"الحكومة" السورية تسيطر على معظم أحياء دمشق

تحكم حكومة دمشق سيطرتها على معظم أحياء العاصمة فيما يظل الوضع مختلفًا في الريف الدمشقي، فالأمر منعكس تمامًا، فقوات دمشق تسيطر فقط على أحياء الشمال الغربي، مثل قدسيا والهامة والديماس، ورغم ذلك تحدث فيها بعض المناوشات فيها في بعض الأحيان، أما في باقي الأرياف "شرقة وجنوباً وغرباً" فقوى المعارضة هي المسيطرة رغم تفاوت نسب هذه السيطرة.
فقتال الشوارع الذي يتبع الجيش الحر والكتائب المقاتلة إلى جانبه، تجعل تمركز قوات الحكومة في أماكن بعيدة عن الإمدادات في دمشق صعب، ويسهل ضربه، وهو الأمر الذي دفع قوات الحكومة للتواجد على الطرق العامة فقط.
أضف إلى ذلك أن الحاضن الاجتماعي في مدن الريف ذات الغالبية الإسلامية المتشددة يجعل قوى وكتائب المعارضة أمثال "لواء الإسلام" و"جبهة النصرة" مرحبًا بها في هذه المدن، إضافة إلى أن معظم مقاتلين المعارضة في هذه المدن من أبنائها، فأهل دوما وأهل حرستا ودرايا والمعضمية إما انشقوا عن قوات الحكومة أو حملوا السلاح للدفاع عن مدنهم بعد أن دكتها صواريخ ومدفعي الحكومة في بداية الأحداث.
وبين متحلقين شمالي وجنوبي تقع العاصمة السورية دمشق بمساحة 105 كليومترات مربعة، ويحيط بها ريف ذو مساحة ضخمة يتجاوز 20 ألف كيلو متر مربع، فيما يصل عدد سكان المحافظتين إلى ما يقارب 6 ملايين سوري.
ويتساءل المراقبون منذ عامين عن حال هاتين المحافظتين وكيف يعيش السوريين في ظل الأزمة التي تعيشها البلاد.
ولكن في الآونة الأخيرة أصبح هناك سؤال ملح بشكل أكبر، هو كيف تنقسم السيطرة في هاتين المحافظتين بين قوات الحكومة ومليشياتها من جهة، وبين قوى المعارضة المسلحة والجيش السوري الحر من جهة أخرى.
تبسط قوات الحكومة في العاصمة السورية دمشق مدعومة بالجيش السوري وقوى الأمن وبعض الملشيات الموالية سيطرتها على معظم الأحياء، وخاصة الشمالية والغربية منها، وحتى الأحياء الجنوبية والشرقية لدمشق السيطرة الأكبر فيها.
وتسيطر حكومة دمشق من خلال أكثر من 300 حاجز تتوزع على شوارع العاصمة، على أحياء المزة وكفرسوسة "الذي يقع به أكبر تجمع لفروع الأمن" في الجهة الغربية، أما في الجهة الشمالية فأحياء المهاجرين وأبو رمانة والمالكي والشيخ محي الدين وسفح جبل قاسيون فالسيطرة مطلقة فيها لقوات دمشق، ففي بعض هذه الأحياء تقع السفارات والقصور الرئاسية.
ولا تمنع هذه السيطرة المحكمة حدوث بعض الأحداث بشكل متفرق، بين تفجيرات وسيارات مفخخة واغتيالات، بعضها تقوم بها المعارضة وتكون بصماتها واضحة فيها، وبعضها الآخر تكون بصمات النظام هي الأبرز، خاصة تلك التي يبثها التلفزيون السوري.
أما في الجهة الجنوبية والشرقية من العاصمة فإن الوضع مختلف قليلاً، فإذا كانت دمشق تسيطر على أحياء العدوي والمزرعة والتجارة والقصاع في الشرق، فإن أحياء مثل العباسيين وركن الدين تشهد بشكل مستمر اشتباكات وتفجيرات متتابعة، وتصبح في الليل صعبة التواجد فيها.
ويعاني سكان هذه المناطق من قذائف الهاون التي تسقط بشكل مستمر على أماكن تجمع المدنيين، فيما تشهد ليلي السكان اشتباكات مستمرة وإطلاق رصاص من الطرفين، وسقط خلال الفترة الماضية العديد من القتلى في هذه الأحياء جراء الرصاص المتبادل.
في حين أن أحياء مثل برزة والقابون وجوبر تسيطر عليها المعارضة بشكل كامل، فيما تبقى قوى دمشق على أبواب هذه الأحياء محاولة من وقت لآخر اقتحامها، ولكنها لم تنجح حتى الآن في ذلك، رغم أنها تقوم في بعض الأحيان بقصف هذه الأحياء والدخول إليها، ولكنها ما تلبث أن تخرج منها تحت ضربات "الجيش الحر" وقوى المعارضة التي تتلقى الإمداد من الريف الدمشقي المحيط بالمنطقة.
