اسير فلسطيني يحرم من الزيارات

تواصل سلطات الاحتلال التنكيل بأسير فلسطيني حَكمت عليه بالسجن المؤبدة 54 مرة بشتى الوسائل؛ حيث قرّرت أخيرًا عقابه بمنع الزيارة عنه من قِبل أسرته لمدة ثلاثة أشهر.

وذكر نادي الأسير الفلسطيني، اليوم الأحد، أنَّ مخابرات الاحتلال أصدرت قرارًا بمنع الأسير إبراهيم حامد، والمحكوم بالسجن 54 مؤبدًا، من الزيارة لمدة ثلاثة شهور، تبدأ من شهر تشرين الأول/ أكتوبر الجاري وتنتهي في بداية شهر كانون الثاني/يناير.

وذكر حامد إلى محامي نادي الأسير الذي زاره في سجن "هداريم"، أنه وعلى الرغم من أنَّ هناك منع عام على الأسرى من الزيارة منذ شهر حزيران/يونيو الماضي، إلا أنه تمّ إبلاغه بقرار خاص بمنعه من الزيارة.

وكان الأسير حامد من قيادات كتائب عز الدين القسّام الجناح المُسلّح لحركة المقاومة الإسلامية حماس ومن أبرز المطاردين الفلسطينيين لقوات الاحتلال الإسرائيلي، والتي نجحت عقب ثماني سنوات من مطاردته في اعتقاله العام 2006. 

ونشأ الأسير إبراهيم حامد الذي تجاوز الأربعين عامًا من العمر، في قرية "سلواد" شمال شرق رام الله، وسط أسرةٍ متواضعة وبسيطة، تحمّل هو وأشقاؤه مسؤولية أداء متطلبات الأسرة بعد وفاة والدهم.

وعُرِف عنه الشخصية القوية والجادة، وتحلّيه بالصبر والمكابدة تجاه ظروف عائلته الاقتصادية الصعبة، ومنذ نعومة أظافره كان أحد روَّاد المسجد، وفي شبابه كان أحد خطبائه المفوّهين، فالتزم بالدين وعمل على رفع راية الحق أينما كان.

وتلقّى الاسير حامد دراسته الابتدائية والإعدادية والثانوية في مدراس سلواد، فكان نِعم الطالب الخلوق، والمثالي، والمتفوق، ليتخرّج بنجاحٍ مع درجة امتياز من امتحان التوجيهي، وينتقل إلى جامعة بيرزيت، لتحتضنه كلية الآداب/قسم العلوم السياسية.

وتخرج من جامعة بيرزيت في تخصّص العلوم السياسية، وعمِل في مركز الأبحاث التابع لها.

كما انتقل كباحثٍ في قضايا اللاجئين إلى جامعة القدس المفتوحة برام الله، فأصدر العديد من المؤلفات والأبحاث حول القضية الفلسطينية، وأصدر أول دراسة عن القرى الفلسطينية المدمّرة العام 48 تحت اسم (قرية زرعين)، وعمل في مركز خليل السكاكيني ضمن سلسلة أبحاث ودراسات في ذكرى أحياء النكبة، وقبل أنَّ تطارده قوات الاحتلال ويتوارى عن الأنظار كليًا كان يتهيّأ لمناقشة رسالة الماجستير في العلاقات الدولية.

وعائلة إبراهيم حامد كان لها تاريخٌ طويلٌ مع مقاومة الاحتلال منذ أنَّ وطأت أقدامهم البلاد؛ ففي العام 1973 وفي إحدى المعارك في الجولان السوري المحتلّ استُشهِد شقيق إبراهيم وكان عمره آنذاك خمسةً وعشرين عامًا، كما أنّ والد زوجته الشيخ عبدالرزاق عبدالجليل حامد يُعَدّ واحدًا من المجاهدين البواسل الذين خاضوا معارك 1936 و1948.
 
وتزوج "أبو علي" عام 1998 من قريبته أسماء حامد، وأنجبت له طفلين "علي" وعمره سبع سنوات، و"سلمى" وعمرها أربع سنوات.

أمّا أسماء وبعد أنْ تعرّضت للتحقيق والاستجواب في سجن المسكوبية فقد نُقِلت إلى سجن الرملة المخصّص للنساء، وهناك احتُجِزَتْ دون محاكمة أو اتّهام غير أنّها زوجة مطاردٍ لأكثر من ثمانية أشهر، أُبعِدت عقبها إلى الأردن، أمّا أطفالها "علي وسلمى" فلم تتمكّن من لقائهما خلال مدَّة اعتقالها، كما أنّ عقباتٍ كبيرة وضعتها قوات الاحتلال أمام نقلهما إلى والدتهما في عمّان، فعاشوا تحت رعاية جدّتهم التي انضمّتْ لاحقًا إلى أبنائها في الأردن.

