أسيوط – سعاد عبدالفتاح
أسيوط – سعاد عبدالفتاح
جاء مصنع سماد أسيوط، ضمن القائمة السَّوداء التي أعدَّتها وزارة البيئة في العام 2009، بحيث ذكر أنه منذ إنشائه في السبعينيَّات وعلى مدار 3 عقود، ألقى المصنع آلاف الأطنان من المخلَّفات السَّائلة والصَّلبة في نهر النِّيل، علاوة على تطاير الغازات السَّامة التي تهدِّد المواطنين بالموت
الجماعي وتدمير آلاف الأفدنة من أجود الأراضي الزِّراعيَّة، وحتى وقتنا هذا لم يتغير الوضع، رغم حدوث الكثير من الإصابات والاختناقات للأهالي، ورغم رفع 50 دعوى قضائيَّة من الأهالي تظاهرهم وهجومهم عليه أكثر من مرَّة. وكان قد أصدر محافظ أسيوط الأسبق الدكتور محمد رجائي الطحلاوي قرارا بإيقاف تشغيل محمصتي السوبر فوسفات ووحدة حامض الكبريتيك القديمة، لحين نقلهما لمكان آخر، حتى لا يعرض البيئة للتلوث، ولكن هذا القرار لم ينفذ، إلا لمدة 12ساعة فقط، وأعيد تشغيل المصنع مرة أخرى.وفي عهدي كل من: اللواء نبيل العزبي واللواء السيد البرعي (المحافظين السابقين)، تم تشكيل لجنة في عهد كل منهما، للوقوف على الأضرار والمخالفات في المصنع، وتم منح المصنع مهلة 6 أشهر لتنفيذ توصيات اللجنة آنذاك، ولكن شيئا لم يحدث.
وتعد قرية "جزيرة الأكراد" في مدينة الفتح في أسيوط، الجار الملاصق لمصنع سماد أسيوط، الذي يصفه أهالي القرية بأنه قضى على الأخضر واليابس فيها، وأضر بصحة سكانها، مما جعلهم يقومون بتنظيم مظاهرات في منتصف آب/ أغسطس من العام الماضي، وقام العشرات من سكان القرية بقذف كرات من النيران، على المصنع وتسبب في احتراق عدد من كابلات الكهرباء والأشجار، وقام الأهالي باقتحامه وأحدثوا تلفيات بالمكاتب والسيارات الموجودة داخله، وأشعلوا النيران بالأشجار الموجودة أمام المصنع، كما قاموا بكسر الزجاج الخاص للسيارتين رقمي 9493 ى أ ج، و289 أتوبيس، الخاصتين بالمصنع، وزجاج غرفتي الأمن والميزان داخل المصنع. وبعض مكاتب المبنى الإداري, احتجاجا على إصابة عائلة كاملة مكونة من 4 أشخاص بالتسمم، نتيجة لقيام المصنع بصب مخلفات البتروكيماويات بجوار المنازل في القرية.
لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يثور فيها الأهالى على المصنع، بحيث ثاروا أكثر من مرة على هذا الوضع، بحيث كانت أولى هذه المحاولات في عام 1975، بحيث خرجت مظاهرات غاضبة، مما جعل إدارة المصنع تحضر الشرطة بأعداد كبيرة، وقام الأهالي بتكسير زجاج أبراج الحراسة، وبعدها بقرابة 30 عاما، وبالتحديد في مطلع عام 2004، خرج أهالي الجزيرة بأطفالهم وطلاب المدراس وقذفوا المصنع بالطوب والحجارة، فقامت الشرطة بالقبض على 4 من الأهالي.
قال مصطفى زكي عبد الرحيم (من سكان القرية): إن مصنع السماد حوَّل القرية إلى منطقة نائية صحراء، بعد أن كانت تملائها مزارع العنب والرمان والنخيل والمحاصيل الزراعية، ولكن مصنع السماد قضى عليها كما قضى على الحيوانات، بسبب مخلفات الأسمدة واشتكينا أكثر من مرة ولكن دون جدوى.وأضاف زكي أن "جميع سكان القرية يعانون من الأمراض، خصوصا أمراض الصدر والكبد والكلى، بسبب الكيماويات الناتجة عن المصنع". وأكد أنه "يعاني من مرض الرئتين والقلب بسبب مخلفات المصنع التي تقتلهم بالموت البطيء"، مشيرا إلى أن "من سكن الصحراء أفضل من سكان جزيرة الأكراد".
