واشنطن ـ يوسف مكي
اعتبرت الأوساط السياسية أن قرار الرئيس محمد مرسي بتعيين عبد الفتاح السيسي وزيرا للدفاع، انتصارًا للرئيس ذي التوجه الإسلامي، وانتصارًا كذلك للعملية الديموقراطية الناشئة، لاسيما بعد الإطاحة بجنرالات المجلس العسكري.
وذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" أن "مرسي استطاع أن يسترد الكثير من
السلطات من أيدي الحرس القديم، وأن العلاقة بينه وبين السيسي المعروف عنه التقوى والتدين، كانت على ما يبدو وثيقة، لاسيما وأنه سبق وأن بعث إلى الرئيس الجديد ببرقية تمجيد قال فيها إن "رجال القوات المسلحة تؤكد له إخلاصها التام لمصر وشعبها وأنها تقف وراء قيادته كحرس للمسؤولية الوطنية".
لكنه وبعد أقل من عام أصبح مرسى الآن سجينًا لدى الجيش بعد أن قام السيسي بعزله في الثالث من تموز/ يوليو الماضي في أعقاب المظاهرات الجماهيرية الحاشدة المطالبة بإسقاط حكمه. وقد رسم السيسي، كما تؤكد الصحيفة، لنفسه "صورة حامي أمن مصر وهويتها، وها هو يركب موجة استعراض عضلات الوطنية وموجة التأييد للجيش، الأمر الذي أدى بأنصاره من الجماهير إلى تشبيهه بالرئيس الراحل جمال عبد الناصر".
وتسود الشارع المصري مشاعر متناقضة بشأن ما إذا كان السيسي ينوي العودة بالبلاد إلى الحكم المدني كما وعد؟، أم أنه بصدد استثمار رصيده من الدعم الجماهير بالتشبث رسميًا أو غير رسمي بالسلطة لنفسه؟.
وعلى مدى الأسابيع الماضية، يواجه السيسي الذي تدرب عسكريًا في الولايات المتحدة، اعتصامات ومظاهرات أنصار جماعة الإخوان المسلمين التي باتت اليوم معزولة، وقد شهدت تلك الفترة اثنتان من أسوأ الحوادث الدموية التي شهدتها مصر منذ انتفاضة 2011. وقد أعلنت السلطات عن اعتزامها إنهاء الاعتصامات في القاهرة على نحو يزيد من احتمالات عمليات قمع واسعة النطاق لجماعة الإخوان المسلمين.
وتراهن جماعة الإخوان على كسب مزيد من التأييد ضد السيسي بعد عزل مرسي، وبعد مقتل الكثير من أنصارها في المظاهرات. وفي الوقت الذي يواصل فيه الإخوان مظاهراتهم وأحلامهم، نجح السيسي في الحصول على الدعم الكافي في أوساط خصوم الإخوان الذي يسمح له بشن عمليات قمع أكثر قسوة ضدهم.
وعلى الرغم من أن السيسي قال أخيرًا في خطاب للشعب المصري، إن الجيش يقف على الحياد أمام كافة الفصائل السياسية في البلاد، لكنه طالب في الخطاب نفسه الملايين من الشعب المصري بالتوجه إلى الشوارع لتفويضه لمواجهة العنف والإرهاب المحتمل في إشارة إلى خصومه من الإسلاميين".
وكان السيسي قد عمل رئيسا للمخابرات العسكرية وقد لفت انتباه المسؤولين في وزارة الدفاع الأميركية. وفي العام 2005 خاض السيسي تدريبات في الكلية الحربية الأميركية في بنسلفانيا، وكان كما يقول مستشاره في الكلية الكولونيل ستيفن جيراس، يميل آنذاك لدورة في العلاقات المدنية العسكرية.
وخلال فترة دراسته في الكلية، تقدم ببحث مكون من 17 صفحة بعنوان "الديموقراطية في الشرق الأوسط" وعلى ما يبدو فإنه كان متأثرا بشدة بالحرب في العراق منتقدًا المحاولات الأميركية لفرض الديموقراطية على المنطقة. كما انتقد الممارسات الاستبدادية للحكومات من دون الإشارة إلى الحكومة المصرية آنذاك المتمثلة في تزوير الانتخابات والسيطرة على وسائل الإعلام كوسيلة للترويع والتهديد، وأشار أيضا إلى "الزعماء الدينيين الذين يخرجون على الحكومة غالبًا ما يكون مصيرهم السجن بلا محاكمة".
وقال إن "العالم العربي في حاجة إلى خلق نسخة من الديموقراطية تتوافق مع طبيعته وتعتمد على أسس دينية معتدلة وعلى التعليم والتخفيف من حدة الفقر"، وأضاف في بحثه أن "الجماعات الدينية في حاجة إلى دمجها في العملية الديموقراطية بما فيها الجماعات الراديكالية المتشددة".
