باريس ـ مارينا منصف
انضم العاملون في المؤسسة الخيرية الفرنسية، إلى الحركة الاحتجاجية "جميع الأمهات متساويات"، ومقرها في مونروي خارج باريس، والتي قامت بتنظيم تظاهرات في الشوارع، احتجاجًا على منع الأمهات اللاتي يرتدين الحجاب من مرافقة أبنائهن في الرحلات المدرسية.
وقد تم الدفع بقضية الحجاب
الإسلامي مرة أخرى إلى النقاش السياسي الفرنسي، بعد قرابة 10 سنوات من فرض باريس حظر ارتداء الفتيات الحجاب في المدارس الحكومية في العام 2004، بالإضافة إلى بعض العلامات الدينية الأخرى، مثل الصلبان أو العمائم، فقد اهتزت فرنسا بعدما شهدت ليلتين من أعمال الشغب وحرق السيارات في ضاحية ترابيس في باريس، مطلع الأسبوع الجاري، إثر طلب ضابط شرطة التحقق من هوية امرأة فرنسية ترتدي النقاب، مما أثار التساؤلات من جديد بشأن القانون الذي أقره الرئيس السابق نيكولا ساركوزي في العام 2011 بحظر النقاب في الأماكن العامة، ولكن حتى قبل أعمال الشغب التي صدمت الطبقة السياسية، تصاعد التوتر لأشهر عدة في فرنسا بشأن قضية أوسع من الحجاب، بعيدًا عن مناقشة الحجاب كونه حكرًا على اليمين الفرنسي، تعتبر الحكومة الاشتراكية الحالية أن فرنسا تقوم بتشديد القوانين على الحجاب، من خلال وجود بعض التشريعات على ارتدائه، والتي تعتبر الأشد في أوروبا.
وقالت يتو سويري (37 عامًا)، وهي أم لخمسة أطفال، تم حرمانها من الرحلات المدرسية مع ابنها في مونروي بسبب حجابها، "فرنسا ليست كما اعتادت أن تكون، عندما كنت طفلة، لم يكن هناك مشكلة، لقد ولدت هنا، وتم قبولي، وفرنسا الآن تعاني من نوع من الغضب ضد المسلمين، وبالتأكيد سمعت عن النساء الاتي تم سحب حجابهن في السوق، وحتى الآباء في مدرسة أبمي ينظرون لي بنظرة مختلفة منذ أن تم استبعادي من الرحلات، كان لدي الكثير من الأمل لليسار في فرنسا، ولكن الوضع أصبح تمييزًا، لم يتغير شيء حتى في المحلات التجارية، لقد كان الناس يقولون "اخلعي حجابك إنك ترتديه لتكوني عدوانية".
وأكدت أنيسة فتحي، التي تبلغ من العمر 34 عامًا، أن لديها ثلاثة أطفال، ومنعتها مدرسة ابنها الثاني البالغ من العمر ثماني سنوات في المرحلة الابتدائية من المساعدة في النزهات بسبب حجابها، معربة عن مخاوفها بشأن تأثير ذلك على الجيل الجديد الذي يشاهد أمهاتهم مستبعدات وسط الصف
وأضافت أنيسة، "الأطفال ليسوا أغبياء، يفهمونها، وهناك الكثير من الأطفال الذين تعرضت أمهاتهم لهذه المعاملة، وليس لديهم فكرة ما هي الصعوبات النفسية، قد يصاب ابني بنوبات من الغضب، حتى أنني اصبحت حريصة على الاعتذار بشكل غير ملحوظ عن الرحلات المدرسية"، موضحة أن مشاكلها لا تبدأ مع مدرسة ابنها، فقد تركت وظيفتها في شركة خاصة بعد ارتدائها الحجاب، لأن ذلك يشكل "خطرًا على السلامة"، في حين أنها تعمل على ماكينة صغيرة لإرفاق التسميات إلى ورقة المستشفى، وأنها تشعر باستهداف المسلمين من دون وجه حق، وأنه منذ 11 أيلول/سبتمبر لم تشعر بالراحة عند خروجها بمفردها بالحجاب.
