قرية الصيد

قام الصياد اليوناني ستراتيس فالامويس بزيادة سرعة محرك قاربه الابيض الصغير، وتحرك خارج الميناء الموجودة في قرية الصيد التي تقع على الطرف الشمالي لجزيرة "لسبوس" ثالث أكبر جزيرة في اليونان. كانت السماء صافية بما فيه الكفاية لرؤية الجبال البنفسجية في تركيا على بعد مسافة قصيرة عبر بحر إيجه. بحيث يكون من السهل في تلك الليلة الهادئة صيد الحبار.

قبل عام، كان فالامويس والصيادون الآخرون في قرية "سكالا سيكاميناس" الصغيرة يصطادون اشياء أكثر غرابة: الآلاف من طالبي اللجوء الذين تدفقوا عبر بحر إيجه هرباً من النزاع المسلح والفقر في الشرق الأوسط وأفريقيا. وباعتبارها واحدة من أقرب المناطق إلى تركيا أصبحت القرية، التي يسكنها 100 شخص، المحطة الرئيسية في أوروبا للأشخاص الذين يحاولون الوصول الى ألمانيا في محاولة يائسة لبدء حياة جديدة.

قال فالامويس حينها: "أكون في وسط البحر ثم أرى 50 زورقا قادمًا نحوي، كنت اسرع نحوهم وكانوا يلقون أطفالهم في قاربي ليتم انقاذهم". الآن توقفت موجة اللاجئين ، واصبح الساحل الذي كانت تتناثر عليه سترات النجاة البرتقالية والقوارب المحطمة شبه نظيف، ولكن المأساة البشرية قد تركت بصمتها هنا.

هذا العام، القرية شبه خالية من السياح حيث أن الألمان، والسويديين وغيرهم من الزوار الذين توافدوا منذ فترة طويلة للسبوس قد اختاروا زيارة أماكن أخرى بسبب عدم رغبتهم في قضاء اجازتهم بمكان مرتبط الآن بمأساة بشرية. كان فالامويس يصطاد لخمسة أشهر من السنة، ولكن هذا العام طُلب منه الصيد لمدة شهر واحد فقط بسبب ندرة الزبائن.

وعندما بدأت أزمة اللاجئين، قام سكان القرية بالتجمع معاً لإنقاذ الآلاف من السوريين والأفغان وغيرهم من المهاجرين. وقال ثيانو لاوموس: "القرية بأكملها كانت فخورة بما فعلناه، كنا لا نعرف من علينا أن ننقذه أولاً لأنه كان هناك الكثير من الناس ولكننا قمنا بانقاذهم"

 

ولكن الحالة الاقتصادية السيئة التي تشهدها لسبوس والتي جاءت متزامنة مع كفاح اليونان للخروج من الأزمة الاقتصادية، جعلت بعض الناس يشعرون بالحزن بسبب أن موجة اللاجئين قد زادت من معاناتهم.

وقال الصياد نيكوس كاتاكوزينوس: "أنا لا أريد منهم العودة، لقد اضروا بالقرية والجزيرة". ومع ذلك، لا يلوم معظم السكان في "سكالا سيكاميناس" المهاجرين فالعديد من السكان المحليين هم أنفسهم أحفاد اللاجئين الذين فروا من تركيا بسبب الحرب مع اليونان في عشرينيات القرن الماضي.

وبعد أن قالت المستشارة الالمانية، انجيلا ميركل في العام الماضي أن ألمانيا ترحب باللاجئين، بدأت الآلاف القوارب في الاحتشاد. وكانت الحكومة اليونانية بسبب الأزمات الاقتصادية والسياسية غير مستعدة لذلك أبدًا، لذلك قام صيادو القرية بعمليات الانقاذ. وقال فالامويس: كان الناس لدينا في حالة صدمة، كان هناك الكثير من الأطفال. واضاف: "قمنا بانقاذ الأطفال أولاً، ثم البالغين بعد ذلك. في كثير من الاحيان كنا لا تعرف اذا كان هؤلاء الأطفال سيكونون ايتاماً ام لا، لقد رأينا الكثير من الناس يموتون"

وضعت القرية نظاماً للإنقاذ ينص على تنبيه الصيادين اذا رأى شخص قاربا للمهاجرين في خطر من أجل ان يقوموا بانقاذه. وتجمع السكان على الشاطئ لمساعدة الناجين، الذي كان بلغ اعدادهم في فترة من الفترات لحوالي 5000 شخص يومياً.

وقال أحد السكان الذين قاموا بالانقاذ، يورجوس سوفيانيس: "كانت الشوارع ممتلئة بالناس، كما أنه كان يمكنك رؤية ندبات الحرب على بعض الأطفال، حتى وإن كنت أكبر كاره للأمر فرؤية هذا  يمكنه تغيير قلبك". ووسط أزمة اللاجئين، وجد سوفيانيس خلاصه بعد وفاة ابنه وابنته  بسبب حالة نادرة من الصرع.

ولفت سوفيانيس الى انه في احد الليالي، ظهر طفل على الشاطئ يشبه كثيراً ابني المتوفي، هذا ما دفعني الى أن اقوم بمساعدة هؤلاء الأطفال لأنني لم اتمكن من مساعدة اطفالي". ومع انحسار موجة اللاجئين، لاتزال القرية تكافح من أجل العودة إلى وضعها الطبيعي، فالبعض يتوقع قدوم اللاجئين مرة اخرى. وختم فالامويس بالقول: "علينا أن نكون مستعدين، اذا حدث ذلك مرة أخرى سوف يفعل الجميع نفس الشيء، سنساعدهم".