القاهرة - شيماء مكاوي
كشفت ابنة الفنان القدير الراحل عبد المنعم مدبولي، الأستاذة أمل مدبولي، في حديث خاص إلى "مصر اليوم" عن العديد من أسراره، وعن الوجه الآخر لوالدها، مؤكِّدة أنه كان رجلاً حازمًا على الرغم من حساسيته المفرطة وحنانه الشديد، ومشيرة إلى أنه عوّدهم على تحمّل المسؤولية وكيفية التعلم من الأخطاء، وبناءً عليه لم يكونوا يعتمدون في حياتهم على أنهم أبناء رجل مشهور، لافتة إلى أن علاقته مع الفنانين كانت محدودة، وأن خلافه مع الراحل فؤاد المهندس كان خلافًا عابرًا ما لبث أن تجاوزه الرجلان، ومستبعدة تحويل قصة حياته إلى عمل فني خشية من عمليات الاحتيال أو التشويه.وقالت أمل مدبولي: "أبي كان فيه كلّ التناقضات من حساسية مفرطة وحنان شديد، وفي الوقت ذاته كان حازمًا وعصبيًا، كان فيه كثير من شخصية بابا عبده التي قدَّمَها في مسلسل "أبنائي الأعزاء شكرًا" في حبه لأبنائه وحنيته، ولكن ليس في تراخي وضعف بابا عبده في مواجهة الأخطاء".وتواصل: "عوَّدَنا أبي على تحمّل المسؤولية وكيفية التعلم من الأخطاء، وبناءً عليه لم نكن نعتمد في حياتنا على أننا أبناء رجل مشهور ، وكان عصبيًا جدًا جدًا، حتى إن أصحابه كانوا يسمونه نيرون (الذي حرق روما)، ولكن كما كان سريع الغضب كان أيضًا سريع الهدوء ومتسامحًا، أنا أقرب أبنائه إليه، وكنت دائمًا أناقشه، وأبوح له بأسراري أكثر من أُمّي أحيانًا، وكنت أخرج معه كثيرًا".وتتابع: "وبالنسبة إلى أعماله ففي المسرح كنت أنا وأخي الأصغر نذهبُ معه في الصيف للمسرح يوميًا، فلم يكن في حاجة ليحكي عنها، ولم نكن نتدخل في أعماله إلا إذا وجدناه سوف يقبل دورًا غير مناسب أو يقبل عملاً بلا أجر حبًا في المنتج، أو احترامًا للمخرج، سواء في السينما أو التليفزيون، حيث كان ودودًا جدًا مع أصدقائه وخصوصًا القدامى في الدراسة، وبالنسبة إلى الفنانين فؤاد المهندس ومحمد عوض والهنيدي ويحيى شاهين وسمير خفاجي كنا دائمًا نسأله عنهم، ولكن كانت علاقتة مع الفنانين محدودة لأنه كان يحب الجلوس في المنزل، ولا يحب الخروجات والسهرات.وتسطرد في حديثها قائلة: "مدبولي كإنسان كان منظمًا جدًا، وعصاميًا وحازمًا في بعض الأمور، على سبيل المثال ميعاد الغداء ثابت لا يتغير إلا اذا كان لديه ميعاد تصوير طول النهار، وكان عندما يجلس أمام التليفزيون ليشاهد مثلاً الأخبار أو لعبته المفضلة (المصارعة الحرة) كان لا بد أن نحترم هذا ونصمت أو نمشي بعيدًا حتى يستمتع بالمشاهدة، أو إذا جاءه ضيوف في الصالون كنا نسير على أطراف أناملنا لأنه لا يصح أن نُصدِرَ صوتًا وهناك ضيوف، أما عن وجبة الإفطار فكانت عبارة عن سندوتشات الحلاوة الطحينية وكوب الشاي، ولكن في السنوات الأخيرة طبق البليلة بالعسل وبعد قليل الشاي، والأرز من الأساسيات على وجبة الغداء".وتواصل: "القراءة كانت شيئًا أساسيًا في حياته، ولذلك كانت غالب المسرحيات التي أخرجها في" المسرح الحر" أو في فرقة "الفنانين المتحدين" كانت مقتبسة، ويقوم بتمصيرها أو تعديلها بما يتناسب مع الحسّ والذوق المصريّ، فكان دائم القراءة بالساعات يوميًا حتى آخر لحظة من حياته، وكان أيضًا يُحبّ سماع الموسيقى، وعنده مكتبة فيها تسجيلات كثيرة.