الرياض- صوت الامارات
أعلنت الهيئة السعودية للحياة الفطرية قبل أيام عن إعدادها مشروع عقوبات للصيد الجائر، يمكن أن تصل غراماته حتى 30 مليون ريال (نحو 8 ملايين دولار)، بعد أن سجّلت خلال العام الماضي تجاوزات كثيرة في المناطق المحمية، وصلت إلى 500 مخالفة صيد جائر.
وتشكّل البيئات المتنوعة في السعودية، بما فيها الأماكن المحمية، مثل منطقة العقير في محافظة الأحساء ومحمية الجبيل ومحمية سبخة الفصل، محطات مهمة لكثير من أنواع الطيور المقيمة، كالغاق السقطري المهدد بالانقراض وطيور الخرشنة البيضاء الخد، وكذلك الطيور المهاجرة، كالحبارى والكروان والصقور والرهو، وغيرها من الطيور الجارحة والعُصفوريات والطيور المائية والخوّاضة. ولكن الصيد الجائر، وفق ما تظهره مقاطع الفيديو المنتشرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، دفع بالمراجع السعودية المسؤولة إلى تشديد الرقابة والعقوبات، خاصة مع ظهور تقارير عن تناقص كبير في أعداد طائر القميري وحيوان الضب.
ولئن كانت التجاوزات على الأنواع الحية وموائلها الطبيعية في السعودية ناتجة في مجملها عن ممارسات فردية، فإن التعديات على المحميات الطبيعية والمناطق ذات الأهمية الخاصة في أماكن أخرى من العالم العربي أصبحت تجري تحت غطاء رسمي. ولعل أوضح الأمثلة على ذلك ما جرى في محمية المها في عُمان، وما أصاب محمية فيفا في الأردن.
- تجاوزات بقرار رسمي
تتمتع محمية «الكائنات الحية والفطرية» في سلطنة عُمان بتنوع فريد من الكائنات البرية والنباتات والحشرات والتضاريس والموارد المائية والجيولوجية الضاربة في القدم، وتحتفظ بجميع مكنونات الطبيعة العُمانية الأصيلة وتوازنها البيئي. ويعيش على أرض المحمية كثير من الحيوانات البرية، أبرزها المها العربية والوعل النوبي والغزال العربي وغزال الريم. كما تحتوي عدداً من المفترسات، مثل الذئب العربي والثعلب الأحمر والوشق والثعلب الرملي والضبع المخطط، إلى جانب 50 نوعاً من الطيور المهاجرة والمستوطنة، و189 نوعاً من النباتات البرية.
وفي سنة 1994، أدرجت اليونيسكو المحمية ضمن قائمة مواقع التراث العالمي الطبيعي، إلا أن المنظمة الدولية قررت سنة 2007، للمرة الأولى في تاريخها، حذف المحمية من القائمة، بعد قرار السلطات العُمانية تقليص مساحة المحمية إلى 10 في المائة فقط من مساحتها المعلنة سابقاً، بهدف استغلال الأرض في أعمال التنقيب عن النفط والغاز.
وكان من نتيجة تقليص مساحة المحمية القضاء فعلياً على معظم موئل الكائنات المهددة بالانقراض، حيث تراجعت أعداد المها من 450 رأساً سنة 1996 إلى 65 رأساً فقط سنة 2007. وبعد مرور 25 سنة على إنشاء المحمية التي تعدّ الكبرى بين 5 محميات يشرف عليها مكتب حفظ البيئة في الديوان السلطاني، لا تزال أعداد الحيوانات التي يجري إكثارها في مناطق مسيّجة دون الطموح، إذ وصل تعداد المها إلى 680 رأساً، وغزال الريم إلى نحو 800 رأس، والغزال العربي إلى 45 رأساً.