في حين نسفت قوات الاحتلال في السادس من شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2003 منزل إبراهيم حامد الكائن في بلدة سلواد إلى الشمال من رام الله.

وكان لحامد المسؤولية المباشرة في التخطيط والإعداد لعشرات العمليات في قلب إسرائيل ؛والتي أدّتْ إلى مقتل وإصابة نحو 68 صهيونيًا خلال السنوات السابقة، ومن بينها عملية مقهى "مومنت"، وعملية الجامعة العبريّة، وعملية "ريشون ليتسيون"، وعملية القطارات وغيرها الكثير.

وكثّفت قوات الاحتلال مطالبتها بإبراهيم حامد ومطاردته وبحثها عنه بعد اعتقال خلية سلوان وانتزاع اعترافاتٍ ضدّه عن طريق التعذيب من بعض أعضاء الخلية.
وقد وضعته أجهزة الأمن الإسرائيليّة في أعقاب العمليتين الاستشهاديتين في "الرملة" و"القدس" المحتلّتيْن في العاشر من شهر أيلول/سبتمبر 2003 على رأس قائمة المطلوبين للتصفية أو الاعتقال.

وذكرت مصادر عبريّة أنّ جهاز "الشين بيت" الصهيوني يعتقد أنّ "حامد" يقف وراء العمليّتيْن الفدائيتين اللتين تسبّبتا في مقتل 16 مستوطنًا وإصابة أكثر من 80 آخرين بجروح.

ووصفه الجهاز بأنّه "يقود عدّة خلايا تابعة لكتائب عز الدين القسام وسط الضفة الغربية، وأنّه مسؤولٌ عن عددٍ من الهجمات التي استهدفت الجنود والمستوطنين الصهاينة".

وبدأت قصة مطاردة إبراهيم حامد العام 1998، عندما أعلنت سلطات الاحتلال ورود اعترافاتٍ عسكرية خطيرة عنه من بعض المعتقلين من أبناء القرية والبلدات المجاورة لها، جميعها تؤكّد أنّه عضوٌ فاعل في كتائب عز الدين القسّام، الذراع العسكري لحركة المقاومة الإسلاميّة "حماس"، ومنذ ذلك الحين أعلنت قوات الاحتلال أنّ "حامد" هو من أخطر نشطاء حماس في رام الله.

وتوجّه "أفي ديختر" لمدينة رام الله في الأول من شهر كانون الأول/ ديسمبر العام 2003، حيث كان على رأس 300 جنديّ  يبحثون عن إبراهيم حامد.

وبدأت العملية عند الساعة الثانية عشر ليلة الثلاثين من شهر كانون الأول/ديسمبر من العام 2003؛ حيث اقتحمت قوات عسكرية كبيرة مدينتي رام الله والبيرة تتقدمها سيارات مدنية فلسطينية بداخلها قوات خاصة تتنكّر بزيٍّ مدنيّ طوّقتْ عددًا من المواقع المستهدفة.

وبدأت في تطويق 18 عمارة سكنية في ضواحي "البيرة"، "الماصيون"، "بيتونيا"، "الإرسال"، "عين منجد"، "البالوع"، والغريب في الأمر أنّ هذه القوات وعلى الرغم من اتساع رقعة عملياتها إلا أنّها في البداية لم تطلِقْ رصاصةً واحدة ولم تفرِضْ حظرًا للتجوال على السكان.

وبحسب المصادر العبريّة، فإنّ الهدف الأساسي من العملية كان اعتقال أو تصفية المسؤول الأول في كتائب القسام وهو الشيخ إبراهيم حامد، واستمرت العملية 16 ساعة وكانت النتيجة استشهاد ثلاثةٍ من مساعدي إبراهيم حامد وهم الشهداء "حسنين رمانة"، "صالح تلاحمة"، "سيد عبدالكريم الشيخ قاسم", بالإضافة إلى اعتقال 29 شخصًا منهم أحد المطاردين ويدعى "عماد الشريف"، والذي عمِلَ مهندسًا في كتائب القسام.

أمّا الآخرون فوُجِّهت لهم اتّهامات بتقديم العون والمساعدة والإيواء لمطاردين من "حماس"، وتمّ هدم عمارتين سكنيّتيْن في حي "الماصيون" ومدينة "البيرة" تحصّن بداخلهما الشهداء الثلاثة، ومع ذلك كلّه تمكّن المطارد إبراهيم حامد من الإفلات حينها من قبضة قوات الاحتلال.

