن نتيجة للعجز الموجود فى الهيئة من عمال المزلقانات تم إنتدابى على مزلقان المندرة عقب الحادث مشيرا إلى المعاناة التى يعيشها على مدى 12ساعة متواصلة خاصة فى ظل عدم وجود بوابات إليكترونية أو حتى جهاز إنذار، منوها الى أن المزلقانات التى أنشئت فى عصر الإنكليز هى الصحيحة أما هذه المزلقانات فعشوائية". ويقول أن عامل المزلقان إنسان كغيره من البشر له عينان فقط ولكن بهذه البوبات لابد أن يكون بأربع عيون فى الأربع إتجاهات ومن الممكن ينسى لحظة مشيرا إلى أن الوضع بالمزلقان كما كان قبل الحادث لم يتطورشئ سوى هذه البناية من أربع حوائط وسقف وقدامنا 5سنين على ما تنتهى ويستطرد قائلا ما زلت أتلقى إشارات ملاحظ البلوك بقدوم القطار عن طريق الهاتف الأرضى الذى يعمل من وقت لأخروكثيرا ما يعطل منوها على أن التليفون لايسجل مكالمات تظهر الظالم من المظلوم فى حالة وقوع حادث ,مشيرا إلى أن الإهمال من السكة الحديد وليس العمال وطالب بضرورة ربط إليكترونى بين المزلقانات و أجهزة لاسكلية تقوم بتسجيل المكالمات و كاميرات مراقبة على كل مزلقان وفى محطات الهئية ، حتى يمكن محاسبة المتقاعس والمتسبب فى الإهمال، ومن جانب آخر ويقول والد الشهيد طارق عبد الباسط إبراهيم 10سنوات وكان بالصف الرابع الإبتدائى ,الإفراج عن عامل المزلقان ورؤيتنا له تعبنا نفسيا ,كيف وهو المتسبب فى موت 52نفس بريئة وقبل مضى عام على الحادث نراه أمامنا ,وتساءل ماذا حدث كى يفرجوا عنه,مشيرا على أنه من المفروض ألا يخرج من السجن هذه الأيام حفاظا على شعورنا على الأقل ,منوها على أن أهالى بعض الشهداء كانوا عايزين يعملوا معاه مشاكل لولا تدخل البعض, وأضاف والد الشهيد طارق ,القضية كانت قضية رأى عام مشيرا إلى أن مصيبته أخف من مصائب غيره الذين فقدوا2, 3,و4, فهم أكثر تأثيرا خاصة وأن منهم من عثر على جزء من إبنه وتقول والدة الشهيد الطالب محمد جمال شحاته والذى أستشهد فى السادسة من عمره لم أنسى ولدى يوما ,وكلما أمر من على المزلقان تدمع عيناى ,وأردد حسبنا الله ونعم الوكيل , وتشير إلى أنها لن تنسى يوم الحادث فرحته الغير معتادة وهرولته إلى الباب وصوته وهو خارج من المنزل مرددا "بسم الله توكلت على الله ولا حول ولاقوة إلا بالله" ويقول جمال شحاته "مدرس"والد الشهيد محمد يوميا أنا وزوجتى ننظر إلى صورته ونبكى كلما تذكرنا منظر الأشلاء وعذابه عند موته ويضيف بأن خروج عامل المزلقان فى هذا التوقيت بالذات إستفزاز لمشاعرنا ,وكأنه لم يحدث شئ, ويذكر جمال شحاته أنه فى وقت وقوع الحادث رأينا أشياء مرضية ,وبعد ذلك كل الوعود تبخرت والموضوع نام خالص ,ومن هذه المواضيع المعهد حتى الآن لم ينفذ على الرغم من أنهم وعدوا بتنفيذه خلال شهر فقط ويضيف بأن وقت الحادث كان هناك مجموعة من الناس مثال ياسمين الحصرى وشوبير الذيم جمعوا تبرعات لإقامة مشروعات تنموية بالقرية لا نعلم أين ذهبت هذه التبرعات أما والد الشهيد عمر محمد رشاد الطالب بالصف السادس الإبتدائى ,أحد شهداء حادث إتوبيس الموت,فله رأى آخر حيث يقول أن عامل المزلقان صعبان عليه وأنا غيرمستريح لكون عامل المزلقان ألا شال القضية وحده ,مشيرا إلى أن المسئولية على عاتق جميع المسئولين بالسكة الحديد والدولة بدءا من رئيس المركز وصولا إلى رئيس الجمهورية وأضاف وقت وقوع الحادث تلقينا وعودكثيرة لم ينفذ منها شئ , منوها على أن وضع حجر أساس للمعهد بمدخل القرية كان بمثابة تهدئة للإمور وحل أزمة فقط ,مشيراإلى أن حسن مالك هو الوحيد الذى وفى بوعده عندما تبرع بقطعة أرض 26قيراط لإقامة مجمع مدارس وإنتقدوالد الشهيد شيخ الأزهر عندما وعد بإقامة معهد ازهرى بالقرية ولم يفى بوعده وقال والد الشهيد أن الجميع إستغل الحادث سياسيا عدا أبو تريكة والسيد البدوى الذى رفض حتى قيام قناته بالتصوير وتتذكر أم عمر والدة الشهيد