معهد الشارقة للتراث

انطلقت أمس الاربعاء، فعاليات ملتقى الحرف التراثية واليدوية، في دورتها التاسعة تحت شعار "دور الحرف التقليدية في الترويج السياحي" وذلك في معهد الشارقة للتراث .
وتغطي الفعاليات الحرف اليدوية والشعبية والتقليدية، وبدأ الملتقى بجولة في معرض ضم العديد من الحرف اليدوية الإماراتية القديمة، وركن الحرفيين الذي ضم عددا كبيرا من أصحاب الحرف القديمة، والذين لا يزالون يمارسون مهنهم إلى الآن، في صورة تجسد التراث وترسم في أذهان الحاضرين الحياة الإماراتية التقليدية .

ألقى رئيس معهد الشارقة للتراث رئيس الملتقى عبدالعزيز المسلم كلمة تناول فيها قيمة الحفاظ على التراث ودوره في الترويج السياحي .
وأشار المسلم إلى الحرف التراثية، وأنها نواة كثير من الفنون والتقاليد وطرق الحياة في العالم، وأنها شكلت فئات اجتماعية وأسواقاً تجارية واقتصاد دول .

وأضاف المسلم أن الحرفي لسان حال كثير من الثقافات الوطنية والزخرفية، وأن الدول تتخذ من الحرفة والزخرفة شعاراً لها، وأنها جزء من التراث الثقافي المعرفي، وتدخل ضمن التراث المادي وغير المادي، من حيث الخبرات والمسميات والأغنيات والمهارات .

وتخلل الملتقى في اليوم الأول له جلستان، الأولى برئاسة  أستاذ الفلسفة في جامعة بغداد د . رسول محمد رسول،، والذي قدم ورقة عمل عن قيمة التراث في تشكيل الوعي الفكري والفلسفي بعنوان "من العياني إلى الرمزي" وتناولت القيمة التداولية الجديدة للحرف التقليدية الإماراتية، وضمت الجلسة عبدالجليل السعد، الباحث في مجال التراث، والذي قدم محاضرة بعنوان "البشت خليجياً وعربياً بين الوجاهة والتقليد" سلط بها الضوء خلالها على تاريخ البشت العربي والإماراتي وطرق صناعته وأشهر أماكنه، وقدم  الباحث في التراث الشعبي الإماراتي، د . سعيد مبارك الحدادمحاضرة بعنوان "الشراطة" وهي حرفة إماراتية ومهنة تقليدية قديمة، وسلط الضوء على الجوانب المتعلقة بها .

وفي الجلسة الثانية، برئاسة د . سعيد مبارك الحداد، قدم آرا هوفهانيسيان ورقة عمل، تناول فيها الحرف التقليدية الأرمينية، كما قدم عبدالله الصرومي، باحث إماراتي، ورقة أخرى بعنوان "سوق الأسر المنتجة بالإمارات" تناول فيها قيمة المهن التراثية، في تشكيل الاقتصاد ومدى ارتباطها بالبحر، وأنها كانت تمثل دخلا ثابتا يمكن الاعتماد عليه .

ويعد الملتقى أحد مظاهر الحفاظ على التراث بكل أبعاده، والتعريف بالكثير من الكنوز البشرية الحية ممن يمارسون مهنا يدوية تراثية، بجانب التوعية والتثقيف بالمنتج المحلي الإماراتي ليكون أداة في الترويج السياحي العالمي والمحلي .
على هامش الملتقى لفت د . رسول محمد رسول إن الحرف والصناعات التقليدية تعد تاريخاً تكمن فيه فلسفة معينة، وحاولت أن أقدم تفسيراً فلسفياً باعتبارين الأول من جانب مادي عيني ملموس وآخر مجرد .

وأضاف: ورقة العمل التي قدمتها ألقت الضوء على القيم الرمزية والتداولية للحرف والصناعات التقليدية .
وأضاف: "يمكن في ظل عصر العولمة والتقدم التقني أن تكون مصدر بقاء وقوة وبقاء للهوية، ومثل هذه الملتقيات والمعارض يمكنها أن تحيي هذه المهن في عقول جيل المستقبل وتحافظ عليها من هيمنة الآلة ومن التدهور الذي تلاقيه .

ويرى رسول أن المغزى الرمزي لكل المهن المهمة يبدأ من مجرد أنها قيمة عملية تداولية، ارتبطت بمصدر العيش في زمن ما إلى كونها تاريخا ملموسا يكرس قيم الماضي بكل ما به .
ويؤكد رسول أن الحفاظ على الجانب البشري بإحياء هذه المهن بتدريب وتعليم الجيل الحالي عليها يجعلها تداولية رمزية جديدة دالة على الهوية الثقافية ومرتبطة بالماضي وامتدادا بالمستقبل .
ويقول رسول "كل عمل تكمن فيه فلسفة معينة والمهنة تتعامل مع كيانات وكانت لي رؤية بطريقة التذكير بها في المستقبل وكيف نعيد استثمارها في حاضرنا ومستقبلنا بشكل علمي وحضاري باعتبارها قيمة رمزية بعد أن كانت ملامسة وشغل ومصدر رزق قديماً، فهي تمارس الفعل التراثي والتاريخي نفسه وهناك قيمة لابد من ترسيخها في أذهان الشباب والجيل الحالي لاستمرارها في المستقبل" .

