العلاقة بين غير المدخنين والإصابة بسرطان الرئة

ظلّت ليزا بيغرام حائرة بين الأطباء لمدة 4 سنوات؛ إذ كانت تشكو من آلام حادة بين الحين والآخر في كتفها وصدرها، بل كانت تشعر في بعض الأحيان كما لو كانت تناضل من أجل التنفس أو كانت مصابة بالإنفلونزا.

وتذكر ليزا، 42 عامًا، والتي تسكن في إسكس مع زوجها وأطفالها الثلاثة، الذين تتراوح أعمارهم بين 8 أعوام و22 عامًا؛ أنَّ الأطباء لم يطلبوا أيّة اختبارات أو تحاليل طبية، حتى أنَّ أحد الأطباء لمَّح إلى أنَّ تلك الآلام ما هي إلا أوهامًا في عقلها وأنَّ ما بها لا يزيد عن مجرد الحساسية.

وحتى بعد أنَّ صاحب سعال ليزا نزول بقع دماء العام 2004، طلب منها الطبيب أنَّ تنتظر وترى ما إذا كان الأمر سيزداد سوءًا أم لا، فقررت العلاج عن طريق التأمين الطبي الخاص.

وشاهدت ليزا الأخصائي وهو يضع أنبوبًا مزودًا بكاميرا في رئتيها لتكتشف وجود نمو سرطاني في الشُعب الهوائية، وكان حجم الورم المتمركز في القصبة الهوائية بحجم "حبة العنب" الواحدة.

ليزا واحدة من هؤء الذين لم يحالفهم الحظ، وبعد أنَّ أجرت العملية الجراحية العام 2005، قالت إنها خرجت دون أيّة متابعة أو تحقيق، وظنت أنَّ تلك التجربة مرت وراء ظهرها، وفي العام التالي أنجبت طفلًا آخرًا، لكنها شعرت بالتعب مرة أخرى العام 2010، مضيفة: "لم أتحمل مجرد لمس مكان الرئة، مع القليل من اضطراب في المعدة من وقت لآخر، وعسر الهضم اليومي وأيضًا آلام الصدر".

ليزا تعرف الآن أنَّ هذه الآلام ناجمة من ورم آخر في الرئة، بسبب الهرمونات، وعندما ذهبت في البداية إلى الطبيب، طالبها بالامتناع عن الكحول وأعطاها أوميبرازول، وهو دواء لتقليل حمض المعدة.

لكن في نهاية المطاف، وفي تموز/ يوليو 2012، أرسلها الطبيب للفحص بالأشعة، لتكشف أنَّ السرطان قد عاد للرئة ذاتها.

وذكرت ليزا: "فجأة، عندما بدأ الأطباء استخدام كلمة سرطان للمرة الأولى، لم يكن لدي أيّة فكرة عما أعاني منه، لذا جاء الخبر بمثابة صدمة كبيرة على أقل تقدير".

الورم يقع بين اثنين من الأوعية الدموية الرئيسية، وقيل لليزا إنها غير صالحة للعمل، المشكلة هي أنه، بخلاف العملية الجراحية، لا يوجد علاج لهذا السرطان، كما أنَّ معدل نموه بطيئًا، لذا فإنه لا يستجيب للعلاج الكيميائي التقليدي، الذي يستهدف الخلايا ذات معدل النمو السريع.

ولكن هناك عقاقير يمكن أنَّ توقف نمو الورم، منها علاج الطب النووي، باستخدام النشاط الإشعاعي لاستهداف المستقبلات في خلايا الورم.

في البداية، أعطيت ليزا حقن هرمون اسمها لانريوتيد lanreotide، التي كان عليها أنَّ تأخذها مرة كل شهر، وأضافت: "في البداية، كان ذلك عظيمًا نظرًا لتوقف أعراض أخرى مثل اضطراب المعدة، قيل لي أنَّ السرطان مستقر، ولكن شعرت كما لو أنَّ هناك قنبلة موقوتة ستنفجر داخلي لذا خفت من الذهاب لعمل الأشعة".