وأضاف أحمد عثمان أحمد (من سكان القرية) أن "مصنع السماد اغتصب أرضهم ومنازلهم"، مشيرا إلى أن "الأهالي قاموا بتحرير محاضر ضد إدارة المصنع، لأنه تسبب في قتل المواشي وتصحر الأراضي وجاءت إلى القرية معامل جامعات أسيوط والقاهرة وقناة السويس وقاموا بعمل أبحاث وقمنا برفع أكثر من 50 دعوة قضائية ضد المصنع بسبب تضررنا منه ومن الأتربة الناتجة عنه، ولكن لم نجد أحدا يستجيب لنا، وتسبب المصنع في انتشار الأمراض وأهمها الفشل الكلوي.
وقال طلعت محمود سيد (من سكان القرية): كنا نقوم بتربية الجمال والمواشي ولكن للأسف المصنع تسبب في القضاء عليها وعلى الأراضي الزراعية، حيث كان الفدان ينتج 21 إردبا من القمح، ولكن تسبب مصنع السماد في قتل الأراضي، بحيث ينتج الآن الفدان أقل من إردبا واحدا والمعيز أسنانها تتساقط بسبب الكيماويات. وأكد أنه "من بعد الساعة العاشرة مساء، تعمل المحامص الخاصة بالمصنع بكامل قوتها، وتتسبب في سحابة من الكيماويات والأتربة تغطي سماء القرية، مما يتسبب في حالة من الاختناق، وفي الصباح تتوقف هذه المحامص حتى لا يراها مسؤولي البيئة في المحافظة، رغم علمهم بالقضية ولكن يتجاهلونها".
وأكد أستاذ الأمراض الباطنة في كلية الطب البيطري في جامعة أسيوط الدكتور عبدالرحيم عبدالمطلب عبدالرحيم، في أحدى الدرسات التي أجرتها كلية الطب البيطري في أسيوط، أن "مخلفات المصنع تشكل خطورة كبيرة على صحة الإنسان والحيوان والنبات في هذه المنطقة الحيوية، بسبب قيام المصنع بالتخلص من غازي ثاني وثالث أكسيد الكبريت وحامض الهيدروفلوريك، عن طريق تصعيدها في طبقات الجو التي تستقر على النباتات والحشائش ومصادر مياه الشرب القريبة من المصنع، مما يعرض جميع الكائنات في هذه المنطقة لخطر التسمم والإصابة بالأمراض الناتجة عن هذا التلوث، كما تسبب غازات المصنع فتؤدي لإصابة أهالي المنطقة بالاحتقان وعدم القدرة على التنفس".
كما أوضحت الدراسة من تحليل عينات من مياه الشرب أن "تركيز نسبة عنصر الكبريت بها وصل إلى 6 أضعاف مثيلتها الطبيعية، وبلغ تركيز عنصر الفلورين في التربة 10 مرات مثيلتها الطبيعية، وبلغت معدلات عنصر الكبريت في نباتات الذرة والبرسيم المزروعة قريبة من المصنع 6 أضعاف مثيلتها في المناطق البعيدة".أما أثر هذه الغازات على الحيوانات التي تم فحصها، فيقول أنه ظهر على الحيونات التي تم فحصها أعراضها المرضية التي كانت ظاهرة متمثلة في ضعف الشهية والهزال الشديد وجفاف الجلد وجفاف الصوف وسهولة انتزاعه من الأغنام وصعوبة التنفس، ولوحظ تزايد معدل عنصري الكبريت والفلورين في دم هذه الحيوانات عند تحليلها، مما أثر على الكفاءة الوظيفية لمختلف أجهزة الجسم. ولم يشهد أهالي القرية قرارت حاسمة، تنقذ حياتهم وحياة أولادهم من هذه السموم القاتلة في أجسادهم وأموالهم حتى الآن