في الجهة الجنوبية من دمشق تسيطر حكومة دمشق على حي جرمانا ذي الأكثرية المسيحية والدرزية، وأحياء الطبالة والشاغور، في حين تتوزع السيطرة بين الطرفين على أحياء مخيم اليرموك "للفسطينيين" والقدم والعسالي والحجر الأسود "الذي يسكنه النازحون السوريون من الجولان" وسيدي مقداد، وتشهد هذه الأحياء اشتباكات بشكل يومي ومستمر.
وما زال سكان معظم أحياء دمشق موجودين فيها، باستثناء أحياء برزة والقابون والقدم والحجر الأسود الذي نزح معظم سكانها، فيما أصبحت أحياء جوبر ومخيم اليرموك شبه خاوية، وآثار الدمار جراء قصف قوات دمشق واشتباكات الطرفين واضحة بشكل جليّ.
ففي الشمال الشرقي تقع مدينة دوما والتي تعد المركز الإداري لمحافظة ريف دمشق، ويصل عدد سكانها إلى 200 ألف نسمة، وبالقرب منها مدينة حرستا والأخرى من أهم مدن الريف، ويصل عدد سكانها إلى ما يقارب 100 ألف نسمة، المدينتان الصناعيتان تقعان بشكل شبه كامل تحت سيطرة الجيش الحر وقوى المعارضة، ومعظم سكانها نزحوا إلى الريف الأبعد كـ"النشابية وحران العواميد والضمير"، وذلك نتيجة القصف المتواصل للجيش السوري.
ولا تواجد أبدًا داخل المدينتين لقوى دمشق، فيما تتواجد حواجز الجيش السوري وقوى الأمن على أبواب المدينتين من جهة دمشق، وتمنع هذه القوى الأمنية والجيش المواطنين من دخول المدينتين بشكل قطعي.
ويسيطر كل من الطرفين في الشرق وباتجاه الجنوب من ريف العاصمة كمدن المليحة وببيلا والسيدة زينب وصحنايا على أحياء بعينها، ويتبادلان السيطرة بشكل متواصل.
أما مدينة درايا التي تقع في الغرب تبعد عن مركز مدينة دمشقي 8 كليو متر، وهي قريبة جداً من حي المزة الدمشقي ومدينة معضمية الشام، كما أنها تُعد أكبر مدن الغوطة الغربية، ويتجاوز عدد سكانها 150 ألف نسمة، فهي خاضعة بشكل كامل لسيطرة الجيش الحر، ومنذ شهور تحاول قوات الحكومة أن تدخلها دون أن تنجح، وهي الأخرى أصبح خاوية من سكانها الذي نزحوا إما إلى العاصمة أو لمناطق الريف الأبعد كقطنا وعرطوز.
والأمر مشابه جدًا في مدينة معضمية الشام التي تتبع إدارياً إلى مدينة داريا، تقع غرب مدينة دمشق بعدة كيلومترات، ويصل عدد سكانها إلى 70 ألف نسمة، لم يبقَ منهم الكثير داخل المدينة، فسيطرة الحر عليها، والقصف المتواصل والاشتباكات دفعت سكانها للنزوح.
قدسيا والهامة وداريا وببيلا والمليحة ودوما وحرستا، هي المدن التي تحد العاصمة دمشق بشكل مباشر، أما في الدائرة الأبعد في الريف الدمشقي كمدن الزبداني ومضايا وعين الفيجة وحلبون والقطيفة ذات التوجه الإسلامي والتل وصيدنايا ومعلولا ذات التوجه المسيحي في الشمال، ومدن قطنا وسعسع في الغرب، ومدن الكسوة والغزلانية في الجنوب، ومدن النشابية وحران العواميد وعدرا والضمير في الشرق. فلا سيطرة مطلقه فيها لأحد طرفين، حيث تتواجد قوى الحكومة على الطرق العامة، فيما تتواجد قوى الجيش الحر وكتائبه المقاتلة في المزارع والمناطق الصحراوية.
ونذكر أن معظم سكان الدائرة القريبة من دمشق والتي تحدها بشكل مباشر، نزحوا من منازلهم، فسكان درايا والمعضمية ودوما وحرستا والمخيم تحول معظمهم كما ذكرنا إلى الريف البعيد أو إلى العاصمة، في حين أن مدينة قدسيا أصبحت قبلة للنزاحين من منازلهم حيث تعج بالفلسطينيين وسكان درايا ودوما وحرستا، ويقدر عدد سكانها في الوقت الجاري ما يزيد على نصف مليون ساكن.
توضع قوى الحكومة في معظم أحياء دمشق، وسيطرة قوى المعارضة على معظم مدن الريف القريب من العاصمة، له عدة أسباب.
فسيطرة الحكومة على دمشق يعود للقيضة الأمنية التي تفرضها، ولصغر المساحة فدمشق لا تتجاوز 105 كيلومترات مربعة، وهو أمر سهل السيطرة عليه، في ظل تواجد القوة الأكبر من قوات الجيش والأمن والميليشيات التابعة لها في مركز البلاد، ولتواجد الفروع والسجون، أما الريف فالأمر مختلف حيث المساحة والواسعة من جهة، وطريقة قتال "الجيش الحر" من جهة أخرى يجعل من مهمة الحكومة في السيطرة عليه أمرًا صعبًا.