نيودلهي - عدنان الشامي
قضت اكسمي أجروال ثماني سنوات وهي تخفي وجهها، الذي شوهه رجل كان قد قذفها بمادة حمضية أسيدية حارقة "مياه نار" في وجهها . ولكن عندما انفجر الغضب العارم في الهند بعد جريمة الاغتصاب الجماعي في حافلة العام الماضي أثارت هذا الغضب الشعبي العارم.
وقالت جروال التي تبلغ من العمر 24 عاما:" بدأ عدد كبير من ضحايا الاغتصاب في التحدث الى الرأي العام ، و كان شعورهم بالصدمة يشبه شعوري . أنا لم اشارك في الاحتجاج ، لكن موجة الغضب التي اجتاحت البلاد اعطت نساء مثلي بعض الشجاعة. "
اليوم أصبحت أجروال في واجهة حملة جديدة تسمى "أوقفوا هجمات الأحماض Stop Acid Attacks " ، التي تسعى إلى الجمع بين الناجين من هذه الهجمات ، وتثقيف الناس حول هذه النوعية من الاعتداءات ، و دفع الحكومة لتوفير العلاج الطبي طويل الأجل للضحايا. حتى شهر أذار / مارس ، خصوصاً وأن الهجوم بالأحماض لم يكن جريمة ولا يخضع لعقوبات بموجب القانون الهندي .
وقد اثارت حادثة اغتصاب عصابة لامرأة شابة وقتلها في دلهي في كانون الاول / ديسمبر الماضي احتجاجات لم يسبق لها مثيل في الشارع الهندي وعلى شاشات التلفزيون ، وأدت إلى فرض قوانين أكثر صرامة على الاعتداءات الجنسية الوحشية . كما أجبرت الهنود على مواجهة مجموعة أخرى من حوادث إساءة معاملة النساء التي تم تجاهلها سابقًا حيث كان المجرمون في كثير من الأحيان يفلتون من العقاب.
وفي أذار / مارس أصدرت الحكومة قانونًا للمرة الأولى وتمت صياغته خصيصا لتوجيه اتهامات جنائية ومطاردة ، لمن يقومون بهجمات الأحماض و التعرية القسرية للنساء ، وهو فعل يتسبب أحيانا في المناطق الريفية في إذلال المرأة. وبموجب القانون الجديد ، يواجه الشخص المدان بهجوم الأحماض ما لا يقل عن الحبس لمدة 10 أعوام في السجن وبحد أقصى السجن مدى الحياة .
وأشارت ماري جون ، مديرة مركز دراسات تنمية المرأة في نيودلهي ، أنه "في الماضي كثيرا ما كانت تتهم الضحية بالتحريض على هذه الانتهاكات . لكن هذا الموقف قد تغير الأن . " فقد أجبر هذا الشعب على النظر الى العنف ضد المرأة بطريقة مختلفة . انهم يقومون الآن باتصالات مع المفاهيم المتأصلة في المجتمع ، و السياق السياسي والاقتصادي الذي يتسبب في العنف. "
وبالنسبة الى دولة نمت سريعًا وتتمتع بثالث أكبر اقتصاد في آسيا ، وثلاثة أرباع سكانها تحت سن الـ 35 عامًا ، فإن العنف المتفشي ضد المرأة يعتبر حالات شاذة .
الشهر الماضي نبهت المحكمة العليا في الهند الحكومة لافتقارها القدره على مواجهة " خطورة " الامر ومعالجته. " انهم يتعرضون للبنات كل يوم في أجزاء مختلفة من البلاد ". وأمرت المحكمة بأن تقوم الحكومة بالحد من مبيعات الاحماض الاسيدية الى من هم أكبر من 18 عامًا والذين يمتلكون هويات واسباب لشرائها . وقضت المحكمة بأن على الحكومة أن تجعل من هذه الجريمة ، جريمة لا يمكن أن يتم فيها إطلاق سراح المجرم بكفالة ، و دفع حوالي 6 ألاف دولار لكل الناجين في غضون 15 يوما من الهجوم للحصول على الرعاية الطبية الأولية.
لا توجد بيانات رسمية عن عدد هذه الاعتداءات في الهند ، لأنها لم تكن مسجلة كجريمة منفصلة حتى وقت قريب. لكن نشطاء في حملة Stop Acid Attacks يقولون ان هناك حالتين أو ثلاثاً على الأقل تم نشرها في وسائل الإعلام واصبح هناك اهتمام متزايد بها كل أسبوع .