أما عن هواياته الآخرى فتقول أمل: "هو خريج كلية الفنون التطبيقية، قسم نحت، وعندنا في البيت بعض أعماله من النحت الخشبيّ، وكان يحب جدًا الرسم، وأقام قبل وفاته بسنوات عدّة معرضًا لرسوماته، وحضره وزير الثقافة وقتها فاروق حسني وبعض الوزراء، حتى إنهم أخذوا بعض اللوحات في مبنى المحافظة ووزارة الثقافة.وعن الاهتمام بأبنائه تضيف: "الحقيقة أمي كانت تتحمّل المسؤولية نظرًا إلى ظروف عمله، حيث كانت لا تسمح بمتابعتنا، لكن العقاب منه وارد في حالة الاستهتار منا، ولم يتدخل في اختياراتنا للدراسة، المشكلة كانت أن جميعنا كنا نرغب في التمثيل ولكنه لم يشجعنا، وخاصة بالنسبة إليّ كان يبتسم لي ويقول "إن شاء الله"، وبعدها قال لي "بصراحة إن العمل في الفن مرهق وشاقّ، وأنا لا أرضى أن تعاني مثلي، ثم ليس هناك مواعيد ثابتة، فقد تضطرين للعمل ليلاً أو طوال النهار، فكيف تستطيعين أن تكوني أُمًا أو زوجة في حياة مستقرة، وأضيفي إلى هذا أن الوسط الفنيّ غير نزيه، وتكثر فيه الشائعات والقيل والقال، وأنا لا أسمح بذلك".وتردف "أما بالنسبة إلى إخوتي فمحمد عمل معه كمساعد مخرج لفترة قصيرة، فترة فرقه "المدبوليزم"، أما أحمد فاتجه للموسيقى، وكان عازف درمز وعنده فرقة، وأنا كنت أحب الغناء وكنت أغني في المدرسة، وسجلت حلقات وأنا في إعدادي وثانوي في الإذاعة، في البرنامج الأوروبي، ولكن بعد كلّ هذا كلّ واحد منا غيّر اتجاهه ونسي الفن".وأما عن خلافه مع الفنان الراحل فؤاد المهندس فتقول أمل: "موضوع الخلاف هذا للأسف الصحافة كبّرته جدًا، فكان خلافًا عابرًا وصغيرًا وانتهى بسرعة، فالفنان فؤاد المهندس كان يقدّم حلقات "عمو فؤاد" مع مخرج يسمى محمد رجائي، وحصل خلاف بينهما، وقرر المهندس أن لا يعمل معه، لكن إدارة التليفزيون رفضت، وقالوا لا لأن المخرج يتبعهم، وقرروا استبعاد فؤاد، واتصلوا بوالدي لكن أبي قال لازم استأذن فؤاد قبل أن أوافق لأن هذا لا يصح، وبالفعل فؤاد قال له أنا لن أعمل معهم مرة أخرى، وأبي قدّم فوازير "جدو عبدو"، لكن فؤاد المهندس غضب لأن العمل نجح، ولكن بعد فترة قصيرة تصالحا، ورجعت المياه لمجاريها، والدي كان طيبًا جدًا، وقلبه أبيض، ولا يحب أن يكون هناك خلافٌ بينه وبين أيّ شخص".وتتابع أمل "أيضًا كان هناك خلاف بينه وبين فرقة "الفنانين المتحدين" على الرغم من أنه مؤسس الفرقة مع سمير خفاجي، هذا كان وقت "مدرسة المشاغبين"؛ لأن مجموعة الشباب كانوا يخرحون عن النص ويطيلون جدًا حتى إن المسرحية كانت تنتهي بعد الساعة الثالثة صباحًا، وأبي لفت نظرهم أكثر من مرة أن الجمهور يخرج متأخرًا ولا يجد مواصلات، فقرر ان يترك الفرقة ويترك المسرحية بعد عرضها لمدة طويلة، ولذلك تم تصويرها للتليفزيون مع حسن مصطفى، وبعدها عمل مع "فرقة الريحاني"، لفترة، ثم أنشأ فرقة "المدبوليزم".