فاليتا ـ زكي شهاب
أكدت زهوة عرفات إبنة الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، في أول ظهور علني لها منذ رحيل والدها، أن الفلسطينيين بعد 65 عامًا من المعاناة، لهم الحق في العيش بكرامة وحرية، وأن يكون لهم دولة لها حدود وعاصمتها القدس، وأنها تسير على خطى الزعيم الفلسطيني الراحل
، وتعمل بمبادئه حتى تحقيق الدولة الفلسطينية المستقلة.جاء ذلك خلال كلمة ألقتها زهوة عرفات في مالطا, لمناسبة تخرجها ونهاية دراستها الثانوية، خاطبت فيها رفاق مدرستها وأبناء شعبها أينما كانوا، وسط حضور تقدمته زوجة رئيس الوزراء المالطي ميشال موسكت، ووزير التربية والتعليم السيد إيفرست، بالإضافة إلى شخصيات فلسطينية عُرفت بصلتها الوطيدة بالقائد الراحل، تقدمهم عضوا اللجنة المركزية لحركة (فتح) توفيق الطيراوي والسيد ناصر القدوة، وابن شقيقة الزعيم "أبو عمار"، ورجل الأعمال البارز منيب المصري, ورفيق والدها الدكتور رمزي خوري, والسيدة ريموندا الطويل والدة السيدة سهى عرفات، وسفير دولة فلسطين في مالطا السيد غابي الطويل خال زهوة.وبدا واضحًا من أول كلام لزهوة في السياسة في مكان عام، أن "البنت تسير على خطى الأب"، حين وصفت معاناة شعبها بالمأساة المستمرة التي تتضاعف يوميًا، وأشارت إلى أن أكثر من خمسة ألاف سجين فلسطيني لا يزالون يقبعون في سجون الاحتلال، وكأنها أرادت أن تقول للحضور من رفاق والدها ورفاقها في مقاعد الدراسة، إن هؤلاء الأسرى وكل الشعب الفلسطيني يناضل من أجل حريته, وهو أمر عبَرت عنه حين قالت "الفلسطينيون بعد 65 عامًا من المعاناة، لهم الحق في العيش بكرامة وحرية، وأن يكون لهم عاصمة لدولتهم و حدود، وهناك عائلات لها الحق في أن تجتمع من دون حواجز تفصلها"، فيما دعت إلى وقف هذا الظلم بحق الطلاب الفلسطينيين الذين حرموا ويُحرمون من مناسبات تخرجهم، ومشاركة من يحبون في أفراحهم"، مضيفة "لا يوجد كائن بشري, أو ثقافة، أو شعب، ممكن أن يقبل العيش في ظل الاحتلال"، مشددة أنها ستواصل السير على الخطى نفسها التي سار عليها أجدادها، والنضال والقتال بالأسلوب نفسه الذي إختطه مئات الألاف من الفلسطينيين، من أجل نيل حريتهم واستقلالهم ليعيشوا في وطنهم بحرية وكرامة".
وتحدثت نجلة الزعيم الفلسطيني الراحل، عن رحلتها في عالم الشتات خلال الإثني عشر عامًا التي تلت رحيل والدها، وعبرت عن حزنها لفقدان والدها في سن مبكرة جدًا، وأنه كان يشاركها الأبوة كل أطفال فلسطين، الذين تفتقد للعب معهم ومشاركتهم همومهم وحياتهم اليومية، واختارت كلماتها بدقة، بعد أن اعترفت بأنها وجدت صعوبة في ترتيب أفكارها، وخصَت والدتها سهى عرفات بالشكر، على الدعم اللامحدود الذي وفَرته لها على مدى السنوات الـ 12 الماضية، ثم شكرت الهيئة التعليمية والأقارب الذين لم يبخلوا عليها بحبهم و رعايتهم لها، في حين أقرت بأن "يوم تخرجها هو بداية رحلة جديدة لها مع الحياة الحقيقية، مناسبة سعيدة، لكنها مناسبة حلوة ومرة في الوقت نفسه، لأنها كانت ستكون مناسبة خاصة وجميلة لو كان والدها الشهيد ياسر عرفات على قيد الحياة، ليكون إلى جانبها وجانب والدتها".
واختارت زهوة وضع الكوفيه على الكرسي، الذي فصلها عن مقعد والدتها, موضحة في كلمتها أن "روح والدها الطاهرة ستبقى مرافقة لها على الدوام رغم غيابه الجسدي"، فيما اغرورقت عينيها بالدموع حين قالت بأعلى صوتها "والدي.. إني أفتقدك كثيرًا, وأينما كنت فسأجعلك تفتخر بي كأب".