 ولكن بعد ثماني سنوات من المطاردة المُضنية تمكّنت القوات الإسرائيلية من اعتقاله في 23/5/2006، وكانت قوات الاحتلال اقتحمت منطقة "البالوع" في رام الله حوالي الخامسة فجرًا، وحاصرت منزلاً مكوّنًا من ثلاثة طوابق يقع مقابل منزل رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس "أبو مازن"؛ حيث تحصّن القائد القساميّ في محل بيع المرطبات الذي يقع أسفل البناية.

عندها أجبرت قوات الاحتلال المواطنين كافةً الذين يقطنون البناية على إخلائها؛ وهم ثلاث عائلات بما فيهم النسوة والأطفال والخروج إلى العراء لمدة 3 ساعات تقريبًا، قبل أنْ تبدأ في تفجير نوافذ البناية وأبوابها.

وأطلقت وابلاً كثيفًا من قنابل الـ"أنيرجا" الحارقة على المنزل المذكور قبل أنْ تتمكّن في الثامنة صباحًا من اعتقال القائد القسامي إبراهيم حامد، وهو أبرز المطلوبين لجهاز المخابرات الصهيوني منذ أكثر من ثمانية أعوام، دون حدوث اشتباك مسلحٍ بين الطرفين حيث كانت العملية مباغتة.

وبحسب شهود عيان، فإنّ قائد كتائب القسام لم يُصَبْ جرّاء إطلاق القذائف فيما اعتقلت قوات الاحتلال أحد أنصار "حماس" من منزلٍ مجاورٍ يُدعى "ناجح ماضي" (36 عامًا)، وهو من منطقة سلفيت.

وأصدرت كتائب القسّام بيانًا تعقيبًا على عمليّة الاعتقال بحقّ الأسير إبراهيم حامد، تحت عنوان "عشر سنواتٍ من المطاردة والجهاد بدّد خلالها أمنهم وأذاقهم الويلات.. الشيخ "إبراهيم حامد" الرقم الصعب الذي أقضَّ مضاجع بني صهيون"

وأضاف البيان: "اسمٌ لطالما حيَّر دولة الكيان وأجهزتها الاستخبارية، حاولت قوات الاحتلال الوصول إليه وتصفيته مرات عديدة؛ إذْ كانوا يفتّشون عنه في المنازل والوديان والجبال وكل الكهوف، وقد أشرف (آفي ديختر) بنفسه على إحدى العمليات التي كانت تستهدفه بشكلٍ مباشر في نهاية العام 2003م، أدّتْ إلى استشهاد ثلاثةٍ من قادة ومجاهدي القسام آنذاك، وتمكّن هو من النجاة".

وأضاف البيان أنّ الصهاينة يُعِدّونه العقل المدبر لعشرات العمليات وهو مختفٍ عن الأنظار منذ مدّةٍ طويلة يخرج ليوجّه الخلايا لتنفيذ العمليات ثم يختفي مرة أخرى.
وتابع البيان: "رحلة جهادٍ مضنية أقضّ خلالها مضاجع الصهاينة وأذاقهم الويلات؛ فقد وصفه قائد القوات الصهيونية في رام الله،"روني مونا"، "لا يشعر بالصدمة إذا لم يتمكّنْ من تنفيذ عملية خلال نصف سنة هو شخص حذِر جدًا ويلتقي مع الأشخاص وهو متنكّر ويوجّه الخلايا التي لا يعرف أحدها الآخر".

وأكّدت كتائب القسّام في بيانها أنّ "هذا الاعتقال لن يزيدنا إلا ثباتًا وإصرارًا على مواصلة الطريق التي رسمها لنا شيخنا القائد، وستظلّ كلماته من خلف قضبان الحديد نبراسًا يضيء لنا درب الجهاد والمقاومة".
 
وسُئِل أحد المحامين المتابعين لملفات أسرى ومعتقلين من "كتائب القسام" في رام الله والقدس المُحتلّة، عن ملف إبراهيم حامد في جوارير المخابرات الإسرائيلية، فأجاب: "عندما عُرِض ملف الأسير عبد الله البرغوثي على هيئة المحكمة قال ممثل الدولة للقضاة العبارة التالية: "حضرات القضاة، إنّي أقدّم لكم اليوم أكبر ملفٍّ أمني في تاريخ دولتنا.. إنّه أخطر أسيرٍ في سجوننا، قتل أكثر من 78 إسرائيليًّا في أكثر العمليات الانتحارية دمويّة في تاريخنا.. وإذا سألتم من نظّم البرغوثي أقول لكم: إنّه إبراهيم حامد... إذن كلّ العمليات الاستشهادية التي خرجت من رام الله هو من يتحمل مسؤوليتها"، بحسب تعبيره.