وفيما تسعى السلطنة إلى تنشيط السياحة البيئية لتنويع مصادر الدخل الوطني، من خلال فتح المحميات أمام الزوار، يخشى القيّمون على محمية الكائنات الحية والفطرية أن يستغل بعضهم هذه الفرصة لاصطياد الحيوانات في المحمية، أو سرقتها والمتاجرة بها. وتصل عقوبة قتل أو صيد أو تهريب أي من الحيوانات أو الطيور البرية الخاضعة للحماية إلى السجن حتى 5 سنوات، والغرامة حتى 5 آلاف ريال عُماني (نحو 13 ألف دولار)، وهي عقوبة لا تبدو رادعة، وفق الدعاوى القضائية التي تظهر أخبارها على الموقع الإلكتروني لمكتب حماية البيئة.
وفي الأردن، تم الإعلان قبل أسابيع عن تجريف نحو 1600 دونم من أراضي محمية فيفا، واقتلاع قرابة 40 ألف شجيرة. وبعد صدور تقرير عن وزارة الزراعة أورد أنه «تم تجريف مساحة واسعة جداً داخل محمية فيفا بشكل طولي في أهم المناطق بيئياً، وأكثرها كثافة للغابات والموائل»، أشارت الجمعية الملكية لحماية الطبيعة، في بيان لها، أن سلطة وادي الأردن خاطبت الجمعية بطلب التوسع في منطقة الامتياز الخاصة بشركة البوتاس العربية.
وتمثل محمية فيفا محطة مهمة لاستراحة الطيور المهاجرة لغناها بالمسطحات المائية التي تتشكل خلال فصل الشتاء، وهي مدرجة على القائمة العالمية لاتفاقية «رامسار» الخاصة بحماية الأراضي الرطبة. وبصفتها أكثر المناطق المحمية انخفاضاً في العالم، تضم محمية فيفا مجموعة من النباتات والحيوانات النادرة عالمياً أو الفريدة في الإقليم، مثل أسماك الأفانيس العربية المتوطنة وأشجار الأراك وطيور السند النوبي.
- ضعف التمويل وتبدّل الأولويات
ولا تقتصر المخاطر التي تواجه المحميات العربية على التعديات الرسمية المباشرة، بل إن كثيراً منها يعاني مصاعب مالية وإدارية، كما هي الحال بالنسبة لمحمية العرين في البحرين التي تشكو من ضعف ميزانيتها السنوية وقلة جهازها البشري، مما دفع إدارتها للاعتماد أكثر فأكثر على المؤسسات الخاصة لرعاية عدد من أقسامها، كحدائق الأنواع النباتية ومسيّجات الطيور والحيوانات وبحيرة الطيور المائية.
وبالمثل، تبحث وزارة البيئة المصرية عن شراكات مع القطاع الخاص لطرح خدمات وتنفيذ نشاطات داخل محمية «الغابة المتحجرة» قرب القاهرة من أجل تقليص النفقات. وكانت المحمية قد قفزت إلى واجهة الإعلام قبل 3 سنوات، إثر قرار الحكومة المصرية اقتطاع ثلث مساحتها لصالح إقامة مشاريع استثمارية. واستندت وزارة البيئة في تعليل هذا الإجراء إلى تقرير أعده مجموعة من الخبراء، خلص إلى أن المساحة المستبعدة فقدت التنوع البيولوجي، ولا توجد فيها أي أشجار متحجرة.
وتزخر محمية الغابة المتحجرة بجذوع أشجار ضخمة متحجرة ضمن تكوين يُعرف باسم «جبل الخشب»، يبلغ عمره نحو 35 مليون سنة. كما تضم مجتمعاً نباتياً مهماً يزيد على 120 نوعاً، منها نرجس الجبل ونبات التمركس وشجرة العشر، إلى جانب تشكيل نادر من الحيوانات والحشرات والزواحف الشديدة السمية، أشهرها ثعبان الطريشة والعقارب وسحلية قاضي الجبل. وسبق للمحمية أن تعرضت إلى تعديات واسعة بعد أحداث «الربيع العربي»، شملت سرقة الرمال والمتحجرات، وإلقاء مخلفات البناء والقمامة على أطرافها.