وتوجهت زهوة إلى زملائها على مقاعد الدراسة، بالقول "إن المستقبل الذي ينتظرنا مليء بالصعوبات والتحديات، إننا نرى الحروب أمام ناظرينا, والمجاعة في أفريقيا, والملايين من اللاجئين المشردين لسبب الحروب، والأزمة الاقتصادية العالمية تزداد سوءًا وتزيد الفقراء فقرًا والأغنياء غنى، و(الربيع العربي) لا يزال يافعًا ولم تتضح معالمه بعد ، لكن الواضح أن بلادنا تشهد تحولاً نحو التشدد الديني الذي يحصد الأبرياء من غير وجه حق، لقد ورثنا بيئة ملوثة وأزمات سياسية واقتصادية"، مضيفة "أصحاب السعادة، أصدقائي، وعائلتي، ومديري المدارس، والمعلمين الرائعين، وزملائي في الصف، بينما كنت اكتب هذا الخطاب اليوم، أدركت الهدف الصعب الذي يوجد أمامي، كيف يمكن أن أبدأ، كيف يمكن أن أعبر عن حب أمي ودعم المعلمين وعظمة العديد من أفراد العائلة والأصدقاء الذين أحاطوني بحبهم، وتحملوني طوال الـ 12 عامًا الماضية من حياتي، وجعلوني ما أنا عليه اليوم؟ كيف يمكنني في دقائق عدة أن أشكركم على وجودكم بجانبي لتشكيل مستقبلي، اليوم هو يوم كبير في حياتي، وبالتأكيد بداية لرحلة جديدة لحياة حقيقية، إنها مناسبة سعيدة جدًا ولكن لها طعم حلو ومر في الوقت نفسه، فكان يمكن أن تصبح أكثر كمالاً وخصوصية إذا ما كان والدي رحمة الله عليه معنا هنا اليوم، وعلى الرغم من أنه ليس موجودًا معنا من الناحية الفيزيائية، إلا أنني أعلم أن روحه معي اليوم ودائمًا".
واضافت زهوة "أبي.. لقد اشتقت إليك كثيرًا، وفي أي مكان تكون، أنا أعرف أنك تشعر الآن بالفخر كأب، وعلى الرغم من صغر سني عندما فقدتك، كنت دائمًا جزءًا كبيرًا من حياتي، لقد كنت دائمًا أبًا ليس لي وحدي، ولكن لكل أطفال فلسطين، الذين يفتقدونك أيضًا ويحتاجون إليك اليوم أكثر من أي وقت مضى، لقد كانت الـ 12 عام الماضية رحلة كبيرة ، على الرغم من صغر سني، فلقد انتقلت إلى العديد من المدارس، وعشت في أربع بلاد مختلفة، لقد بدأت مرحلة الروضة في غزة، ثم استكملت دراستي في باريس، ومن هناك انتقلت إلى تونس، ثم إلى مالطا حيث التحقت بمدرسة (فيردالا ي الاول) ثم (كيو إس أي)، أصبحت مالا بالنسبة لي وطنًا بعيدًا عن الوطن، فهي البلد التي استقبلتنا بدفئها وترحاب أهلها، فقد كانت مدرستي رائعة فعلاً، قد رأيتها تكبر في السنوات الأخيرة بفضل السيدة والسيد ليز، وبالطبع لن أنسى فضل السيد غيلسون، ممول 39 فرعًا لمدرسة (كيو إس أي) حول العالم، هؤلاء الناس بذلوا مجهودات وطاقات كبيرة لضمان الوصول إلى أفضل المستويات التعليمية، سخروا قلوبهم وحبهم لخلق بيئة رائعة لمدرسة حقيقية، والتي ترونها اليوم، وأنا فخورة لأني أول طالبة تتخرج من هذه المدرسة، وبالنسبة للأباء والأطفال الذين التحقوا بالمدرسة، أريد أن أقول لكم، إنكم محظوظون بالفعل لاستكمالكم مراحل التعليم في هذه المدرسةـ فبالنسبة للأباء، أريد أن أقول إذا وجدتم أطفالكم لا يغيبون عن الذهاب إلى المدرسة كل يوم فهذه علامة جيدة، فقد كان هذا شعوري في صباح كل يوم، وأنا سعيدة حقًا لالتحاق أبناء عمي بهذه المدرسة الرائعة، فهذا يعطيني شعورًا أنني سأبقى على اتصال مع هذا المكان العظيم، أما بالنسبة لزملاء الصف والأجيال الصغيرة في مثل عمري، فإن المستقبل الذي ينتظرنا مليء بالمصاعب والتحديات، فنحن نشهد الحروب والمجاعات في أفريقيا وملايين من اللاجئين في أنحاء العالم المختلفة نتيجة الحروب، إن (الربيع العربي) لا يزال صغيرًا وغير مستقر بعد، كما أن التعصب الديني يزداد يومًا بعد يوم، ليُخرج أسوء ما في البشرية، وببساطة الجشاعة تعمي البشرية، لقد ورثا الكثير من الكوارث، ليس فقط الكوارث السياسية والاقتصادية، ولكن للأسف أيضًا كوارث تتعلق بتلوث الكرة الأرضية،ونقص المياه، والعديد من الكوارث الإنسانية التي تهدد يوميًا الكرة الأرضية".
وتناوب على الكلام مدير مدرسة "كيو إس أي" السيد هويل سي إليس، الذي أشاد بخصال نجلة عرفات والجدية التي تميزت بها، وأبلغ الحضور أنه كان مبهورًا بدقة الموضوعات الفلسفية والتاريخية وبعد الأفق الذي كان يميزَها، وتعاقب على الكلام عدد من زميلات زهوة، الذين أشادوا بخصالها وأيام الدراسة التي جمعتهم منذ الطفولة، فيما بدت السيدة سهى عرفات في غاية السعادة، وهي تتابع كلمة ابنتها, وكانت أكثر من مناسبة تجمع البسمة و الحزن في أن واحد، حيث قالت "إنها واثقة كل الثقة من أن ابنتها تسير على خطى والدها، و أنها أشد إيمانًا بالسير على طريقه، وتعمل بمبادئه حتى تحقيق الدولة الفلسطينية المستقلة