وأظهر المسح الأخير أنَّ الورم بدأ في الزيادة، وأنها تحتاج الآن إلى مزيد من المتابعة بالأشعة للتدقيق في الأمر بمزيد من التفاصيل.

أما ليزا فغاضبة جدًا من أنَّ سرطان الغدد الصماء العصبية يصور للناس على أنه "غير مؤذيًا"، في حين يؤكد المتخصصون أنَّ متابعة أي شخص لديه ورم الغدد الصماء ضرورية، وأنها تحاول الاتصال بغيرها من أمثالها الذين لم يتلقوا أيّة متابعة.

واختتمت: "من الظلم إحضار طفل آخر للعالم بعد إجرائي العملية، واعتقادي بأنني سأكون على ما يرام، لا يمكن لأحد أنَّ يقول لي ما يخبئه المستقبل، ولكني أعرف أنه إذا كنت مصابًا بسرطان الغدد الصماء العصبية، تأكد من المتابعة، قد يكون بطيء النمو، وسهل العلاج بالنسبة لمعظم الناس ولكن ليس للجميع".

الحالة ذاتها حدثت للمحرر السياسي لـ"بي. بي. سي" نيك روبنسون، وأعلن عنها أخيرًا.

جاء الخبر بمثابة صدمة لمتابعيه؛ فروبنسون وليزا من غير المدخنين، ولا يوجد سبب علمي لإصابتهما؛ إذ قيل لليزا إنَّ الورم كان في الأساس "حميدًا"، وأنه إذا أزيل جراحيًّا فإنه لن يعود وستشفى تمامًا، لذلك قامت بإجراء جراحة أعلى الرئة العام 2005.

أما نيك روبنسون  فقد أعلن عن إصابته بروح مرحة، وذكر مازحًا: "التشخيص المبكر بالنسبة لمعظم الناس يؤدي إلى نتائج جيدة جدًا".

ووفقًا لـ"ديلي ميل"، فإنَّ الأورام السرطانية للشعب الهوائية تعد شكلًا من أشكال السرطان المعروفة باسم أورام الغدد الصماء العصبية، وهي شكل من أشكال الغدد الصماء، وشبكة من الغدد والخلايا في جميع أنحاء الجسم التي تنتج الهرمونات، ويمكن العثور عليها في أماكن أخرى داخل الجسم، ولاسيما الأمعاء، والبنكرياس والزائدة الدودية لكن من 10 إلى 20% توجد في الرئتين.

جدير بالذكر أنه يتم تشخيص نحو 3 آلاف مصابٍ بأورام الغدد الصماء العصبية في بريطانيا وحدها كل عام.

وذكر الجراح نيل بيرس، الذي يقود فريق علاج أورام الغدد الصماء العصبية في مستشفى جامعة وساوثهامتون: "إنه الأقل عدوانية بين أنواع السرطان الأخرى وحتى المصاب في مراحل متقدمة يمكن أنَّ يعيش لعقود عدّة، فمثلاً رئيس شركة "آبل"، ستيف جوبز، أصيب به في البنكرياس وعاش لفترة طويلة".

والفرق بين سرطان الرئة التقليدي وسرطان القصبة، أنَّ الأول يحدث داخل الخلايا الرئيسية للرئة، أما سرطان القصبة فيحدث داخل خلايا الغدد الصماء العصبية المنتشرة في أنحاء بطانة الشعب الهوائية الرئيسية، وأينما يتطور ورم الغدد الصماء العصبية، يمكنه أنَّ يبدأ في إنتاج الهرمونات وفي 30% يؤدي إلى مجموعة من الأعراض.

