صنعاء ـ صوت الامارات
تُعاني المرأة اليمنية بشكل كبير بعد أعوام من الدمار الذي خلفه تنظيم "داعش" في عدد من المدن ,وتحوّلت أحلام الكثير من السيدات اللاتي يرغبن في الخروج من بوتقة العادات والتقاليد,حيث أردان التغلّب على واقعهن بالخروج إلى التعليم ولكن تسبب الفقر وغياب الأمن في حرمان نحو ثلث فتيات اليمن من حق التعليم.
ورصد موقع دويتش فيلا معاناة اليمنية، رنا محمد، 17 عامًا، في إنجاز الأعمال المنزلية اليومية، وتعيش إلى جانب والدتها وإخوتها الأصغر سناً، بانتظار أن تصبح زوجةً وأماً كخيار وحيدٍ للمستقبل، بعد أن حالت جملة الظروف الأسرية والمرتبطة بوضع التعليم في البلاد، بينها وبين أحلامها بإكمال التعليم , وتعدّ رنا واحدة من عدد كبير من الفتيات اليمنيات، حُرمن من مواصلة التعليم. وتفاقمت الأزمة بسبب الحرب المأساوية التي تعيشها البلاد منذ سنوات، وضاعفت التحديات أمام تعليم الفتيات.
تحتفظ رنا بدفاترها وذكريات العام الأخير في المدرسة القريبة من قريتها في أحد أرياف محافظة إب إذ امتحنت الشهادة الأساسية التاسع أساسي، في العام 2015. ولأن المدرسة لا توفر المرحلة الثانوية، وليس بوسعها الانتقال إلى مدرسة بعيدة، لم يكن أمامها من سبيل، لتحقيق أحلامها بمواصلة التعليم، وعادت لتعيش كأغلب الفتيات اللاتي تصبح مهامهن محصورة بين المطبخ ونظافة المنزل وغيرهما من أعمال الأسرة.
وتقول والدة رنا، التي لُم يتاح لها التعليم سوى للصف الثاني الابتدائي، إن حلمها كان بأن ترى ابنتها الكبرى تكمل تعليمها حتى لا تتحسر كما حدث معها بعدم إكمال التعليم، لكن ما من خيارٍ لذهاب ابنتها مسافة بعيدة إلى مركز قرية نائية، لتدرس الثانوية. وتضيف "أشعر بالذنب عندما تجلس مع طالبات يناقشن قضايا المدرسة والواجبات المدرسة فتظهر عليها علامات الحزن".
و تتعدد الأسباب التي تمنع ممارسة الفتاة حقها بالتعليم بجميع مراحله (الأساسية والثانوية)، وعلى رأسها قلة عدد مدارس الفتيات في الريف على نحوٍ خاص، بالإضافة إلى الظروف المادية للأسر وما يرتبط بالثقافة والعادات الاجتماعية بالنظرة السلبية إلى المرأة، ومع ذلك فإنه على عكس العديد من الآباء وأفراد الأسر الذكور، الذين لا يسمحون للفتاة بمواصلة التعليم، تؤكد والدة رنا أن موقف الأب الذي يعمل مهاجراً في دولة أجنبية، ويعود من حين لآخر، لم يكن يُمانع في إكمال تعليم ابنته إلا أن الظروف لم تسمح بذلك.
جاءت الحرب بالإضافة إلى التحديات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، في مجتمعٍ فقيرٍ كاليمن، وما خلفته من أزمة اقتصادية وظروفاً أمنية صعبة وعمليات نزوح داخلية، لتضع عقبات جديدة أمام تعليم الفتيات، حيث تشير إحصائية نشرتها منظمة اليونيسف في أكتوبر/تشرين الأول2017 إلى أن نحو 31% من فتيات اليمن خارج التعليم.
فشلتا منال ومنيرة ، في الصف الرابع والثانية في الرابع من المرحلة الابتدائية، في مواصلة التعليم مع بدء العام الدراسي الجديد 2018، بعد أن نزحتا من محافظة تعز، إلى محافظة ذمار، إلى جانب شقيقهما الأكبر، الذي يعمل في ورشة نجارة، وبعد أن تمكنتا من إكمال العام الدراسي السابق. تحدثت الأختان لـDW عن أن سبب ترك المدرسة، هو عدم قدرة شقيقهن على دفع تكاليف الدراسة منها ألف ريال يمني، تطلبها المدرسة عن كل طالب شهرياً.
وتقول منال ذات العشرة أعوام، وهي تقول "كنت أتمنى أكمل دراستي وأصبح دكتورة حتى أستطيع معالجة والدي من مرضه، لكن أخي صاحب الورشة أغلقها ولم يعد لديه عمل ولا يستطيع تأمين مصروفي أنا وأختي فما بالك بتكاليف المدرسة". ومع ذلك، فإنها تأمل بمواصلة التعليم إذا ما عادت إلى مدينتها تعز يوما ما.
تحدي الظروف
ويكون على الرغم من الصعوبات التي تخلقها الظروف المعيشية، إلا أن بعض الفتيات إذا ما حصلن على تشجيع أسرهن، يعملن لإكمال التعليم، وقهر التحديات، كما هو حال سلمى خليل، التي تدرس بالصف الثاني الثانوي. توفي والدها منذ سنوات ووالدتها توفر تعيل الأسرة من العمل لدى إحدى الأسر الميسورة "أعمال منزلية", ومع بداية الحرب في العام 2015، طلبت والدة سلمى منها عدم الاستمرار في الدراسة، لأن راتبها لم يعد كافياً للإنفاق على تعليمها، وكانت سلمى يومها في الصف الثامن، إلا أن حب سلمى للتعليم دفعها لأن تعرض العمل بمراجعة دروس أبناء الأسرة التي تعمل فيها والدتها، في مقابل توفير تكاليف دراستها. وتشعر اليوم بأنها تقترب من إكمال رحلة التحدي مع وصولها منتصف المرحلة الثانوية.
وأكّدت الخبيرة الاجتماعية اليمنية الدكتورة نجاة الصائم لـDW أن التحاق الفتاة اليمنية بالتعليم واستمرارها فيه يشكّل معضلة حقيقية، حدت وتحد من فاعلية برامج التنمية الشاملة والمستدامة في اليمن على مدى العقود الماضية"، إذ أظهرت "الإحصاءات تدني نسبة التحاق الفتيات بالتعليم وارتفاع نسبة تسربهن منه.
وترى الصائم أن أهم الأسباب وراء ذلك الفقر والعادات والتقاليد والزواج المبكر وعدم وجود فصول دراسية منفصلة للفتيات، بخاصة في الريف، وكذا "بعد المدرسة عن البيت وتحمل الفتاة الأعباء المنزلية، بالإضافة إلى الأوضاع الأمنية المنفلتة بسبب الحرب، وبسبب ذلك، ما تزال الأمية تنتشر بين النساء في اليمن".
وتابعت الخبيرة الاجتماعية قائلة "من الطبيعي أن تتفاقم حدة هذه المشكلة في ظل الأوضاع المأساوية التي يمر بها اليمن، وما ترتب عليها من نتائج مدمرة للبنية الاجتماعية، لأن المرأة بخاصة في ظروف الحرب التي تعيشها اليمن، تقع عليها أعباء كبيرة وإذا لم تكن متعلمة ومؤهلة فإنها لن تستطع الصمود في مواجهة التحديات وتجاوزها".