وبعد إسقاط حسني مبارك شارك السيسي في المجلس العسكري الذي أدار شؤون البلاد آنذاك، ويُقال إنه "الشخص الذي أدار مفاوضات المجلس العسكري مع الإخوان المسلمين، باعتبارها القوة الأكثر نفوذا على المستوى السياسي آنذاك". وعلى الرغم من أنه لم يكن له ظهور إعلامي آنذاك، لكن اسمه تصدر العناوين الإخبارية عندما اعترف بأن الجيش أخضع مجموعة من النساء المتظاهرات لاختبارات كشف العذرية لحماية جنود الجيش من ادعاءات بالاغتصاب، وهو ما اعتبرته المنظمة مبررًا سخيفًا، لأنه وضع في اعتباره حماية الجنود على حساب ضحايا تلك الاختبارات من النساء.
وبعد توليه منصب وزير الدفاع عمل السيسي على تحسين معنويات الجيش الذي كان لايزال يتعرض لانتقادات عن الفترة التي أدار فيها البلاد بعد سقوط مبارك العام 2011، وذلك من خلال رفع الرواتب، والمعاشات وتوفير السكن المريح للضباط ، وهو يبدأ عمله في الخامسة صباحا، ويقوم كما يروج الإعلام العسكري بزيارة جنوده يوميًا تقريبًا، ويمارس معهم تمرينات الركض الخفيف، كما أجرى إصلاحات إدارية.
ثم بدأ بعد ذلك كما يقول الناشط الحقوقي حسام بهجت، يظهر تدريجيًا في الكثير من المناسبات من دون الإدلاء بتصريحات سياسية أو عامة. ثم ما لبثت أن تغيرت الأمور بعد ذلك.
وأصدر مرسي إعلانا دستوريا وضع سلطته فوق سلطة القضاء، مما أثار المخاوف بشأن عودة البلاد إلى النهج الاستبدادي. ثم جاء الاستفتاء على الدستور في كانون الأول/ديسمبر على الرغم من انتقادات القوى الليبرالية غير الإسلامية، ليدفع البلاد بذلك إلى مزيد من الاستقطاب، وبدأ خصومه في الالتفاف حوله وتطويقه. وخلال تلك الفترة أظهر السيسي براعة سياسية من خلال نجاحه في الحصول على أصدقاء جدد للجيش. كما حسن علاقات الجيش بالشرطة.
ثم جاءت مظاهرات طلبة الأزهر ضد الإخوان المسلمين، بسبب حالات التسمم التي تعرض لها مئات الطلبة في المدينة الجامعية. المعروف أن العلاقة بين الإخوان والأزهر متوترة. وهنا تدخل السيسي وبعث بقافلة عسكرية تحمل أفران ومطابخ جديدة، ليعلن بذلك تضامنه مع الأزهر ضد الإخوان، الأمر الذي دفع بأنصار مرسي إلى اتهامه بالعمل على إضعاف موقف الرئيس، والمثال على ذلك دعوته للقوى السياسية الرافضة لمرسي لإجراء حوار معه، مما اعتبره الإخوان بمثابة خيانة من السيسي للرئيس. وعندما أعلن السيسي عزل مرسي كان يقف إلى جواره في تلك الأثناء قيادات تلك القوى السياسية.
وقد أنكر السيسي تلك المزاعم، ونفى عن نفسه تهمة التآمر ضد مرسي وقال إنه "طالما نصح مرسي وحذره بضرورة تغيير أسلوبه، كما وجد السيسي نفسه أثناء احتفالات ذكرى حرب أكتوبر يجلس بالقرب من طارق الزمر، كأحد ضيوف الرئيس وهو الذي أدين بتهمة لعب دور في اغتيال أنور السادات العام 1981. ويقول أحد زملاء السييسي إنه "بدلا من أن يجد نفسه إلى جوار الضباط الذين سالت دماؤهم من أجل مصر وجد نفسه يجلس إلى جوار قاتل يده ملوثة بدماء السادات".
وتزايد انزعاج الجيش مع تدهور اقتصاد البلاد، وبعد الخلاف مع أثيوبيا بشأن حصة مصر من مياه النيل. وتنسب صحيفة "نيويورك تايمز" قول مصدر دبلوماسي إن "السيسي بدأ يخضع لضغوط من قيادات الجيش المتوسطة تطالبه باتخاذ إجراء عاجل، وتزايدت المخاوف أكثر عندما قام مرسي بإنشاء لجنة لتقصي الحقائق للنظر في قضايا قتل المتظاهرين خلال فترة الحكم العسكري والتي أصدرت تقريرًا تشير فيه إلى أن "بعض الضحايا تعرضوا للتعذيب على يد مخابرات السيسي العسكرية، وقد رفض مرسي نشر ذلك التقرير".
وتؤكد الصحيفة أن "هناك وجهات نظر ترى أن سقوط مرسي يمثل أحدث مراحل الصراع على الهيمنة فيما بين الجيش والإخوان الذي كان خفيا، ثم بات الآن في العلن. وهي مرحلة تكشف أن السيسي كان أكثر دهاء من مرسي من خلال ركوبه موجة الهوية والشخصية المصرية التي يتردد دائمًا أن الإسلاميين يخونون تلك الهوية. فهو يقول إن "مصر ستبقى كما هي مصر"، مؤكدًا أن "الإخوان كانوا قد بدأوا في تحويل مصر إلى دولة محافظة مقاومة للتغيير".