والثابت أنَّ نوع الهرمون المنتج يختلف اختلافًا كبيرًا، لكن أورام الرئتين تميل إلى إنتاج إما ACTH، الذي ينظم إنتاج الكورتيزول هرمون الإجهاد، أو إنتاج السيروتونين الذي يؤثر على وظيفة الأمعاء، والمزاج، وتمدد الأوعية الدموية، ويسبب الإحمرار والإسهال والصفير عند التنفس.

لكن هذه الأعراض الغامضة يمكن أنَّ تجعل تشخيص ورم الغدد الصماء العصبية أكثر صعوبة؛ ففي كثير من الأحيان يشخص عن طريق الصدفة، بحسب ما ذكرته كاثرين بوفير من نت بيشنت فونديشن Net Patient Foundation.

وأضافت بوفير: "في نحو 20% من الحالات، يتم الكشف عنه إما في A & E، ويصبح المريض في مرحلة متقدمة جدًا، أو عن طريق الصدفة عندما يذهب لإجراء فحص روتيني الصحة".

كما أضاف بيرس: "تزداد صعوبة واستحالة التشخيص في حالة عدم التدخين ففي كثير من الأحيان لن يخطر ببالهم الإصابة بسرطان الرئة، نحن لا نعرف في الواقع ما هي أسباب تلك الإصابة، ولكن لا يبدو أنَّ الإصابة مرتبطة بالتدخين".

في الواقع، في حين أنَّ التدخين إلى حد بعيد هو السبب الأكثر شيوعًا في إصابة 43 ألف حالة بسرطان الرئة كل عام، فإنَّ 14% من المصابين غير مدخنين.

نوع آخر من سرطان الرئة مرتبط بشكل أكبر بالتدخين وهو سرطان الخلايا الحرشفية، ولكن حتى هذا يمكن أنَّ يصيب غير المدخنين.

وذكر المدير الطبي الفخري للمؤسسة الرئة البريطانية British Lung Foundation، البروفسور كيث براوز: "ما نعرفه أنَّ التدخين يهيج الشعب الهوائية، وهذا يتسبب في تغيير الخلايا، مما يؤدي إلى سرطان الرئة، وفي الحالات التي لا يوجد أي اتصال للمرضى بدخان السجائر، فهناك احتمال أنه قد يكون مرتبط بتلوث الغلاف الجوي، وقد يكون السبب أيضًا وراثيًا فيما يخص الإصابة بسرطان الرئة".

وأضاف براوز: "من المتعارف عليه أنَّ جميع سرطانات الرئة تقريبًا تسبب أعراضًا متماثلة، فتتمثل الأعراض في السعال وسعال الدم أو الصفير وصعوبة التنفس، وهي أعراض تحدث أيضًا مع أمراض أخرى مثل الربو، الرئة عضو كبير بها مسطحة كبيرة مثل ملعب للتنس، و الحصول على التشخيص السليم يعتمد على أخذ الخزعة من الجزء الصحيح".

وأكمل: "الخبر السار أنَّ 70% من أولئك الذين يتم تشخيصهم بسرطان الشعب الهوائية، يستجيبون للعلاج بسهولة عن طريق إزالته جراحيًا، وهنا في المملكة المتحدة، لدينا المزيد من مراكز علاج هذا المرض، وهي متميزة أكثر من أي مكان في أوروب، ومع ذلك، ليس كل مريض مصاب بورم الغدد الصماء العصبية يتمكن من حصوله على تشخيص من قِبل اختصاصي في واحدة من هذه المراكز".

وكما يذكر بيرس: "يقولون في البداية هناك أخبار جيدة، إنه ورم حميد، ثم بعد سنوات قليلة تكون الجملة: الأخبار السيئة... انتشاره، والخلايا يمكن أنَّ تبدو حميدة تحت المجهر وهذا هو السبب في أنه يحتاج إلى مراجعة طبيب مختص؛ لأنه سيعرف كيف يتصرف ويمنع انتشاره في 30 إلى 40% من الحالات".