روما ـ مالك مهنا
على الرغم من أن عرض أزياء "ألتاروما" الموسمي الذي شهدته روما خلال الأسبوع الماضي، كان قد ضم مجموعة من الملابس ذات التصميم الكلاسيكي لكل من الأثرياء والمتمسكين بالتقاليد، إلا أنه قام أيضا بعرض مواهب جديدة في عالم تصميم الملابس التي عكست قدراً من التغيير في
الشكل والأوضاع. أما الجماليات فقد كانت بعيدة عن القوام الجنسي المثير وبروز الصدر وتعري الساقين، وهي السمات التي كانت تتميز بها حفلات "بيرلسكوني" الذي ترأس الحكومة الإيطالية ثلاث فترات، وهي الحفلات الجنسية المعروفة باسم "البونغا بونغا".
و يمكن القول "إن هذا التحول الذي طرأ على الموضة الإيطالية والمتمثلة في طابع التحفظ والرصانة والرزانة والاحتشام والتعفف، لا يمكن اختزاله في مجرد التغير الذي طرأ على الحكومة وحالة الاضطراب التي تعيشها" ، فهناك من يتساءل: هل انعكس أسلوب التواضع والتقشف التي أبداه بابا روما الجديد منذ أن تولى منصب البابوية في مارس آذار الماضي، على رسالة الموضة التي تبعث بها إيطاليا إلى عالم الأزياء في العالم؟
وقبل استعراض رأي الخبراء في هذا التحول تجدر الإشارة إلى "رداء كهنوتيّ ظهر في العرض، حيث تصل الياقة إلى أعلى دوران الرقبة، كما الجزء الأعلى منه بسيط دون زخرفة وبأكمام طويلة، كما أن طوله يمتد ليغطي باحتشام الركبتين، أما الحذاء فهو أسود بدون كعب وذو طابع رجالي بحت، بصرف النظر عن الحلية اللامعة عند مقدمة القدم.
وتقول سيلفيا فينتورنيني فندي، مصممةٌ بدار كارل لاجيرفيلد للمصنوعات الجلدية الفخمة، ورئيسة عرض أزياء "ألتاروما ألتامودا"، "إن هناك تحولا مجتمعياً يعبّر عن نفسه في مجال الملابس والأزياء". وقالت أيضا "إن هناك روحاً جديدة تماما تسود روما، وقد بدا ذلك واضحا مع عودة البابا الجديد فرنسيس إلى المسيحية الحقيقية التي كانت قد ابتعدت كثيرا في الفترة الأخيرة عن الكنيسة الكاثوليكية".
وأضافت قائلة: "إن الناس يتطلعون إلى المعنى والمضمون الحقيقي في كل شيء، وأن المعنى الحقيقي في الملابس هو أنها مجرد وسيلة للتعبير عن ذات الشخص الذي يرتديها".
و تابعت : "أن الموضة أحياناً تخفي لغة الإنسان، ولكنّ الإنسان يبحث عن معنى في المواد والمصنوعات كي يعبر عن شخصيته الحقيقية ويسمح لها بالظهور علنا".
كما ترى فندي "أن ذلك جاء كرد فعل لحالة الإسراف المبالغ فيها التي عمت الموضة السريعة بالسوق الجماهيرية الضخمة".
وكان أربعة من المصممين من غانا وسويسرا وروما قد قاموا بعرض أقمشة مبتكرة بمطبوعات تقليدية باعتبارها ملابس ذات طابع دولي أنيق.
وتقول سيمون سبرياني، مديرة برنامج أخلاقيات الموضة بمركز التجارة العالمي، "إنها تعتقد بأن البابا فرانسيس كان له تأثيره من خلال قيامه بنشر رسالة صحيحة ليس فقط لعامة الناس، وإنما أيضا للعاملين في مجال الموضة، وذلك حتى يتحملوا مسؤولياتهم".