أما د . سعيد مبارك الحداد (باحث في التراث) فيرى أن الحرف مثل هذه الملتقيات والفعاليات يمكنها أن تجسد الدور البارز الذي تبذله الإمارات في الحفاظ على الهوية العربية والتراث، شأنها في ذلك شأن بقية المجتمعات العربية التي تحاول الحفاظ على الهوية العربية بإحياء التقاليد القديمة والمهن التقليدية والشعبية .

ويرى الحداد أن تعريف الشباب بآليات العيش في الماضي ومنها "الشراطة" كمهنة تقليدية قديمة اشتهرت بها الإمارات يعد امتدادا لتاريخ طويل لهذا البلد العريق الذي أخذ خطوات كبيرة نحو التقدم والأخذ بأسبابه، خاصة وقد باتت التقنية الحديثة من متطلبات العصر .
ويؤكد الحداد أن الرواج الذي شهدته الحرف التقليدية في الماضي على أرض الإمارات، وتنوع أشكالها وألوانها وأصنافها وأحجامها وممتهنيها ومحترفيها دليل على أن التراث الإماراتي عامر بالكثير وغني أيضاً .

وأكد الحداد أن مثل هذه الملتقيات تعد منابر فكر وإبداع ففيها يتم التشاور وتبادل الأفكار والآراء، وأنها أحد مصادر الترويج الثقافي الإماراتي، حيث تزود السائح بفكرة شاملة عن التراث ومظاهره وتاريخه على أرض الإمارات .

ويقول الحداد: يحتاج السائح لدولة الإمارات إلى أن يستمتع بالتراث فهو يعرف التقنية الحديثة ويرى بعينه الأبراج العالية والمباني المشيدة لكنه يشتاق لرؤية القلاع والحصون وكل ما هو تراثي، ويرى أن السياحة الداخلية تحتاج إلى دعم والسائح يحتاج إلى التاريخ العربي والثقافة الإماراتية .

عبدالله خلفان الهامور باحث في التراث، يرى أن المهن التي عمل بها الأجداد بدأت في الانحسار، وهذه الفعاليات تبرز الثقافة التراثية والاجتماعية، لاطلاع الآخر على شعب له أصالة وعادات وتقاليد من خلال الترويج السياحي لها . ويرى أن المشاركات المتعددة للدول العربية مثل مصر وموريتانيا والجزائر ضرورية من أجل دعم التعريف بالتراث العربي وتبادل الخبرات بين المختصين في نفس المجال وتعريف السائح بالكثير مما يخص التراث العربي . وعن مشاركة الهامور في الملتقى قال: ورقة العمل التي أقدمها بعنوان "الزفانة" وهي حرفة إماراتية قديمة وهي صف وتركيب الزور "جريد النخل" بجانب بعضه بعضاً . ويرى الهامور أن البيئة الإماراتية تزخر بالكثير من المهن والصناعات القديمة والتي حافظ عليها الآباء لعهود طويلة وتمسكوا بها .

يرى باحث تراثي عبدالله إبراهيم محمد الصرومي  أن الملتقى أعطى فرصة للكثيرين للتعرف إلى التراث الإماراتي عن قرب وأهم المهن الحرفية والفلكلورية والشعبية وبعض الحرفيين من بلدان أخرى والتعرف إلى الثراث العربي وتقديمه لشريحة كبيرة من السياح والزائرين .

ويضيف الصرومي أن الطفرة النفطية والتقدم التقني كان سببا في عزوف عدد من المهنيين التقليديين عن المهن التراثية التي كانوا يعملون بها، وكانت مصادر دخولهم، والفعاليات تقدم التراث في شكله الحقيقي وتكون خلفية ثقافية عن الإبداع الإماراتي قديماً .

وأضاف "لابد أن تكون لها أسواق تنتشر في الدولة، لتكون الأجيال القادمة مصدرة ومنتجة ولا تقتصر على الاستهلاك .
ويرى أن علاقة هذه الحرف بالسياحة مهم لأن لكل بلد طابعاً خاصاً، ويؤكد الصرومي أن إقامة معارض تراثية يمكنها أن تربط الماضي بالحاضر وأنها وسيلة تعليمية مهمة وتعريفية للجيل الحالي الذي لا يعرف عن تراثه إلا القليل .