وفي سوريا، أرخت الحرب بظلالها على المحميات والتنوع الحيوي في البلاد، فأدت المواجهات الحربية وغياب سلطة القانون في أكثر من مكان إلى إبادة قطعان غزال الرمل والمها العربية في البادية السورية ضمن محمية التليلة ومحمية جبل عبد العزيز ومحمية الكرين. كما تعرضت الحيوانات المفترسة في محمية جبل عبد العزيز، لا سيما الذئاب الرمادية والضباع المخططة والثعالب، للصيد بهدف التجارة. وشمل الضرر التحطيب الجائر للأشجار، بما فيها الأنواع المحمية كالبطم الأطلسي وبطم الكونجوك في محمية جبل عبد العزيز ومحمية جبل أبو رجمين شمال تدمر، ومحمية البلعاس شرق السلمية.
وفي غرب البلاد، تسببت الأعمال الحربية والتحطيب الجائر والحرائق الواسعة في إلحاق أضرار غير مسبوقة في الغابات والحراج، خاصة في غابات الفرنلق ومحمية الشوح والأرز وجبل الأربعين، ضمن محافظة اللاذقية. وفي محافظة القنيطرة، جنوب البلاد، جرى تحطيب كامل أشجار محمية جباثا الخشب، وهي 300 شجرة من أنواع البطم والسنديان.
ومن جهة أخرى، تسعى الحكومة السورية إلى دعم مواردها المالية، من خلال طرح عدد من المناطق الشاطئية للاستثمار السياحي، كما في وادي قنديل وبرج إسلام ورأس البسيط وأم الطيور. ويخشى متابعون أن يترك هذا التوجه أثره الكبير على الموائل الطبيعية للأنواع الحية المهددة بالانقراض، مثل السلاحف البحرية (الجلدية الظهر والخضراء والكبيرة الرأس) والفقمة الناسكة والدلافين وغيرها.
وفيما تتقلّص رقعة الموائل الطبيعية لصالح الاستثمار السياحي على الشواطئ السورية، تزداد التعديات في المحميات الشاطئية في البلدان المطلة على البحر المتوسط والبحر الأحمر. ومن ذلك، السرقة المتكررة للأسيجة الحديدية المستخدمة لحماية أعشاش السلاحف البحرية في محمية المنصوري الشاطئية في لبنان، إلى جانب التشويش الضوئي من المنتجع المجاور للمحمية، وكذلك أعمال البناء والتعدي على شاطئ محمية جزيرة الجفتون في الغردقة المصرية التي تهدد أعشاش السلاحف والنوارس.
ويشير تقرير صدر نهاية العام الماضي عن الصندوق العالمي للطبيعة إلى فشل الدول العربية المتوسطية في بلوغ أهدافها المتعلقة بإنشاء المحميات البحرية للحفاظ على التنوع الحيوي ودعم اقتصاداتها الوطنية. وبحسب التقرير، فإن التنوع الحيوي في البحر المتوسط تراجع إلى ما نسبته 41 في المائة خلال السنوات الخمسين الماضية، وإن 80 في المائة من أسماكه أصبحت عرضة للصيد الجائر، وبعضها في طريقه إلى الانقراض. ومن بين 7 دول عربية متوسطية صادقت على اتفاقية آيشي سنة 2010، التي تلتزم من خلالها بإنشاء محميات بحرية ضمن ما نسبته على الأقل 10 في المائة من مياهها الإقليمية بحلول 2020، كانت المغرب في الصدارة، إذ خصصت 4.33 في المائة من مياهها الإقليمية كمحميات، تلتها مصر بنسبة 1.33 في المائة، ثم لبنان بنسبة 0.87 في المائة، فيما تراوحت نسب كل من الجزائر وليبيا وسوريا وتونس بين 0.12 وصفر في المائة.الاهتمام بالمحميات الطبيعية يتراجع في المنطقة العربية، إذ يبدو أنه تحوَّل إلى شأن ثانوي أمام السعي إلى الاستقرار السياسي وتأمين متطلبات الحياة اليومية.
قد يهمك أيضًا: