القاهرة _ إسلام خيري
يعتبر شارع محمد علي من أقدم شوارع مصر القديمة وأشتهر هذا الشارع بأنه منبع للفن والفنانين، قام بتخطيطه المهندس الفرنسي "هوسمان" الذي خطط شارع ريفولي في باريس، ولقد قام هذا المهندس بتخطيط شارع محمد علي على نفس طراز شارع "ريفولي"، خيوط الشارع طريقها بين ميدان العتبة وحتى شارع عبد العزيز في وسط مدينة القاهرة عمر هذا الشارع أكثر من خمسين عاما، وكان هذا هو مركز للفنون الشرقية في القاهرة.
ويعد شارع محمد على من أهم شوارع مصر المحروسة ومن أهم معالمه مسجد قيسون ، وحمام بشتك ، سوق السلاح ، والمناصرة والتي تشتهر حاليا بالمنتجات الخشبية ، و يبدأ شارع محمد على من مسجد النصر الأثري و ميدان القلعة وينتهي بميدان العتبة الخضراء بطول 2 كيلو متر تقريبا واهم ما يميزه البواكى الحجرية ذات الطراز الفرنسي والتي لم يتبق منها الا القليل، وعندما تدخل شارع محمد علي لأول مرة سينتابك شعور غريب فليس هو الشارع الذي صورته السينما والمسرح فما يشاهد فيلم محمد علي الذي قام ببطولته المطرب عبد الغني السيد عام 1944 وما يشاهد مسرحية محمد علي التي قامت ببطولتها شيرهان أمام وحش الشاشة فريد شوقي يتخيل شارع محمد علي مليء بالموسيقيين والعوالم والراقصات ولكنه ليس
كذلك الآن وربما كان في هذا الشكل في الماضي أنما الآن أصبح عبار عن مجموعة من المتاجر الخاصة ببيع الأدوات الموسيقية وبعض المتاجر الأخرى .
وبسبب تدهور الأوضاع المعيشية وخاصة "القهاوي" أُغلقت غالبيتها في شارع محمد علي، الا أن قهوة " المشير" أو قهوة " نادي المشير" ، هي الوحيدة التي ما زالت تتحدى الزمن، وهي قهوة صغيرة تقع في زاوية الشارع قرب باب الخلق ويحيط بها العديد من محلات الموبيليا من كل جانب يجلس عليها أقدم الآلاتية والعازفين والموسيقيين، القهوة عمرها ثلاثون عامًا بداخلها تعلق لوحات الآيات القرآنية على الحوائط ،مع صور أسرة صاحب القهوة والجدارن يبدو عليها عوامل الزمن كثيرًا .
داخل القهوة يجلس الموسيقي عبد الرحمن محمد أحد أعضاء فرقة حسب الله، يلعب "طاولة" مع صديق له ويستذكر أيام الزمن الجميل : "أنا عازف ترومنبيت بفرقة حسب الله وأذكر أول مرتب حصلت عليه من الفرقة كان جنية مصري ووقتها كنت سعيد للغاية ، وأعتدنا الجلوس والتجمع على مقاهي شارع محمد علي ولكن للأسف العديد من القهاوي تم إغلاقها مثل مقهى حلاوتهم وكازينو شريف وقهوة التجارة ولم يبقى سوى قهوة المشير التي أعتدنا الجلوس عليها دائما لأننا نشعر بالراحة بها كثيرا وأعتقد أنني لا يمكن أن يمر يوما دون أن أجلس مع زملائي على هذه القهوة .