وطردت فاطمة عفيف في العام 2008 من وظيفتها في دار حضانة خاصة "بيبي لوب" في شانتيلوب، وهي واحدة من أفقر المدن في فرنسا، وكانت حضانتها فريدة من نوعها، فقد كانت مفتوحة على مدار 24 ساعة كل يوم، لمساعدة الأمهات العازبات في العمل، بما في ذلك الممرضات وضباط الشرطة والنادلات، وكان رد دار الحضانة عنيفًا، وقالت فاطمة "هناك تمييز ديني لأنني ارتديت الحجاب بعد عودتي من الإجازة، وكانت قوانين الحضانة الداخلية تحظر ارتداء أي رموز دينية على الموظفين، وبعد سنوات من القتال في المحاكم الدنيا، قضت المحكمة العليا الفرنسية في آذار/مارس من هذا العام، أنه تمت إقالتي ظلمًا نتيجة للتمييز على أساس المعتقد الديني، ولا سيما أنه لا يمكن تطبيق حظر ارتداء الحجاب ضد جميع الموظفين".
وتحدثت الفرنسية المسلمة يسرا عن حالتها، فقالت، عندما بدأ ابنها الذي يبلغ من العمر ثلاثة أعوام ونصف العام الذهاب إلى الحضانة، أراد أن تأتي أمه في رحلة مدرسية، لذلك سجلت نفسها للمساعدة في زيارة إلى السينما، وقامت بمساعد التلاميذ في ارتداء معاطفهم خارج الصف، ورافقتهم إلى قاعة الاستقبال، ولكن هناك، أوقفتها مديرة المدرسة، وقالت لها أمام الأطفال، "ليس لك الحق في اصطحاب الأطفال لأنك ترتدين الحجاب، وعليك إزالة الحجاب، لأن ذلك إهانة للجمهورية الفرنسية".
وردت يسرا (36 عامًا)، "لقد ذكرت لها جميع حجج المساواة والحرية للجميع، ولكن اضطررت للعودة إلى المنزل بمنتهى الإذلال، وكان آخر ما رأيت هو ابني الذي كان يبكي بحرقه، ولم يستطع فهم لماذا كان علي المغادرة"، مضيفة "هذا هجوم على الحرية والديمقراطية في المدارس الحكومية، ويبدو أنهم يريدون محو النساء المسلمات من المشهد".
واشتكى نائب اشتراكي، من أن الحجاب أصبح مثل "الهوس" الذي أصاب الفرنسيين، لا يزال قضية سياسية كبرى يواجهها الرئيس فرانسوا هولاند، وينظر النواب الآن في تمرير قانون جديد أكثر تشددًا، يحدّ من المهن التي يمكن ارتداء الحجاب بها، مثل مقدمي الرعاية في دور الحضانة الخاصة، والتي تحظر ارتداء الحجاب أمام الأطفال الصغار.
وعنونت صحيفة "ليبراسيون" اليسارية، في آذار/مارس، الصفحة الأولى "الحجاب: اليسار يريد قانونه الخاص"، حيث تدور المناقشة على جبهات عدة، الأول أن الأمهات المحجبات تقدمت بالتماس للحكومة لاستبعادهن من الرحلات المدرسية، ولكن من دون جدوى، ثم تحول التركيز إلى حضانات الرضع، بعدما حكمت المحكمة العليا في آذار/مارس الماضي لصالح امرأة، قالت إنها طردت بشكل غير عادل من وظيفتها في دار الحضانة الخاصة لارتدائها الحجاب، وأثار الحكم موجة من الجدل في الأوساط السياسية، وانتقد المثقفين والسياسيين حكم المحكمة لدعمه المرأة، وحذر من أن ارتداء الحجاب في مراكز رعاية الأطفال الخاص يمكن أن يكون خطرًا على الأطفال الصغار.
وقال هولاند، إن هناك حاجة إلى قانون جديد على جميع أشكال التمييز الديني، مثل الحجاب الذي ترتديه الموظفات في دور الحضانة الخاصة، وربما يتم توسيع نطاق القانون ليشمل مجالات أخرى من القطاع الخاص، وتزايدت حدة التوتر من خلال الهجمات العنيفة الأخيرة على النساء اللاتي يرتدين الحجاب في ارغنتويل، إحدى ضواحي باريس، حيث هوجمت امرأة حامل وأجهضت بعد أيام.