الطفل "عمرمحمد رشاد" والتى تعمل وكيلة معهد أزهرى أن عمر قبل خروجه للحاق بإتوبيس المعهد بخمس دقائق فوجئت به يقول إنتظروا "الشيخ عمر سيتلو عليكم آيات الله قبل أن يموت شهيدا ,وأضافت ودموعها تسبق كلامها عمر أقسم أنه لن يذهب للمعهد فى العام القادم وطلب نقله إلى إحدى مدارس القرية وأضافت الحمد لله إبنى دفنته وهناك من دفن أشلاء لايعلم إن كانت إبنه أم لا مثال أهل الطفل "حسين عبد الرحمن" أما الطفلة دعاء جمال شحاته إبنة السابعة من عمرها على الرغم من مرور عام على حادث تصادم القطار بإتوبيس المعهد الذى كان يقلهم إلا أنها مازالت تتذكر آخر كلمات سمعتها قبل الحادث من معلمتها فتقول إحنا كنا فى الإتوبيس والأبله آيات قالت لنا إتشاهدوا يا ولاد إحنا هنموت وبعديها ما حسيتش بحاجه إلا وأنا فى المستشفى وتضيف دعاء كان أخويا محمد قاعد ورايا وحاول يمسك فيه لكن أنا عايشه وهو مات وراح الجنه وعلى طول بقرأ له الفاتحة وتؤكد دعاء على حبها للمعهد مشيرة إنهم فى المدرسة وزملاءها يتحدثون عن زملاءهم الذين راحوا فى الحادث ووصفت المسئولين بالوحشين المعفنين يذكر أن دعاء عبد الباسط كانت قد أصيبت خلال حادث تصادم أتوبيس معهد النور الأزهرى بقطار الصعيد بكسر فى الجمجمة ويؤكد والدى محمد وأحمد وهاشم الأشقاء الثلاثة الذين راحوا فى حادث قطار أسيوط على أنهم تلقوا وعودا كثيرة وقت الحادث لعل أهمها إقامة معهد أزهرى بالقرية وتطوير المزلقان غير أن كل هذه الوعود ذهبت فى مهب الريح وكأنها سراب وتقول سماح العسيلى معلم لغة إنجليزية ومشرف أنشطة ,أنه كان من المفترض أن يقيم المعهد حفلا سنويا كالعادة فى نهاية شهر نوفمبر وكان محمدعذب الصوت فدائما ما نسند إليه قراءة القرآن والقصائد ,وتم إختيار قصيدة تعبر عن حياة الشعب السورى ,وبعد حفظه وتدريبه عليها فوجئت به يطلب تغيير القصيدة بقصيدة "دع الأيام تفعل ماتشاء"للإمام الشافعى ,فجمعتها له من على الإنترنت , وفوجئت به يليقيها بحزن وشجن شديد , ويقول والد محمد قبل الحادث بيومين القى محمد القصيدة أمامى وطلبت منه تغييرها لما بها من حزن ,وكنت أستعد للسفرللقاهرة ,فساورنى الخوف وترددت فى السفر ,ولكنى سافرت وكان آخر كلماتى معه وصيتى له بأنه رجل البيت فى غيابى ,فقال لى لاتقلق يا أبى وربنا يرجعك بالسلامة ,ويستطرد رجعت البلد وقت الحادث ورأيت زحام شديد على المزلقان وعرفت إن القطار إصطدم بإتوبيس المعهد, ويذكر والد الشهيد وعيناه تذرفان الدموع جريت وقعدت أدور على أابنائى بين الأشلاء فوجدت أحمد وكأنه ساجد وبيده المصحف وبالقرب منه إخوته , وقتها تذكرت الأبيات التى ذكرها لى قبل سفرى ولا تجزع لحادثة الليالى ودع الأيام تفعل ما تشاء ,فقبلته على رأسه ثم ضممته بين ذراعى وإحتسبته وإخوته شهداء عند الله وتقول الأم وهى لاتصدق ما حدث ليلة الحادث كنت أتحدث معه وإخوته عن الجنه ,فسألنى محمد لوأردت آكل ديك رومى أيأتينى ؟فأجبته نعم ,ففوجئت به يقول فما بالك لومت شهيد وأخوتى شهداء أيضا ,وقتها شعرت بقبضة فى قلبى وطلبت منهم أن يناموا وتضيف بأننى فوجئت بمحمد يستقظ فى صلاة الفجر ويوقظ إخوته بل ويؤمهم فى الصلاة وعلمت بعد ذلك لماذا كان يريد الخروج للمعهد بسرعه لإنه كان ذاهبا للجنه رحمة الله علي أبنائى وجميع شهداءنا الأبرار ومن داخل معهد النور الأزهرى يقول الدكتور محمود والشيخ محمد عبد العزيز مديرا المعهد أن الحادث أستغل سياسيا وكثير من الشائعات خرجت عن حمولة الإتوبيس وغير ذلك متناسين أن هؤلاء أطفال ,وذكر بأن جامعة أسيوط تبرعت بإقامة نصب تذكارى وإقتطعت جزء من الفناء وأطلقت ليه حديقة الشهداء ,وأضاف بأن االمعهد سيقيم حفلا فى نهاية الشهر ولكنه ليس تأبينا ولكن ذكرى للشهداء وسندعو فيه جميع أولياء إمور الطلاب ,ونوه على أن المصاب بالنسبة للمعهد كبير حيث فقد المعهد 52من أعز أبنائه