واستذكر الفنان محمد الفنانين والمشاهير الذين ترددوا على تلك القهوة في الماضي قائلًا : "أذكر إن الفنان محمود شكوكو كان يجلس عليها دائما وكارم محمود وشفيق جلال وغيرهما، في الماضي كنا نعتاد الجلوس على القهاوي في انتظار الشغل حيث إن من يريد إحياء فرح أو حفل كان يأتي لنا على تلك القهاوي للتعاقد معنا ولكن حاليا نجلس عليها من أجل أن نتذكر الزمن الجميل فقط ، عندما ظهرت الآلات الموسيقية الحديثة بدأ انهيار مهنتنا في الفرقة خاصة عند ظهور الأورج والجيتار وغيرها من الآلات التي حلت محل العود والكمان وغيرها من الآلات القديمة فالتخت الشرقي جميعه أصبح لا وجود له ولا وجود للفن الحقيقي الذي كان موجود بالماضي"، ويتابع : "كنا نجلس ونعزف في القهاوي والجميع يحينا ويشجعنا أما الان لا يمكننا ان نفعل ذلك لأن الجميع سيستغربون".
أما أحمد شاهين فهو عازف القانون كان يجلس بجوار عبد الرحمن فقال : "انا كنت ضمن فرقة حسب الله ولكنني الان أعمل في صيانة الآلات الموسيقية وللأسف الشديد نادرًا ما يأتي لي أحد حتى أعمل له تصليح أو صيانة للآلة لأنه لم يعد أحد يهتم بالفن في ذلك الوقت وأصبحت الموسيقى المقدمة لا طعم لها".
حكايات شارع محمد علي
يُروى أن الفنانة أمينة رزق حين وفدت للقاهرة مع خالتها، استأجرت شقة بشارع محمد علي وتعلمت خالتها الرقص وكادت أمينة رزق تمتهن فن الغناء لولا أن التقى بها أحد الجيران ويدعي أحمد سكر وكان سكرتيرًا لفرقة رمسيس فقدمها للفنان يوسف وهبي، الذي ضمها لفرقته وكانت بداياتها المسرحية وسبيلها للنجومية فيما بقيت خالتها في عملها كراقصة.
ويروى أيضا قصة مؤلمة حيث كان المطرب عبده الحمولي يغني في فرح ابنه في شارع محمد علي حيث أنه كان يقيم في هذا الشارع ويعيش به هو وعائلته وجاء له شخص ليقول له في أذنه إن ابنه قد توفى ومن إخلاصه رفض أن يعلن خبر الوفاه وأستمر في الغناء حتى الصباح ولكن من شده تأثره في الغناء جعل الجميع يبكون من إحساسه وأنقلب الفرح مآتم .
واشتهر شارع محمد علي بالعديد من العوالم فلا يمكن أن ننسى "شفيقة القبطية" رغم انتمائها لأسرة قبطية محافظة، أصبحت شفيقة القبطية أحد أشهر راقصات مصر التي كانت تعيش في شارع محمد علي وكانت أكثر الراقصات ثراء حتى أنها كانت تسقي خيولها شامبانيا كما رقصت أمام الأمراء بل ورقصت في باريس واستطاعت شفيقة أن تخلب عقل الجميع، في عام 1963 أخرج حسن الإمام فيلم يحمل اسمها ويتناول قصة وقامت ببطولته هند رستم. يروى أنها رقصت عام 1891 وهي مرتدية حذاء ذاع كعب مصنوع من الذهب الخالص، وبعد عودتها لمصر أصبحت من أشهر الراقصات بل وتربعت على عرش العوالم إلى أن وقعت في غرام شاب يصغرها بأكثر من ثلاثين عاماً استولى على أموالها وأنفقها على مزاجه الخاص إذ كان مدمناً للمخدرات ثم هجرها فأدمنت بدورها الخمر، وانحدر بها الحال حتي امتهنت التسول.
وهناك أيضاً أمينة شخلع وهي إحدى عوالم شارع محمد علي التي ولدت لأب سوداني وأم مصرية واشتهرت باسم «شخلع» وكانت إحدى أشهر العوالم بمصر في بدايات القرن الماضي وسكنت بحي الحلمية القديمة وتوفيت عام 1924.ومن أشهر أغانيها قولوا لعين الشمس ما تحماشي أحسن غزال البر صابح ماشي.