ودان المئات من المحتجين في تظاهرة في ارغنتويل، الشهر الماضي، الطبيعة السامة للمناقشة بشأن الحجاب، قبل أسابيع من أحداث الشغب في ترابيس، فيما قالت "الجماعة الفرنسية ضد كراهية الإسلام"، إن الهجمات المعادية للمسلمين في فرنسا أصبحت أكثر من الضعف بين عامي 2011 و 2012، وكانت النساء المحجبات الهدف الرئيس، وهن يمثلن 77٪ من ضحايا الاعتداءات الجسدية أو اللفظية، في حين حذر المجلس الفرنسي الإسلامي بعد الهجمات على النساء المحجبات في ارغنتويل، قائلاً "الاعتداءات على النساء المحجبات تتضاعف في وقت قريب من كل مناقشة بشأن ارتداء المسلمات الحجاب".
وقد تم بناء الجمهورية الفرنسية على أساس الفصل الصارم بين الكنيسة والدولة، وتهدف إلى تعزيز المساواة لجميع المعتقدات الخاصة، بدلاً من وصم أي دين، والعلمانية هي واحدة من القضايا القليلة التي توحّد اليسار واليمين واليمين المتطرف الذي تقوده ماري لوبان، والقاعدة التي تعمل بها أي دولة في الخدمة العامة هي الحيادية، وهكذا لا يمكن أن تظهر العقيدة الدينية الخاصة بهم من خلال رمز خارجي مثل الحجاب، والعاملات في القطاع العام من المعلمات ومكاتب البريد أو موظفات محطة القطار يحظر عليهن ارتداء الحجاب، أو صليب، أو عمامة الكيبا اليهودية، فيما يعود تاريخ هذه التشريعات إلى 60 عامًا مضت، وتركز حكومة هولاند الآن النقاش على صغار الأطفال، وما إذا كان لا ينبغي أن يرتدين الحجاب، مما جعل الأمر يزيد من الانقسام.
وكان تأثير هذا الحكم بمثابة القنبلة في الأوساط السياسية، حيث حذر العديد من السياسيين والمثقفين من ارتداء الحجاب وضرورة منعه، فقال وزير الداخلية الاشتراكي فالس مانويل، أمام البرلمان، أنه "أسف لقرار المحكمة، الذي يقوّض العلمانية في فرنسا، فيما طالب الفيلسوف اليزابيث بادينتر وبعض المثقفين اليساريين، بتشديد قوانين فرض العلمانية لمنع الرموز الدينية مثل الحجاب من العمل في دور الحضانة، لـ"حماية الأطفال وضمان الحيادية"، في حين تحدث محامي من دار الحضانة عن "خطر" الحجاب على الأطفال، لأنهم سريعي التأثر.
وقال وزير الشؤون الحضرية فرانسوا لامي، إن العلمانية الفرنسية ظلت لسنوات تستند على "القوانين التي تحظر الأشياء"، مما أدى إلى "الخلافات" والشقوق في المجتمع، فيما حذر النائب الاشتراكي كريستوف كارشيسيه، من خطر "المناقشة السياسية المتكررة لارتداء الحجاب"، قائلاُ إن إصدار قانون جديد من شأنه أن يؤجج النيران ليشعل أزمات الهوية الفرنسية، مما يؤدي إلى "الاستبعاد".
وقد أعاد الرئيس الفرنسي بسرعة تفعيل هيئة استشارية لمراقبة العلمانية، والذي من المتوقع أن يقدم مرة أخرى في الأشهر المقبلة، مقترحات بشأن كيفية صياغة قانون جديد لتقييد الحجاب والرموز الدينية في دور الحضانة الخاصة، إدراكًا منه لتداعيات إثارة هذه الموضوعات الشائكة، ودعا هولاند إلى النقاش العام في "حوار هادئ وبناء" في الطبقة السياسية.