كما تقول أيضا "أن الموضة المسؤولة في إطار المعايير الأخلاقية التي يضعها أصحاب تلك المهنة، باتت أمرا مطلوبا في عالم من الأزياء الرخيصة التي ينتجها الفقراء".
لقد ظهر البابا فرانسيس خلال الأسبوع الماضي على غلاف مجلة الموضة الإيطالية "فانتي فير" تحت عنوان "رجل العام" بسبب شجاعته، ونظر الناس إليه باعتباره معجزة في التواضع في عصر التباهي والغطرسة.
لقد كان البابا بنيديكت السابق، غالبا ما يوصف بلغة الموضة بأنه "البابا الذي يرتدي أحذية "برادا" وذلك على الرغم من نفي حاشيته ذلك. وهناك تسجيل فيديو على "اليوتيوب" بعنوان "الغطرسة والتباهي في الفاتيكان"، مشيرا بذلك إلى "الموضة التي كان يسايرها البابا، وولعه بالملابس حيث ارتدي 48 رداء كهنوتيا مختلفا وكذلك عددا القبعات".
ولا تزال محلات الملابس الكهنوتية في روما تعج بالعديد من ملابس الكاردينالات الكهنوتية الحافلة بالنقوش والزخارف والمغلفة بالأشرطة. وقد حفل فيلمٌ لفريديكو فيلليني باسم "روما عام "1972 بانتقادات حادة لولع الكهنة بالملابس الفاخرة.
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن في عالم الموضة الإيطالية هو ما سرّ تأثير البابا الجديد على الموضة الإيطالية من خلال ملابس التي تتمثل في رداء أبيض بسيط للغاية؟ وهو الذي طالب القساوسة خلال الأسبوع الماضي، بعدم قيادة سيارات فارهة واستبدالها بسيارات متواضعة وقدم لهم القدوة في ذلك بركوبه سيارة صغيرة متواضعة.
وقد حفلت مجموعة أزياء دولسي آند غابانا بملابس ذات طابع ديني وغلب على فتريناتها صور الكنائس الإيطالية في الجنوب.
ووصل الأمر إلى تركيز أزياء سيلين وهي فرع فرنسي على الرزانة والوقار فيما تقدمه من ملابس ويتبين ذلك من الملابس المعروضة في فترينتها.
إلا أن دار أزياء فيا بورغوغنونا الجديدة التي افتتحها الموهوب فاوستو بوغليسي، قامت بعرض المزيد من الملابس ذات الطابع المبهرج أما الملابس الوقورة فقد تمثلت في بعض الملابس الدينية.
وترى الخبيرة البريطانية ماريغاي ماكي أن هذا التحول في الموضة الإيطالية يعني أن إيطاليا بدأت تدرك كيف يعمل العالم وقالت أيضا أن الزبائن القادمين من أسيا يحكمون في محلات هارودز على الجودة والنوعية من خلال المضمون وليس من خلال المظهر وهم يشترون الملابس الفخمة.
وتركز أكاديمية دي كوستيوم دي موضا في إيطاليا على تعليم طلبتها فكرة البساطة في المواد مع التركزي على المهارة في التعامل مع تلك الأقمشة أثناء العمل.
كما شهد عرض مكتبة أنجيليكا اثنين من الرداءات البابوية صنعت التي صنعت في الورشة النابولية عام 1829 مع عرض لفيلم فيديو من سيلفيا موريني التي أرادت بفيلمها أن تعبر عن جمال الرداء الديني كما كان هناك فيلم آخر يعرض للملابس من خلال التركيز على الطابع الفني لا طابع الموضة فيما يعرضه من ملابس.
وتقول فندي أن الموضة دائما ما تعكس حركة المجتمع والعصر الذي يعيش فيه المجتمع. كما تقول أن المرأة تفكر وهي ترتدي ملابسها اليوم من خلال منظور أكثر أخلاقية. ثم تختم قولها بأن "هذا البابا الجديد هو يحتاجه الجميع في إيطاليا".