صورة لعنكبوت بولاس

تستخدم الحيوانات والطيور، بداية من الفراشات وحتى الحيوانات المفترسة، سلوكيات مراوغة بغرض حماية نفسها والبقاء على قيد الحياة أو تأمين الطعام أو المساعدة في جذب الشريك المحتمل، وقد كشف الأستاذ المشارك في علم البيئة الحسية والتطورية في جامعة إكستر، مارتن ستيفنز، عن أعظم أساليب الخداع التي تستخدمها الحيوانات والطيور.

وأكد ستيفينز أنه "في الليل في ولاية كنتاكي يقوم عنكبوت سمين صغير بعمل خط من الحرير بين محطتين ثم يتحرك على طول هذا الخط وينتظر، وعندما تقترب إحدى الفراشات في نطاقه فإنه يلقي كرة لزجه مخادعة ليوقع بالفراشة ويسحبها ويلتهمها، ويقوم عنكبوت بولاس بالصيد عن طريق إطلاق رائحة تطابق التركيب الكيميائي لفيرمونات تزواج الفراشة الأنثى، وبالتالي يتم إغراء الفراشة الذكر ولكنه بدلًا من أن يجد شريكة حياته يلتهمه العنكبوت، وتعد عناكب بولاس واحدة من مجموعة كبيرة من الحيوانات والنباتات على درجة عالية من المهارة في الخداع والتضليل".

وقدَّر تشارلز داروين وألفريد والاس وظيفة الخداع في نظرية التطور الخاصة بهم، وبدأ العلم الحديث يكتشف الطرق الملتوية التي تتبعها الكثير من الأنواع، وأحد أسباب استخدام أساليب الخداع في الطبيعة تأمين الغذاء، وأضاف ستيفينز "طائر درونغو الذي يشبه ذيلة الشوكة ويوجد في جنوب أفريقيا يتربص لجميع الأنواع التي تعيش حولها بما في ذلك ميركاتس، وربما يبدو في البداية متعاونًا ويقوم بتنبيه الحيوانات عند اقتراب حيوان مفترس، إلا أن نداءات طائر درونغو في معظم الحالات تتم في حالة عدم وجود حيوان مفترس في الجوار، ويقوم درونغو بإطلاق إنذار كاذب عند سيطرة الميركات على خنفساء ومن ثم يفر الميركات وينقض على الفريسة ويأخذها لنفسه".

وذكر ستيفينز "تبدو سرقة الغذاء ألطف مقارنة بخداع الحيوانات المفترسة، حيث تستخدم الحيوانات المفترسة أسلوب التنكر والترغيب لجذب الضحايا إليها مباشرة، وتقوم الكثير من العناكب ببناء شبكة ملونة بألوان زاهية لجذب الفريسة، وتستخدم النباتات آكلة اللحوم الإشارات العلنية والتنكر لجذب الضحايا، حيث ينتج نبات فينوس صائد الذباب رائحة تحاكي الطعام لإغراء الذباب".

وتستخدم بعض نباتات الجرة إضاءة متوهجة تشبة الفلورسنت باللون الأزرق، وتستغل هذه الإشارات الملونة تفضيلات الحيوانات للألوان في أنظمتها الحسية، وتستخدم الحيوانات الخداع لغرض آخر وهو البقاء على قيد الحياة مع أسلوب التمويه الشائع، وعلى سبيل المثال التقى الخبير والاس بفراشة كاليما في سومطرة، والتي كانت أجنحتها تشبه لون وشكل الأوراق الميتة، كما أن الكثير من الأنواع لديها علامات تحاكي بقع العفن، ويعد التشبه بأشياء أخرى بغرض الحماية أسلوبًا شائعًا في الطبيعة، وقدم هنري بيتس خبير علم الحشرات، الذي سافر إلى منطقة الأمازون مع والاس عدة أدلة على التطور والانتقاء الطبيعي، بحسب ستيفينز.

وأشار بيتس إلى أن الكثير من الفراشات القابلة للأكل تحاكي لون وسلوك الأنواع السامة لتجنب المهاجمين، وبيّن ستيفينز مثالًا على ذلك في العناكب التي تحاكي مظهر النمل والذي تتجنبه الحيوانات المفترسة بسبب دفاعه القوى، وتابع "بعض الكائنات تتبع الخداع أيضًا لأسباب إنجابية، حيث تستخدم الأوركيد مجموعة من الأساليب لجذب الحشرات لتقليح الزهرة دون تقديم أيّة مكافأة، ومن بين الطرق المستخدمة جذب الحشرات الذكور من خلال الرائحة والألوان التي تشبه الشريك المحتمل مثل نحل الأوركيد الذي يجذب ذكور النحل".

وأردف ستيفينز "هناك أنواع أخرى تخلق وعودًا زائفة بشأن المواد الغذائية، حيث تحاكي زهرة هاينان في الصين فيرمونات التنبيه ومظهر النحل، وبالتالي تجذب الدبابير المفترسة، كما يقوم طائر الوقواق بوضع بيضه في عش أنواع أخرى وبالتالي فيرعى الأب بالتبني صغار الوقواق، وعادة ما يضع الوقواق بيضه بلون يحاكي لون بيض الطيور المستضيفة حتى لا يعرف المضيف الفرق، وتتبع الحشرات أيضًا أساليب ملتوية مشابهة مثل سلوك نحل الوقواق وكذلك النمل، وغالبًا ما تكون هناك وظيفة واحدة لعمال هذه الحيوانات لمداهمة أعشاش أنواع النمل الأخرى وسرقة بيض الفقس، يم يندمج النمل فيما بعد على مستعمرة المضيف ويتولى جميع المهام الرئيسية في العش بداية من التنظيم وحتى تدريب الصغار على الدفاع، ويعد الكفاح من أجل البقاء على قيد الحياة والتكاثر أمر بالغ الأهمية لجميع الكائنات، ونحن لا ينبغي أن نفاجأ باستخدام الأساليب الخداعية، وما هو ملفت للنظر مدى استغلال الحيوانات والنباتات لبعضهما البعض، وتعد الطبيعة مكانًا وحشيًّا ولذلك تعتبر المراوغة فكرة جيدة إذا أردت النجاح".