وقال أبارنا بهات ، وهو محامي أجروال ، الذي قدم التماساً للمحكمة العليا لفرض قيود على طرق بيع الحامض وتعويض الناجين :"وحتى وقت قريب سجلت هجمات الأحماض كحالات اعتداء جسيم من قبل الشرطة . وتكرر كلمة "هجوم بالأحماض " مرة أو مرتين في اقوال الضحية ، ولكنها غير معرفة تفصيليا بحيث أن القاضي يمكنه ان يفوت هذه الكلمة بسهولة ولا يعرف مدى بشاعة الامر. "
نصح بهات أجروال برفع نقابها خلال محاكمة المعتدي عليها في العام 2009 . "أردت أن يعرف القاضي ماذا فعل الرجل بها ، ولا ينسى وجهها ". بعد مغادرتها قاعة المحكمة عادت أجروال لتضع النقاب على وجهها مرة أخرى.
ومع ذلك ، في الأشهر القليلة الماضية ظهرت أجروال في العديد من الاجتماعات والبرامج التلفزيونية بدون حجاب . في يوليو/ تموز قدمت لرئيس الوزراء ، سوشيل كومار شيندي ، التماسا كانت قد أطلقته علي موقع Change.org لحظر بيع الأحماض . وجمعت أكثر من 27 ألف توقيع على الانترنت. كما قامت بفتح حساب على موقع الفيسبوك منذ شهرين ، وضم عشرات من الأصدقاء الجدد .
وقالت :" أنا أدرك الآن أن اخفاء وجهي بمثابة البقاء صامتة ، وخصوصا عندما يتحدث الجميع من حولي".
كانت أجروال ، وهي ابنة طباخ محلي ، في الـ 16 من عمرها عندما بدأ رجل يبلغ من العمر 32 عاما ملاحقتها ، بعد أن رفضت الزواج منه عدة مرات ، وقالت انه ذات يوم كان على دراجة نارية مع شخص أخر وألقيا الأسيد على وجهها وصدرها ويديها.
وقالت أجروال : "لقد فقدت طفولتي في ذلك اليوم ، وتوقفت عن الذهاب إلى المدرسة و فقدت كل أصدقائي. فقد كان الناس يحدقون في وجهي و يسخرون مني . قام الجيران والأقارب بلومي ، و قلت يجب أن أكون قد ارتكبت خطأ ما ، لإغضاب الرجل. وكان خطأي الوحيد هو أنني رفضت الزواج منه. "
حكمت المحكمة على المعتدي على أجروال ، وهو نعيم خان ، بالسجن 10 اعوام و شريكه لمدة سبع سنوات بموجب قانون الاعتداء .
ويقول مدافعون عن حقوق المرأة ان هذه الهجمات يجب ألا ينظر إليها بمعزل عن غيرها، ولكن كجزء من نمط أوسع من السلوك.
وقال كافيتا كريشنان ، الأمين الوطني لرابطة المرأة التقدمية :"تأتي هذه الهجمات على النساء بسبب تحرش ومطاردة الرجال المستمرة لهن ، إذا كانت الشرطة تحقق في المطاردات على محمل الجد يمكننا منع هذه الهجمات".
لسنوات ، رفض العديد من الهنود الحديث عن مطاردة النساء باسم " إغاظة حواء " وهي كناية عن ما ذكر في الكتاب المقدس عن حديقة عدن . تمتلئ أفلام بوليوود بمشاهد يقوم فيها الأبطال بمضايقة النساء كجزء من طقوس المغازلة القياسية.وقال كريشنان " القوانين الجديدة جيدة ، ولكن ماذا سنفعل لمعالجة المعضلة المركزية لدى الرجال التي تقول أن المرأة ليس لها الحق في أن تقول لا ؟ ".
منذ أذار / مارس ، يلتقي حوالي 25 من الناجيات من هذه الهجمات بصورة منتظمة في مكتب الحملة في دلهي . " وأشارت أجروال :"في اليوم الأول كنت قلقة للغاية من مواجهة الآخرين ، لفترة طويلة ظننت أنني وحدي اعيش في هذا الحزن . "
في الجلسة الأولي ، لا تتحدث النساء كثيرا ولكن عندما التقينا للمرة الثانية ، انطلقنا في الحديث ، وذهبنا لمشاهدة مباراة كريكيت وبدون الحجاب''.