أما الأسطورة بمبة كشر، فهي راقصة من سلسلة الراقصات اللاتي حققن شهرة كبيرة جداً وسط هذا الكم الكبير من العوالم، كُتبت عنها عدة مسرحيات وجسدت نادية الجندي شخصيتها في فيلم يحمل إسمها، و تربعت كشر على عرش الرقص الشرقي لأكثر من نصف قرن، ولدت عام 1860لأسرة من أشهر العائلات في مصر، فجدها لأبيها هو السلطان مصطفي كشر أحد أعيان مصر في القرن الثامن عشر، ووالدها الشيخ أحمد مصطفى أحد قارئي القرآن بمصر، وهي الراقصة المصرية الوحيدة التي خرجت من أسرة غنية. بدأت حياتها الفنية في سن مبكرة وهي بنت 13 عامًا بطموح لم يتوقف منذ طفولتها وحتى وفاتها، في بداية حياتها الفنية كانت تذهب لإحياء حفلاتها في الأفراح راكبةً على ظهر حمار .
ولأن الشارع إمتلأ بكل الجنسيات والأطياف، نذكر من أعلامه أيضًا سيرينا المصرية وهي مطربة وممثلة مسرحية مصرية من أصول يهودية ولدت عام 1888وبدأت حياتها الفنية منذ 1905، كانت مطربة بفرقة إسكندر فرح وتألقت بعد ثلاثينات القرن العشرين وهي الأخت الكبيرة للممثلة نجمة إبراهيم. شاركت بالكثير من المسرحيات منها مسرحية شهداء الغرام وغادة الكاميليا وأحدب نوتردام ويوم القيامة وأهل الكهف كما شاركت بالتمثيل في فرق سليم عطا الله وجورج أبيض وسلامة حجازي وفاطمة رشدي وفرقة يوسف وهبي وأمين عطا الله والفرقة المصرية.
و هناك أيضاً الست نعيمة المصرية وهي زينب محمد إدريس التي ولدت عام 1894م، وهي مصرية اشتهرت في أوائل العشرينيات وكان لها مسرحها الخاص «الهامبرا» وتوفيت عام 1976 عن عمر 82 عامًا، أشهر أغانيها «يا بلح زغلول وإن كنت شاريني وقوم يا حبيبي بقينا الصبح والنبي لآيس وياك يا غزال ويابو الشريط الأحمر».
عندما يذكر شارع محمد علي، تذكر نعمت مختار التي اعتبرتها أم كلثوم «سيمفونية» كما طلبها فريد الأطرش بكل حفلاته، تخصصت في إحياء حفلات العائلة المالكة والمشاهير وأثبتت أنها فنانة متعددة المواهب فهي راقصة ومطربة وممثلة ومنتجة عملت في البداية راقصة ثم انتقلت للسينما وتفرغت للتمثيل حيث جسدت بعض الأدوار الصغيرة حتي أنتجت فيلم المرأة التي غلبت الشيطان وقامت ببطولته ثم قررت اعتزال الفن والتفرغ لحياتها الخاصة ولابنها الوحيد محمد.
هناك أيضاً الآنسة سمحة المصرية وهي مطربة مصرية برزت واشتهرت خلال العشرينيات والثلاثينيات من القرن العشرين، اشتركت مع محمد عبدالوهاب بتمثيل مسرحية أنت وبختك 1923كما شاركته في بعض طقاطيقة القديمة مثل نوبة على كوبري قصر النيل والله زمان ياخفافي ويامين يحكم بيني وبينك كما غنت مع محمود رحمي طقطوقة على بلدي بالإضافة لطقطوقتي والله تستاهل ياقلبي ويافرحتي بجواب محبوبي والتي غنتهما منفردة.
شارع محمد علي على الرغم من تغير الزمن إلا أنه مازال يفوح بعطر الفن حتى وقتنا هذا ولا يمكننا أن ننسى أنه قد خرج منه العديد من فنانون الزمن الجميل العظماء أمثال شكوكو إسماعيل يس و علي الكسار وسامية جمال وشرفنطح وغيرهما من النجوم والفنانون .