"أسطورة طرزان" تضيع في الأدغال


أثار فيلم "The Legend of Tarzan" أو "أسطورة طرزان" الجديد المقتبس من رواية لإدغار رايس بوروز، نوعاً من الجدل في المجتمع الأميركي، خصوصاً عند ذوي الأصول الإفريقية الذين لم يتقبلوا رؤية بطل أبيض يقتحم الأدغال وينقذ شعباً إفريقياً من سطوة المستعمر البلجيكي.
هؤلاء المعترضون اتهموا هوليوود بأنها تعيش داخل فقاعة ولا تريد أن تتغير، وأنها لا تلتفت إلى التطورات التي تحدث حولها، وقالوا إن فيلماً كهذا لا يصلح للعرض في أجواء متوترة بين الأميركيين البيض ومواطنيهم من أصول إفريقية، خصوصاً في ظل الأحداث ذات الطابع العنصري التي وقعت خلال فترة الرئيس الأميركي باراك أوباما، آخرها حادثة قناص تكساس.
هوليوود قالت إنها لم تفعل شيئاً غير إعادة فيلم لشخصية تعد أحد رموز الثقافة الشعبية الأميركية، وإنها فعلت كل ما بوسعها تماشياً مع الأفكار والتيارات الاجتماعية السائدة في هذه الحقبة من الزمن. المهم أن فيلم "أسطورة طرزان" الذي شاهدناه لم يكن ذلك العمل الذي يستحق كل تلك الضجة وهو في النهاية لا يجاري الأعمال السابقة عن الشخصية نفسها.
الممثلون الشباب مهما نجحوا في أعمال سابقة ليسوا بالضرورة ضمانة نجاح لفيلم ما، وهناك أعمال تنجح دون جلب ممثلين معروفين أمام الكاميرا، فمثلاً فيلم "The Jungle Book" أو "كتاب الأدغال" الذي شاهدناه منذ بضعة أشهر، نجح بممثل طفل محاط بحيوانات مصنوعة بتقنية الكمبيوتر وتتحدث بصوت ممثلين أشهر منه لم تظهر وجوههم قط.
لكن طرزان هذا الذي نحن بصدد مناقشته لا يقترب من فيلم كتاب الأدغال من أي ناحية رغم أنه فيلم مليء بنجوم ومخرج اشتهر من أفلام حققت نجاحات منقطعة النظير فنياً وتجارياً.
طرزان يبدأ سياسياً من آخر القرن 19 عندما كانت الحكومة البلجيكية على حافة الإفلاس بسبب استدانتها لتمويل مشروعات بنية تحتية تتضمن سكة حديد في الكونغو، نتيجة لذلك يقرر ليوبولد الثاني ملك بلجيكا استخراج معادن أراضي الكونغو النفيسة متمثلة في الألماس ليستغلها في تسديد ديون مملكته.
لتحقيق ذلك يكلف الملك مبعوثه الشرير ليون روم (كريستوف فالتز) لتأمين ألماس في الكونغو. تتعرض حملة روم لكمين دبرته قبيلة كونغولية ويقتل رجاله. يتفق زعيم القبيلة مبونغا (جيمون هونسو) مع روم على السماح للأخير بالولوج إلى الألماس مقابل مساعدته على الوصول إلى عدو قديم: طرزان.
ثم يذهب الفيلم إلى العاصمة البريطانية لندن إبان الحقبة الفيكتورية، نلتقي برجل كان في الماضي يسمى طرزان (أليكساندر سكارسغارد)، ترك القارة الإفريقية منذ عقد تقريباً واستقر في لندن مع زوجته الأميركية الأرستقراطية جين (مارغو روبي)، وغير اسمه إلى جون كلايتون الثالث أو لورد غرايستوك.
الناس في الحقبة الفيكتورية تعلم عن قصة غرايستوك عندما كان طرزان وتعامله كأسطورة لكن هو نفسه لا يريد تذكرها.
وتصل دعوة إلى رئيس الوزراء البريطاني من ملك بلجيكا موجهة لغرايستوك لزيارة مدينة بوما الساحلية للإشراف على تطورات المشروعات هناك. يرفض غرايستوك الدعوة لكن يضغط عليه المبعوث الأميركي جورج واشنطن ويليامز (ساميول إل جاكسون) لقبولها، نظراً لاشتباهه في أن الحكومة البلجيكية تمارس أنشطة استعبادية محظورة، خصوصاً أن ويليامز يريد إثبات ذلك. يقبل غرايستوك ويصطحب زوجته تحت إلحاحها الشديد. يصل غرايستوك إلى الكونغو ويتحول إلى طرزان، ونعلم أن وصوله لم يكن صدفة وإنما بتدبير روم "المشهد الأول" إلى آخره. طرزان هذا يحاول أن يكون شيئا مختلفا فهو يتجنب القصة الأصلية ويركز على أحداث يعتبرها هو جوهرية ويترك الأصل للفلاش باك، بكلمات أخرى كأنه جزء ثانٍ لفيلم لم نره بعد.
الفيلم يبدو كأنه ممزق والمخرج ديفيد ييتس "أخرج آخر 4 أفلام من سلسلة هاري بوتر" يحاول تجميع أجزائه بلا جدوى، فيرضى بما استطاع جمعه ووضعه في الفيلم. طرزان أصلاً نشأ في الأدغال ثم انتقل إلى لندن، أي أنه بين عالمين: الإنسان والحيوان، ونرى ذلك في الترحيب الذي يلقاه عند وصوله إلى الكونغو. ولدينا مشكلة الاستعباد في الكونغو، ولدينا قصة جين في طفولتها، ومبادئ طرزان نفسه التي تربى عليها.
هذه كلها مواضوعات لا يستغلها ييتس جيداً بل يلمح إليها فقط، ثم ينصرف للتركيز على معارك طرزان مع الغوريلا أو مع سكان الأدغال من القبائل. مشاهد طرزان وهو يتعلق في الحبال ويتأرجح بين الأشجار كثيرة لكنها لا تحرك مشاعرنا، ولا تحمل روح المغامرة التي من المفترض أن تكون مصاحبة لشخص تربى في الأدغال. قد يكون السبب اعتماد المخرج على المؤثرات الخاصة أكثر من قدرات الممثل، لكن ماذا لو جربنا توم كروز في شخصية طرزان! لا أحد يشكك في قدرات كروز على أداء أدوار المجازفة وهو ليس بحاجة لمؤثرات خاصة، ولعلنا نتذكر مشهده الأسطوري عندما تعلق في الطائرة وهي تحلق في المشهد الافتتاحي لفيلم "مهمة مستحيلة 5!"
حوارات الفيلم لا توحي بأنها من تلك الحقبة الزمنية بل كأنها من مسلسل تلفزيوني نشاهده هذه الأيام، ومن يفسد هذه الجزئية بشكل لا يغتفر لكاتب النص هو ساميول إل جاكسون الذي تلفظ بكلمة نابية لا نعلم إن كانت تستخدم في ذلك الوقت تدل أنه لم يخرج بعد من تأثير أفلام كوينتن تارانتينو "ستسمعونها في Pulp Fiction"! وقد لا يكون ذلك غريباً لو علمنا أن جاكسون كان في فيلم "The Hateful Eight"أو "المكروهون الثمانية" لتارانتينو مطلع هذا العام!