غزة – محمد حبيب
غزة – محمد حبيب بات "بحر غزة" الوجهة الأولى لمواطني القطاع الساحلي للترفيه عن أنفسهم في ظل الأزمات المتلاحقة التي يعيشونها، حيث يصفه أهل غزة بهبة الله الكبرى لهم، فلا تجد مكاناً في فصل الصيف على البحر إلا وبه عائلات بأكملها جاءت هرباً من حرارة الصيف وانقطاع الكهرباء المتواصل لساعات طويلة عن بيوتهم. ورغم انتشار عدد من المنتجعات السياحية والأماكن الراقية للترفيه في القطاع في العامين الأخيرين، ظل البحر الوجهة الأولى للفقراء وللطبقة الوسطى، وهما الطبقتان الأكثر نسبة في القطاع الساحلي الذي يقطنه قرابة 1.7 مليون فلسطيني. فمع غروب الشمس يلجأ الغزيون إلى شواطئ وكورنيش بحر غزة للترفيه عن أنفسهم والهروب من حر الصيف رغم التحذيرات من عدم السباحة بعد الساعة الثامنة مساءً بسبب الغرق الذي ارتفعت نسبته في الآونة الأخيرة لعدم وجود منقذين في فترة المساء. المصطافون على الشاطئ من أطفال ورجال ونساء، كل لهم حكاياتهم وطقوسهم الخاصة، فمنهم من يحب السباحة في البحر، وآخرون يتسامرون فيما بينهم، وأطفال تراهم يُطيّرون طائراتهم الورقية، وآخرون يركبون على الجمال وشبان يلعبون كرة القدم والمضرب، كما ترى عائلات وشبان يقومون بشوي الدجاج أو صنع الكباب. في المقابل ترى بائعين من أطفال في عمر الزهور ورجال للمسليات والذرة المسلوقة والقوة والشاي وعربات الكارو لبيع البطاطا الحلوة المشوية وأدوات السباحة للأطفال يتجولون على الشواطئ لكسب الرزق. المواطن أبو أشرف سعد اصطحب عائلته المكونة من 7 أفراد إلى البحر هرباً من الحر بعد انقطاع التيار الكهربائي في الحي الذي يقطنه، ويقول " نحن كل عام ومع بدء عطلة طلبة المدارس نأتي كثيراً إلى شاطئ البحر للهروب من الحر وهنا الشواطئ واسعة، كل يمارس هوايته من سباحة وألعاب وشوي اللحوم". ويقول أحمد حسونة أحد المصطافين على البحر إنه اصطحب أطفاله وزوجته وأمه في هذه الرحلة، مشيراً إلى أن البحر هو المكان المفضل لمعظم الفلسطينيين الذين يجدون فيه الراحة النفسية ويلقون إليه بهمومهم. وأضاف حسونة أن البحر هو روح الفلسطينيين المحرومين من كل شيء، مشيراً إلى أن تكلفة الرحلة العائلية على شاطئ بحر غزة أقل من ربع التكلفة المفروض دفعها في المنتجعات السياحية الراقية. وأشار إلى أن البحر في موسم الصيف دائماً يكون ممتلئاً بالمواطنين الهاربين من حرارة الصيف، وبخاصة في ظل استمرار أزمة انقطاع الكهرباء عن المنازل. لكن الطفل محمد، بائع العنبر، وهو فاكهة التفاح مغطاة بطبقة من الحلوى تصنع في المنازل الغزية، فهو لا يأتي للبحر للترفيه عن النفس، بل لمساعدة والده في تأمين مصروف العائلة. وأوضح محمد أنه فور انتهائه من تقديم الامتحانات المدرسية بدأ العمل في بيع العنبر عله يخفف عن كاهل والده الموظف البسيط بعض متطلبات إخوانه، خصوصاً أن موسم الإجازة يأتي معه موسم شهر رمضان وبعدها المدارس. ويقول محمد إنه بعد أن يبيع الحلوى باكراً يخفف عن نفسه بالسباحة في البحر قبل العودة للمنزل، ولا يرى في ما يقوم به عيباً أو خطأ، فالخطأ كما يقول ألا يجدوا ما يسد طلباتهم. وقال صاحب استراحة الأنس على شاطئ بحر جباليا حسين أبو القمصان إن البحر هو المتنفس الأول والأقل تكلفة في القطاع، لذلك يستغل المواطنون موسم الصيف ويكثرون من الاصطياف عليه. وأوضح أبو القمصان أن المواطن الفلسطيني في غزة يعاني دائما من انقطاع الكهرباء ومن الظروف المادية والبطالة المرتفعة، لذلك أضحى الاصطياف على البحر المكان المفضل لهم لانخفاض الأسعار فيه بشكل أساسي. وأشار أبو القمصان إلى أن البحر كذلك فرصة لبعض الشباب والأطفال لمساعدة عوائلهم في ظل الظروف المادية الصعبة، لكنه قال إن البحر هذا الموسم سيكون أقل كثافة من العام الماضي لتداخل مواسم دراسية وإيمانية عدة معه. ويعد البحر وشاطئه في الصيف، مورداً اقتصادياً للعديد من العائلات في غزة، حيث يعمد الكثير إلى بيع المرطبات والمثلجات كالبوظة والبراد وألعاب الأطفال والملابس إضافة إلى ركوب الجمال الذي بات مظهراً طوال العام. ويعمد بعض البائعين إلى استئجار خيام لتكون مورد رزق لهم ومن ذلك خيمة للبطيخ، الذي يتميز بنكهة خاصة في الجلسات العائلية على شاطئ البحر. ولأن البحر وشاطئه متنفس للمواطنين والمكان الأبرز للسياحة فإن المؤسسات تعمل على استتباب الأمن والنظام على الشاطئ حفاظًا على المواطنين. ويقول خالد حجازي (34 عاماً) صاحب خيمة لبيع البطيخ أذهب يوميًا من الصباح الباكر إلى "الخان" لشراء البطيخ ثم أعود إلى خيمتي على شاطئ البحر، مشيراً إلى أن بيع البطيخ رغم أنها مهنة شاقة ومتعبة جداً ولكنها تعود عليه بالنفع والفائدة والربح الوفير. فيما يعرب صاحب استراحة الحياة محمود لبد (37 عاماً) عن تفاؤله بموسم الاصطياف هذا العام، مؤكداً أن ما يميز هذا الموسم حالة الأمن والاستقرار على شاطئ البحر، لتجول دوريات الشرطة بين الحين والآخر من أجل الحد من الظواهر السلبية، الأمر الذي يزيد من توافد المصطافين إلى شاطئ البحر ومن ثم يعود بالنفع على أصحاب الاستراحات. ويوضح لبد أنه يعمل حالياً على إتمام بعض التجهيزات من أجل تقديم وسائل الراحة للمصطافين، متمنياً أن يكون الإقبال هذا العام أفضل من العام السابق.