وأضافت: "أبي أكتشف فنانين كثيرين مثل الفنان محمد صبحي وأحمد زكي وأشرف عبد الغفور وأشرف عبد الباقي وعادل إمام، وكانوا على علاقة معه دائمة، وعلاقته مع الفنان عادل إمام كانت جيدة لآخر لحظة، وكانا على اتصال دائم".أما عن أعماله التي تفضلها فتقول: "أحب له أعمالاً كثيرة منها مسرحية "بمبة كشر" مع الفنانة نادية لطفي و"مطار الحب"، و" نمرة 2 يكسب"، و"الملاك الأزرق" مع الفنانة هدى سلطان، و"حصة قبل النوم" مع الفنانة ميرفت أمين، ومسرحيات أخرى كثيرة، وفي التليفزيون تقريبًا كل الأعمال ومنها "السجين"، و"أبنائي الأعزاء شكرًا"، و"لا يا ابنتي العزيزة"، أما في السينما فيلم "احنا بتوع الأوتوبيس" و"الحفيد".وتسطرد حديثها قائلة: "فيلم "الحفيد" يُعتبر من روائع السينما المصرية، وقد تم تقييمه باعتباره من أفضل 100 فيلم أنتجتها السينما المصرية، وأيضًا مسلسل " أبنائي الأعزاء شكرًا" الذي جسد فيها شخصية "بابا عبده"، لأنه من الأعمال الدرامية التي تركت علامة في كل بيت، ليس في مصر فقط وإنما في كل الدول العربية، حتى إن عدد رسائل المعجبين من الدول العربية التي كانت تأتي إليه بعد هذا المسلسل تضاعف عددها بشكل رهيب، وأتذكر أن الرئيس الراحل أنور السادات قابله بعد هذا العمل، وقال له كنت أتابع المسلسل، وألغي أيّ ارتباط لأشاهده في موعده، وكنت أسجلها لأشاهدها مرة أخرى".وعن عدد أحفاده فتقول أمل: "عدد الأحفاد 8، سبعة صبيان وبنت، وكانت علاقته معهم قوية جدًا، وطبعًا جميعهم يتذكرونه جيدًا، لأنه عندما تُوُفي كان أصغر حفيد عمره وقتها 11 عامًا، ولهم جميعًا معه ذكريات كثيرة".وتتحدث عن وفاته فتقول: "لم يوصِ بشيء قبل الوفاة، ولكننا جميعا نحتفظ بكل شيء يخصه".وتردف "أنا شخصيًا أحتفظ له في بيتي بأشياء كثيرة، منها نظارته، وقلمه، وكثير من صوره القديمة، وبعض ملابسه التي كنت أحبها، وكل الجوائز، وأوراق كثيرة بخط يده، وأشياء من هذا القبيل".وعن قصة حياته وإمكان تحويلها إلى عملٍ فنيّ تتحدّث قائلة: "بالنسبة إلى قصة حياته فهو بالفعل كان يكتبها على شكل مُذكِّرات، ولكنه في الفترة الأخيرة بعدما تدهورت صحته توقف عن الكتابة".وتضيف "هناك شبه اتفاق مع أحد الكتاب واسمه جمال عبد المقصود، قد يتولى تجميع المذكِّرات في كتاب".أما عن تحويل قصة حياته إلى عمل فني فتوضح "هناك فكرة منذ سنوات عدّة، وهي أن يتم عمل إذاعيّ في إذاعة "صوت العرب"، ولكن حدثت مشاكل، وأنا تصدرت وألغيت الاتفاق مع مدير عام التمثيليّات في المحطة، بعد معرفتي أنه كان يَنوِي اللعب لعبة غير نظيفة، ويقوم بإنتاج هذا المسلسل لدولة عربية من دون أن نعرف، وبناءً عليه فكرة تحويل قصه حياته لعمل فنيّ حاليًا مرفوضة".وتتابع "ثم اكتشفتُ للأسف أن كل الأعمال الفنية التي تتعلق بحياة الفنانين ليست منصفة أو صادقة بحجة الحبكة الفنية والتشويق، مثل مسلسلي "ليلى مراد" أو "أسمهان" كلاهما فيه بعض الأكاذيب أو التضخيم لبعض العيوب في الشخصية، مما دفع الورثة إلى اللجوء للمحاكم، لذا فنحن نستبعد تحويل قصة حياة أبي لعمل فنّي".